قاعدة حزب “المحافظين” البريطاني تتآكل على ثلاث جهات يواجه سوناك هجوم “العمال” على الأصوات الوسطية والديمقراطيين الليبراليين في المعاقل التقليدية وفاراج من اليمين
إن وتيرة التغيير الاجتماعي البطيء لكن الحتمي تؤدي في بعض الأحيان إلى تقطع السبل بالأحزاب السياسية، فقبل 100 عام فاز حزب “العمال” بمقاعد أكثر من الليبراليين خلال الانتخابات العامة، وبعد ستة أسابيع شكل رامزي ماكدونالد أول حكومة عمالية في أعقاب مفاوضات أُجريت في ظل برلمان معلق [لم يفز أي حزب فيه بغالبية كافية لتشكيل حكومة].
لقد توقع الحزب الليبرالي صعود الطبقة العاملة المنظمة لكنه فشل في القيام بما يلزم لاستيعابها، واليوم لاحظ حزب “المحافظين” ارتفاع نسبة أصحاب الشهادات الجامعية بين الناخبين، وهو الأمر الذي لا يسره، ولكنه فاز خلال الانتخابات الأخيرة بفضل أصوات أنصار “بريكست” من غير الحاصلين على شهادة جامعية، لذا فهو غير قادر على اتخاذ القرار في شأن ما ينبغي عليه أن يفعله بغرض تأمين مستقبله في بلد يتغير.
وقد قدم البروفيسور روب فورد من جامعة “مانشستر” بحثاً جديداً في “مؤسسة السوق الاجتماعية” Social Market Foundation هذا الأسبوع حول كيفية تحول التعليم إلى شرخ جديد في السياسة البريطانية، فقد أصبح حاملو الشهادات الجامعية منذ الانتخابات العامة عام 2015 واستفتاء عام 2016 أكثر تأييدا لحزب “العمال” وللاتحاد الأوروبي، في حين صار غير الخريجين أكثر ميلاً لدعم حزب “المحافظين” وعداء للاتحاد الأوروبي.
وعلى الدوام هناك عدد أكبر من الخريجين بين السكان، إذ ارتفعت نسبتهم من الخمس إلى الثلث خلال العقدين الماضيين، علماً أن هذه الحصة ستستمر في الارتفاع لمدة تتراوح من 40 إلى 50 عاماً، طبقاً للبروفيسور فورد، حتى إذا جرى عكس حركة انتشار الجامعات، كما يتمنى بعض “المحافظين” في الآونة الأخيرة.
وقال البروفيسور فورد “إن التغيير الديموغرافي غريب على التحليل السياسي لأنه بطيء ولا هوادة فيه مثل النهر الجليدي”، ولفت إلى أن “المحافظين” يتعرضون للتهديد من قبل جدار من الجليد، إضافة إلى كل الضغوط قصيرة المدى الملقاة على عاتق الحكومة في وقت ترزح فيه معايير المعيشة تحت وطأة الضيق.
ولقد رأى أن الأسباب المباشرة وراء عدم الشعبية قد صرفت انتباه “المحافظين” عن التغييرات السلبية الأساس، وهذه التغييرات تؤدي إلى جعل ميدان اللعب يميل ضد مصلحة “المحافظين” طوال الوقت، وهي تعني أيضاً أنه حين نلاحظ أن فوز بوريس جونسون عام 2019 حصل بسبب جمود عملية “بريكست” وجيرمي كوربين علاوة على الجاذبية الإيجابية لجونسون نفسه، وهي عناصر لن يتوفر أي منها في المرة المقبلة، وهناك تغيير رابع يتمثل في تنامي تأييد الناخبين أكثر بقليل مما مضى لحزب “العمال” وللاتحاد الأوروبي.
إن وتيرة التغيير بطيئة ولكنها مهمة، والنتيجة هي أن إعادة الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي الآن ستكون 54 في المئة في مقابل 46 في المئة لمصلحة البقاء إذا صوت حاملو الشهادات الجامعية وغير الخريجين مثلما فعلوا قبل سبعة أعوام.
ولا يعني هذا فقط أن ساحة المعركة الرئيسة بين “المحافظين” وحزب “العمال” أكثر مِنعة بالنسبة إلى سوناك، بيد أن هناك كتلاً كبيرة من الأصوات التي كانت من نصيب حزب “المحافظين” في المرة الأخيرة يمكن أن تنسلخ عنه.
ويبدي البروفيسور فورد اهتمامه بصورة خاصة بالمقاعد الـ 40 حيث العدد الأكبر من الناخبين ذوي الشهادات الجامعية والتي يتعين على “المحافظين” الدفاع عنها للبقاء في الحكم، وتشمل هذه المناطق “مساحة شاسعة حول لندن حيث ينافسهم الديمقراطيون الليبراليون والتي يمكن أن تشكل معقلاً لأصحاب الشهادات الجامعية من أنصارهم”.
إن مخالفة محافظين معروفين من أمثال دومينيك راب التوقعات في المرة الأخيرة واحتفاظهم بمقاعدهم في مقاطعة إيشر على رغم الأخطار الكبيرة لا يعني أن هذه المقاعد آمنة، وإن التغير في كتلة الناخبين الخريجين يزيد احتمال تساقط قطع الدومينو في المرة المقبلة، ولا عجب أن راب لن يرشح نفسه مرة أخرى.
وقارن البروفيسور فورد قناعة حزب “المحافظين” [بالفوز] بمقاعده في الجنوب مع تجاهل حزب “العمال” التهديد الذي كان يواجهه في اسكتلندا عام 2015 وفي دوائر الجدار الأحمر [معاقل الحزب التقليدية] عام 2019، إذ إن “هذه المقاعد مضمونة حتى اللحظة التي تخسرهم فيها”.
ويمكن أن يأتي من تحليل “مؤسسة السوق الاجتماعية” ما هو أسوأ، وفي حين يجازف المحافظون بخسارة جزء كبير من أصوات ناخبيهم من الخريجين التي ستذهب إلى الديمقراطيين الليبراليين، فإن أصواتهم الأساس من غير الخريجين معرضة هي الأخرى للتهديد أيضاً من الاتجاه المعاكس.
إن حزب “ريفورم يوكي” (إصلاح المملكة المتحدة) الذي كان سابقاً “حزب بريكست” و[يعتبر بمثابة] شركة أنشأها نايجل فاراج ولا يزال يستحوذ على غالبية [الأسهم] فيها، يُبلي حالياً بلاء حسناً في استطلاعات الرأي، كما يشير توم ماكتاغ من موقع “أنهيرد” UnHerd الإلكتروني.
ويقول حوالى ثمانية في المئة من الناس إنهم يعتزمون التصويت لمصلحة “حزب ريفورم يوكي” على رغم التغطية المحدودة التي تفردها له وسائل الإعلام الرئيسة.
إن أحد الأسباب التي دفعت فاراج إلى الاستمرار في برنامج “أنا أحد المشاهير”I’m a Celebrity التلفزيوني هو الترويج لنفسه بهدف لعب دور في الانتخابات المقبلة، وقد أدرك حزبه الذي يقوده حالياً ريتشارد تايس متأخراً أن من الخطأ تغيير علامته التجارية، و[حاول تصحيح] ذلك من خلال تقديم طلب لإدراجه في أوراق الاقتراع الانتخابية باسم “ريفورم يوكي: حزب الـ ’بريكست‘”.
ومن يدري ما هي الفوضى التي يمكن أن يحدثها فاراج وتايس إذا وجها رسالة مناهضة للهجرة مفادها أن “طريقة إتمام ’بريكست‘ كانت خطأً فادحاً”، وترشحا على مقاعد تنحى عنها مرشحا حزب “المحافظين” خلال الانتخابات الأخيرة. وفي حين حصل فاراج ذات يوم خلال أعوام [تنامي شعبية] حزب “استقلال المملكة المتحدة” Ukip على أصوات من أنصار حزبي “العمال” و”المحافظين” على حد سواء، فإن تحول مواقف الناخبين الخريجين يعني أن الدعم قد يأتيه الآن بغالبية ساحقة من ناخبي “المحافظين” الساخطين، وهذا يعني أن “المحافظين” يتقهقرون على ثلاث جبهات دفعة واحدة.
وعلى المستوى الوطني يضغط عليهم حزب “العمال” المنبعث من جديد بحلة بديل [سياسي] معتدل وكفؤ، ويتمتع بقاعدة انتخابية مؤلفة من حملة الشهادات الجامعية كما تربطه جسور قوية بـ “المحافظين” اجتماعياً من غير الخريجين الذين ينصب اهتمامهم الرئيس على كلف المعيشة.
وقال البروفيسور فورد إنه “ليس من الممكن لأي من الطرفين بناء ائتلاف يفوز بالانتخابات من دون جسر الشرخ”، وقد فعل جونسون ذلك في الانتخابات الأخيرة وستارمر يفعل ذلك في هذه المرة.
وفي الوقت نفسه فإن “المحافظين” معرضون للخطر من “الديمقراطيين الليبراليين” في مقاعد المقاطعات الرئيسة حول لندن، وفوق كل ذلك يقضم حزب فاراج من أصواتهم الأساس باعتباره قادراً على حشد الأصوات المناهضة للهجرة على غرار ما فعله غيرت فيلدرز في هولندا ودونالد ترمب في الولايات المتحدة.
ولهذا السبب رأى البروفيسور فورد أن سيناريو كندا عام 1993، أي انتقال حزب “المحافظين” هناك من الحكم بالغالبية إلى شغل مقعدين فقط، كان “احتمالاً حقيقياً لم يبحث فيه بصورة كافية” خلال انتخابات المملكة المتحدة المقبلة.
© The Independent