ارتفاع قتلى العدو يزيد قلق نتنياهو ويضعه بين خيارين: التراجع الآن أو المزيد من الغرق في رمال غزة
} حسن حردان-البناء
بدأ تأثير الخسائر الكبيرة لجيش الاحتلال في الأرواح والعتاد في غزة، يلقي بثقله على الداخل الاسرائيلي، ويرفع من منسوب القلق لدى قادة الحرب الصهاينة، من انعكاساته السلبية، لا سيما لناحية تأييد الجمهور الإسرائيلي لمواصلة الحرب، خاصة في ظل ّتنامي حركة الشارع الداعية لوقف النار وإعطاء الأولوية لعملية تبادل الأسرى خوفاً على حياة الجنود الأسرى لدى المقاومة، حتى ولو أدّى ذلك إلى وقف الحرب ودفع الثمن الذي تطالب به فصائل المقاومة الفلسطينية، والتي تطالب، قبل بدء التفاوض على شروط تبادل الاسرى، بوقف دائم للنار، وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع، وفكّ الحصار المفروض عليه، ووقف الاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى…
وقد عبّر عن هذا القلق رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو، الذي اعترف بأنّ «إسرائيل تدفع ثمناً كبيراً يفطر قلبها، لأنها فقدت كثيراً من الجنود».. محذراً من تداعيات الانقسام في صفوف فريقه الحكومي.. بعد ظهور الخلافات إلى العلن..
لكن لماذا يقلق نتنياهو من تكبّد جيشه الخسائر الكبيرة؟
اولاً، لأنّ توارد الأخبار في كلّ دقيقة عن مقتل المزيد من الجنود الصهاينة في ميدان القتال الضاري في قطاع غزة، يؤدّي إلى رفع الكلفة البشرية للحرب، وهذا سيقود إلى نتيجتين:
النتيجة الأولى، إضعاف معنويات جيش الاحتلال، حيث من المعروف انّ ضباطه وجنوده يحرصون أشدّ الحرص على حياتهم، وهم ليس لديهم استعداد للتضحية، ولذلك يعتمدون في شنّ حربهم واعتداءاتهم على التفوّق الجوي والتحصّن في الدبابات والمدرعات ويتجنّبون النزول منها لخوض القتال المباشر في مواجهة رجال المقاومة الذين يتفوّقون، باعتراف الناطق العسكري الاسرائيلي، على جيش الاحتلال عندما أخذ القتال شكل المواجهة المباشرة، لأنه أفقد العدو عناصر تفوّقه، ولانّ رجال المقاومة لا يخافون الموت، بل يتمتعون بروح الاستعداد للشهادة كونهم يقاتلون دفاعاً عن قضيتهم المعادلة والمحقة، بعكس جنود جيش الاحتلال الذين لا يملكون قضية عادلة ويمارسون كلّ انواع الأساليب النازية في عدوانهم على المدنيين.
على انّ ما بات يخيف هؤلاء الجنود انّ دباباتهم ومدرّعاتهم لم تعد توفر لهم الحماية من الموت، بل تحوّلت إلى توابيت لهم لأنّ المقاومة امتلكت القدرة على تدميرها وإحراقها وهم في داخلها.. واذا ما حاول بعض الجنود النجاة فإنّ رصاص المقاومين بالمرصاد للقضاء عليهم.. وقد نجحت المقاومة حتى الآن في تدمير وإعطاب أكثر من خمسمائة دبابة ومدرّعة وجرافة…
هذا التطور الذي فاجأ وصدم قادة العدو، بات يؤثر تأثيراً كبيراً على أداء جيش الاحتلال في ميدان القتال ويربك تقدّمه وقدرته على فرض سيطرته في المناطق التي يدخل اليها، وبالتالي تفاقم فشله في تحقيق إنجازات عسكرية حقيقية تقرّبه من بلوغ أهدافه.
النتيجة الثانية، بدء تآكل دعم الغالبية الإسرائيلية للحرب، وازدياد أعداد المعارضين لاستمرارها، خصوصاً أنّ ارتفاع أعداد القتلى في صفوف الجنود الصهاينة، يترافق مع استمرار الإخفاق العسكري في تحقيق الأهداف، مما يؤدّي الى:
1 ـ خلق مناخ عام من عدم جدوى مواصلة الحرب.
ـ إفقاد الاسرائيليين القدرة على تحمّل كلفة الحرب البشرية والمادية، واستمرارها لفترة طويلة.
3 ـ زيادة انعدام الثقة، التي تولدت في 7 أكتوبر، بقدرة جيش الاحتلال على تحقيق الأمن والاستقرار للمستوطنين في جنوب وشمال فلسطين المحتلة، وبالتالي استمرار نزوحهم عن مستوطناتهم، وما يرتبه ذلك من تداعيات سلبية نفسية واقتصادية.. وارتفاع منسوب الهجرة المعاكسة من حملة الجنسيات المزدوجة.. حيث تحدثت الأرقام الإسرائيلية عن نصف مليون مستوطن هاجروا من فلسطين إلى البلدان التي جاؤوا منها، منذ بداية العدوان.
4 ـ تفاقم قلق وخوف عائلات الأسرى من الجنود الصهاينة، على حياتهم واستعادتهم، وبالتالي تصعيد تحركاتهم وانضمام أعداد أكبر من المتضامين معهم للمطالبة بوقف النار، وإعطاء الأولوية لعقد صفقة تبادل للأسرى لإطلاقهم، ودفع الثمن المطلوب لذلك.. وما عزز هذه المخاوف العملية الفاشلة التي قامت بها وحدة خاصة لتحرير جندي وأدّت الى مقتله ومقتل وإصابة عدد من عناصر القوة الإسرائيلية.
من هنا فإنّ قلق نتنياهو إنما ينبع من أن يؤدي ذلك إلى تآكل تأييد الاسرائيليين للحرب، وحصول تحوّل في موقفهم لصالح المطالبة بوقفها، وبالتالي تفجر الإجماع الإسرائيلي حول الحرب للانتقام من المقاومة والشعب الفلسطيني، على ما أصاب الكيان الصهيوني وجيشه من هزيمة قاسية على أيدي المقاومة في 7 أكتوبر.. واستطراداً استعار الخلافات السياسية التي بدأت تظهر، وإضعاف تماسك مجلس الحرب.. وكان لافتاً كلام المحلل العسكري الاسرائيلي يوسي يهوشواع قوله من انّ «الخسائر الكثيرة، مثل الكارثة المزدوجة التي حلت بعائلة الوزير غادي ايزنكوت، تؤثر في الوعي الاسرائيلي في ما يتعلق بالحرب».
على انّ ما يزيد من قلق نتنياهو أمرين:
الأمر الأول، إنّ وقف الحرب الآن من دون تحقيق أيّ هدف من أهدافه، أو أي إنجاز عسكري، او صورة نصر، سيؤدّي إلى مواجهته فوراً المحاسبة في الداخل عن الفشل في 7 اكتوبر، وعن تحميله مسؤولية الهزيمة والإخفاق في غزة، وبالتالي دخوله السجن كما حصل لسلفة إيهود اولمرت بعد هزيمة جيش الاحتلال أمام المقاومة في جنوب لبنان خلال حرب تموز عام 2006…
الأمر الثاني، انّ مواصلة الحرب، تزيد من غرق جيش الاحتلال في رمال غزة، التي حوّلها رجال المقاومة إلى مقبرة لجنود العدو، وبالتالي ارتفاع أعداد القتلى في صفوفهم، وتفاقم مأزق حكومة نتنياهو لعدم قدرة جيشه على حسم المعركة مع المقاومة، وتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية التي شنّ عدوانه من أجلها.. وهذا ما يجعل استمرار الحرب مكلفة جدا على جيش الاحتلال وكيانه وتؤدي إلى تسعير التناقضات داخله وانقلاب موقف الجمهور الصهيوني من مؤيد بأغلبيته للحرب إلى معارض لاستمرار ويضغط على حكومته لوقفها.
ولهذا فإنّ نتنياهو بات عالقاً بين مصلحته الشخصية في إطالة أمد الحرب عله يحقق بعض أهدافه، للنجاة من المحاسبة القاسية التي تنتظره في اللحظة التي تتوقف فيها، وتكون نتيجتها هزيمة جيشه مرة ثانية بفعل قوة وضراوة المقاومة الباسلة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني.. وبين الغرق في الفشل وزيادة أعداد القتلى من جنوده والتسبّب بالمزيد من التداعيات السلبية على الداخل الصهيوني بما يجبره على الرضوخ لوقف الحرب وتجرّع كأس الهزيمة القاسية أمام المقاومة ودفع الثمن مضاعفاً…
ولهذا يجد نتنياهو نفسه مع كلّ يوم يستمرّ فيه في عدوانه، بين خيارين: التراجع الآن، أو الغرق أكثر في رمال غزة…