ما بعد غزة من منظور الإدارة الأميركية: دمج “حماس” بالسلطة الفلسطينية.. بلا عباس
المشهد بالمُجمل في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا يشير الى تحول كبير نحو إنهاء الحرب على الشعب الفلسطيني، ويبدو اننا أمام فترات حرب تتوالد في مواجهة صمود ليس غريبا عن الشعب الفلسطيني ومقاومة عنيفة وأمداً طويلاً للحرب مع أشكال مختلفة.
أمس شهد اعترافا اسرائيليا علنيا ببعض الخسائر البشرية التي لا تعبر عن واقع الحال وهي اقل مما تعرض له الإسرائيليون من خسائر في غزة، لكن الجيش الغازي ما عاد في استطاعته التعتيم على خسائره وسط تسرّبات للاعلام عما يحدث.
ليست تلك الخسائر بمانع امام الخطة الإسرائيلية في استكمال الحرب، فهذه الحرب تشكل الخيار الوحيد امام أقطاب احدى اكثر الحكومات اليمينية في تاريخ الدولة العبرية وعلى رأسهم بنيامين نتانياهو الذي سيكون اول ضحايا انهاء الحرب واكثرهم وجعا.
ما يجري سيستمر بسبب الضوء الاخضر الاميركي الذي ما زال يوفر الأمان لنتانياهو ليكمل في عدوانه، لكن الخلاف مع الاخير قائم منذ ما بعد الايام الاولى للعدوان في 7 تشرين الاول الماضي.
تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من لجم عدوانية الإسرائيليين ومنع اكثر من هدف لنتانياهو مثل المضي في آلته التدميرية الى الاخير، لكن من دون وقفها، وهو ما تدلل عليه المشاهد المؤلمة للمجزرة الاسرائيلية في غزة. كما عارضت واشنطن، هذه المرة بنجاح، هدف رئيسي الحكومة الاسرائيلية في اقامة منطقة عازلة، والأهم، ازاحة منطق نتانياهو في ادارة غزة وضرب السلطة الفلسطينية كمفاوض رئيسي ولاعب في ما بعد الحرب.
طبعا كان للمقاومة الفضل في كل ذلك، وسيكون من شبه المستحيل تحقيق هدف القضاء على “حماس” ومن الصعوبة بمكان تحقيق فصل الجناحين السياسي والعسكري عن بعضهما البعض حتى انفصلا لناحية الهرمية والقيادة.
خطر التهجير قائم
والحال ان متابعين ديبلوماسيين للحرب يؤكدون ان خطر تهجير الفلسطينيين نحو مصر ما زال قائما ومن بعده نحو الأردن ودولا أخرى. إنه هدف يصر عليه نتانياهو ويعمل عليه ويفشل به كل مرة. لكن الرهان هو على الضغط الأميركي والغربي على مصر والاردن بجزرة المساعدات والديون، إلا أن موقف القاهرة وعمّان صامد، وقبله موقف الشعب الفلسطيني الذي يصر على أنه لن يُسبى مرتين بعد نكبة العام 1948.
الأمر الآخر الذي ما زال غامضا حتى اللحظة وسيستمر في الفترة المقبلة، هو مستقبل غزة بعد الحرب.
هنا مربط الفرس.
حكام إسرائيل يريدون اجتثاث “حماس” ويبدو أنهم حققوا هدفهم في مخيلتهم وباتوا يبحثون عمّا بعد تلك الحركة مع اعتبارها جسما مسقطا على اهل غزة ولا بيئة حاضنة له. اكثر من ذلك يستبعد هؤلاء السلطة الفلسطينية التي يعتبرها نتانياهو شريكة في 7 تشرين، والرغبة هي في احتلال غزة (ربما الابقاء فقط على رفح وهذا مستحيل) وادارتها في مرحلة انتقالية تتخذ طابعا غير معروف لناحية الضامن الخارجي لها، ثم تسليم القطاع الى حكم مدني مسالم لا يهدد الدولة العبرية بعد فصله عن الضفة الغربية (وهذا كان دأبه منذ سنوات عبر تعميق الانقسام في موازاة تعزيز الحصار على القطاع)!
التخلص من “حماس” ونتانياهو
من الواضح ان اسرائيل نفسها لم تكن جاهزة لخيارات كهذه ما يفسر إرباكها، لكن ثمة أسئلة كثيرة هنا لا اجابات عنها منها ما هو متعلق بالهيكلية السلطوية للقطاع التي ما زالت غامضة ويريدها الاميركيون تحت ادارة السلطة الفلسطينية بعد “إصلاحها”. أما معنى ذلك فهو التخلص من الطقم الحاكم على رأس السلطة وأهمه رئيسها محمود عباس “أبو مازن” تحت عنوان أن السلطة شاخت وفسدت ولم تعد تملك الجذور الشعبية لتقدم على تسوية تاريخية مع اسرائيل.
هنا ثمة خلاف كبير اسرائيلي أميركي. فالترتيبات الأميركية تهدف (حتى اللحظة) إلى تفاهمات مسبقة قبل إنهاء الحرب مع رهان اميركي على مرحلة ما بعد نتانياهو الذي تريد واشنطن الانتهاء منه ومن “حماس” معه ووصول حكومات اسرائيلية تسهل الحل الاميركي بعد ضرب “حماس”، وليس بالضرورة انتهاءها، وانخراطها بالسلطة الفلسطينية نتيجة شعبيتها الكبيرة المتفوقة على السلطة الفلسطينية.
أبرز خلفاء “أبو مازن”
هنا يتردد، حسب متابعين للشأن الفلسطيني، أكثر من إسم كخليفة لعباس، الذي لم يعين نائباً له وسيكون أمر تجاوزه رهن الظروف. وقد ارتفعت أسهم رئيس الحكومة الأسبق سلام فياض كشخصية اقتصادية مناسبة لطبيعة المرحلة المقبلة، مع حضور اسم حسين الشيخ وهو أمين سر اللجنة التنفيذية لـ”منظمة التحرير الفلسطينية” واللجنة المركزية لحركة “فتح”، وأسماء من داخل بيت السلطة مثل نائب رئيس “فتح” محمد العالول وجبريل رجوب وغيرهم، بينما لا يرغب رئيس “تيار الإصلاح الديموقراطي” في حركة “فتح” محمد دحلان الدخول في لعبة خلافة عباس وهو، كإبن غزة، يتمتع بعلاقة جيدة مع “حماس”..
من جهتها، ترفض السلطة الفلسطينية الحلول كسمسار لدى الإسرائيلي ولا مانع لديها، بل ثمة رغبة، في إدارة غزة مع الضفة على أن تشترك مع “حماس” في انتخابات تنتج حكومة وحدة وطنية.. لكن بعد فترة انتقالية قد تمتد لسنوات لإزالة غبار الحرب وإعادة إعمار غزة ربما في اطار شبيه بـ”مشروع مارشال” عربي..
دمج “حماس” بمنظمة التحرير
ثمة سعي هنا لتفعيل “منظمة التحرير الفلسطينية” واستيعاب “حماس” و”الجهاد الإسلامي” التي تشترك بالمقاومة في غزة، في المنظمة.
يستند اصحاب منطق الدمج هذا الى ان “حماس” تطورت كثيرا عن السابق وباتت اكثر براغماتية الى درجة القبول بحل الدولتين علما ان متابعين يشيرون الى ان شعبيتها زادت لدى اهل غزة الذين يحمّلون بغالبهم الاعم إسرائيل مسؤولية ما يحصل من قتل ودمار وتهجير، كما ان شعبية الحركة زادت في الضفة الغربية لا سيما قيادتها العسكرية وليس بالضرورة السياسية في الخارج التي تخاصم دولا عربية لا يعاديها الجناح العسكري.. كما أن تطورا طرأ على فكر الحركة لناحية رؤيتها للقوانين الدولية والتحول نحو حزب سياسي حقيقي، هكذا يقول أصحاب وجهة نظر الدمج هذه.
من ناحيته، بينما يراهن نتانياهو على دور قطري ضاغط على “حماس”، يكابر الرجل، وهو للمناسبة صاحب اطول عهد في رئاسة الوزراء في تاريخ الدولة العبرية، في رفض اعتبار ان “اليوم الثاني” بعد الحرب فلسطينيا سيكون له النظير إسرائيليا ولذلك يريد تحقيق اكبر عدد من منجزات يبتغيها لكنها ليست بالمتناول فالحرب على غزة، باستثناء القتل والتدمير، لم تحقق اي منجز كبير ولذلك إذا أرغم نتانياهو على وقف الحرب قد يستمر بها في أشكال أخرى..
من هنا فإن مخطط رئيس الحكومة الإسرائيلي سيفشل والتطورات رهن المجريات على الأرض وسيكون من الصعب جدا اي حل تدويلي وعربي يرفضه العرب، بينما يشجع هؤلاء سلطة فلسطينية مجددة هي تحتاج اصلا الى التجديد والتحول نحو الديموقراطية بعد اعادة بناء ما تدمر من مؤسسات بناء وشعبية.
.. حتى اللحظة، لا تغيير في مخطط الحكومة الاسرائيلية التي ما زال شعبها بغالبيته ملتفا حول قضية “أمن قومي” مع تصاعد موازٍ للتذمر وبدء التباينات بين اليمين واليسار والوسط، في انتظار تبلور تلك الانقسامات وتقاطعها مع الضغود العالمية على الادارة الاميركية لكي تضغط على حليفتها العبرية.
في كل الأحوال سنكون بعد الحرب أمام حراك سياسي فلسطيني لترتيب البيت الداخلي وتجاوز الانقسام وإعادة الاعمار. على ان النتيجة الكبرى في ما حصل، على ألمه، أن القضية الفلسطينية عادت لتتصدر جدول الأعمال العالمي.