المنطقة في حال حرب… وبدأ الخروج عن السيطرة
ناصر قنديل-البناء
– الأكيد أن خطة المواجهة التي تمّ التوافق عليها بين أطراف محور المقاومة، وهي تتضمّن حكماً تحديد مستوى التدرج في توسيع دائرة المواجهة الى جبهات جديدة في طليعتها لبنان، لم تتضمّن مما نشهده اليوم وقد نشهده غداً إلا العملية الافتتاحية التي نفذها حزب الله والتي منحته فرصة التصعيد التدريجيّ، وفقاً لقراءته لمعطيات حرب غزة، لكن ديناميكية الأحداث المتسارعة في ظل توتر عالٍ ناتج عن هول المذبحة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، يترجم بديناميكية فعل فلسطيني من حدود لبنان لا يمكن رفضه، تقابله عقدة نقص يعانيها ضباط القرار الميداني في جيش الاحتلال تجاه المقاومة بكل فصائلها، على خلفية الشعور بالخزي بعد ما شهدته عملية طوفان الأقصى، ما يجعل عملية تقوم بها سرايا القدس عبر التسلل من الحدود اللبنانية حدثاً متوقعاً، ولو من خارج الخطة. وبالمقابل يأتي الردّ من جيش الاحتلال معاكساً لما يفترض أن يقوم به الجيش الذي يسعى لتفادي الانزلاق الى المواجهة، كما قالت الرسائل التي حملتها قيادة الكيان وجيشه لليونيفيل إلى المقاومة، ومضمونها الرغبة في تفادي الانزلاق إلى المواجهة.
– ما جرى وما سوف ينجم عن تداعياته، وبعد قيام حزب الله حكماً بالرد الموازي، يجعل سلم التصعيد قصيراً وسهل الوصول، وينقل المنطقة من حال الحرب التي دخلتها، الى خطر الانزلاق السريع نحو أفعال حربية يستحيل وقفها، وتحكم كل ما عداها، وتضع المنطقة أمام احتمالات كبرى وتاريخية. وفي لبنان حيث يختلط القلق المشروع بالقلق غير المشروع بالقلق المفتعل، يجب النظر في كون حزب الله ليس اللاعب الوحيد الذي يقرّر درجة الانخراط في الحرب الجارية في فلسطين. وهنا واجب مقاربة ما يجري بحجمه الحقيقي، حيث ثمّة زلزال ضرب المنطقة، جاء نتيجة قهر تاريخيّ لم يُعره أحد انتباهاً كافياً، حيث تمّ تجاهل عربي ودولي لحصار غزة والتنكيل بها، والاعتداءات على المسجد الأقصى، وسط إعلان فشل كل مسار سياسيّ. وذهب العرب إلى التطبيع مع الكيان بما بدا مكافأة له على جرائمه بحق الفلسطينيين، بعدما كان التطبيع مرصوداً ليكون مكافأة على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وتأديتها. وبالتوازي كان على الضفة المقابلة، ضفة الاحتلال، اهتراء كبير يختفي خلف صورة القوة والجبروت التي أغوت العرب بالتطبيع. فالجيش مفكك وعاجز ومنهك وبلا روح، والمستوطنات فالتة وسائبة وبلا حماية غير هالة الكيان وجيشه وسمعته الموروثة. وعندما اصطدم القهر الكبير بالهريان الكبير، حدث ما لم يتوقعه قادة الكيان وحلفاؤه، وما لم يتوقعه قادة المقاومة وحلفاؤهم، لكن الحدث بات أمراً واقعاً، والفضيحة وقعت. “إسرائيل” سقطت، ووجدت المقاومة نفسها أمام إنجاز لم يكن في حساباتها كماً ونوعاً، وبلغنا نقطة يصعب معها الجمود. المقاومة محصنة بفائض نصر وقوة ومعنويات لن تتراجع، والكيان مصاب في كبده وروحه ومعنوياته ولن يصمت.
– الاستنفار المجنون الى جانب الكيان من كل حلفائه في أميركا ودول الغرب وبعض العرب، بلا أدنى تقدير لما جرى ويجري ويجب أن يجري فلسطينياً، والاكتفاء بصيحات الحرب لرد الاعتبار لقوة الكيان وقدرته على الردع، ولو كان الثمن مذبحة كاملة يسقط فيها الآلاف من سكان غزة، وتمسح فيها أحياء كاملة عن سطح الأرض، يُسقِط كل فرص للعقلانية في مقاربة المشهد، ولا يُبقي مكاناً إلا لموقف واحد مضمونه الوقوف مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، بكل إمكانات متاحة. وهذا يعني ان حزب الله الذي بدأ يتدرج في مقاربته لفرضية الانخراط في الحرب ويراقب ما يجري، لن يستطيع المضي في هذه المقاربة، وسيجد نفسه مجبراً على تثبيت معادلات حماية لبنان وقواعد الردع التي تحكم الوضع عبر الحدود، أمام رعونة قادة جيش الاحتلال وتخيّلهم أن كل فعل حربي أو رد فعل على فعل حربي، سيكون إنجازاً بقدر ما يكون مجنوناً، بعكس ما تنقله الرسائل الواردة عن السعي لتفادي التصعيد. وعندما يقع التصعيد لا يمكن لأحد البقاء خارجه، وبمقدار ما يبدو أن انخراط حزب الله في هذه الحرب حدثٌ تاريخيٌّ كبيرٌ، يغير معادلات الحرب، ويعيد رسم خرائط المنطقة، يبدو أنه ليس ضرورياً أن يتخذ حزب الله هذا القرار وفقاً للحسابات التي وضعها والضوابط التي صاغها، لأن تداعيات الزلزال الذي ضرب المنطقة أطلقت ديناميكيات تتكفل خلال وقت قصير بتسريع الأمور نحو الانفجار الكبير، خصوصاً في ضوء المواقف الغربية العمياء والغبية والعاجزة عن فهم تداعيات ما ينجم عن غبائها وتشجيعها لقيادة الكيان على الذهاب إلى مذبحة بلا رحمة بحق الفلسطينيين، لتعويض الخزي الذي لحق بالكيان قيادة وجيشاً. وهم لا يعلمون أن أولى نتائج هذه المذبحة هي جذب حزب الله وغير حزب الله إلى قلب الحرب، بصورة لن يحقق الكيان معها، حكومة وجيشاً إلا المزيد من الخزي والمزيد من التآكل والاهتراء. وعندما تندلع الحرب لا يستطيع أحد التحدث عن نهاياتها، بحيث يكون التدحرج نحو الجليل حتمياً، وربما يقدم نسخة منقحة شديدة السهولة قياساً بما شهدناه في مستوطنات غلاف غزة والثكنات العسكرية حولها وفيها.
– عندما توضع مصائر الدول والشعوب بأيدي فاقدي الأهلية العقلية والحاقدين وهم مدجّجون بأسلحة الموت والدمار، لا يستطيع العقلاء إلا ملاقاة الأحداث ومحاكاتها بما يتناسب مع قواعد الحرب، وليتحمّل العابثون نتائج عبثهم. ورب ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.