صنعاء تتجاهل «بطولات» واشنطن: رأيناكم في «آرامكو»
صنعاء | تلقّى الشارع اليمني، بترحاب كبير، نبأ إطلاق صواريخ من الأراضي اليمنية، قالت وزارة الدفاع الأميركية إنها «اعترضتها» فوق البحر الأحمر، متحدّثةً عن أنها ربّما كانت متّجهة صوب فلسطين المحتلّة. وعلى المستوى الرسمي، تجاهلت صنعاء التصريحات الصادرة عن واشنطن، مؤكّدة أنه سيتمّ الإعلان عن أيّ عمليّات عسكرية موجّهة نحو الكيان الإسرائيلي من جانب «أنصار الله»، وليس من البنتاغون. لكنّ بعض المصادر المطّلعة في العاصمة اليمنية أكّدت، في حديث إلى «الأخبار»، وقوع العمليّة ردّاً على مذبحة مستشفى «المعمداني» في قطاع غزة، موضحةً أنها تمّت باستخدام خمسة صواريخ، وأكثر من 15 مُسيّرة بعيدة المدى، جرى اعتراض بعضها وليس كلّها، فيما لم تكن الصواريخ من الأنواع البعيدة المدى التي تمتلكها القوات اليمنية.
وتزامن ذلك، مع تدشين صنعاء، رسمياً وشعبياً، مرحلة التعبئة والاستنفار، وتجديدها استعدادها الكامل للقتال إلى جانب الشعب الفلسطيني، في حال تسنّى لها إرسال عشرات الآلاف من المقاتلين اليمنيين إلى قطاع غزة. وجدّد المشاركون في مسيرة التعبئة التي شهدتها العاصمة أمس، تأييدهم خيارات «محور المقاومة» العسكرية كافة في مواجهة الصلف الصهيوني. وفي هذا الإطار، أكّد مصدر عسكري في صنعاء، لـ«الأخبار»، أن «موقفنا واضح من المشاركة في أيّ معركة إقليمية مقبلة»، وهو ما كان أعلنه قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، في أعقاب عمليّة «طوفان الأقصى». وقال المصدر إنه «سيتمّ الإعلان عن أيّ عمليات عسكرية موجّهة نحو دولة الكيان من صنعاء، وليس من البنتاغون»، مشيراً إلى أن «حالة التهويل والارتباك الأميركيَّيْن عكست مخاوف واشنطن من المشاركة اليمنية بالصواريخ والطيران المُسيّر» في المعركة. ووضع المصدر الإعلان الأميركي في إطار مخطّط واشنطن لتعزيز وجودها في مضيق باب المندب، وخشيتها من تكرار سيناريو إغلاق المضيق الذي حدث في حرب تشرين عام 1973، لافتاً إلى أن «أميركا قدّمت خطاباً استعراضياً وزعمت أنها اعترضت ثلاثة صواريخ كانت في طريقها إلى جنوب دولة الكيان، متجاهلة أن منظومات الدفاع الأميركية فشلت في حماية منشآت آرامكو من ضربات الصواريخ والطيران المُسيّر اليمني خلال السنوات الماضية، محاولة بذلك تبديد مخاوف إسرائيل من هجمات يمنية متوقّعة».
لكن في الوقت نفسه، علمت «الأخبار»، من أكثر من مصدر، أن العمليّة التي وقعت بعد ظهر أول من أمس، كانت تستهدف موانئ عسكرية إسرائيلية. وقدّرت المصادر، التي كشفت أن السعودية أبلغت الجانب الأميركي بوجود هجوم صاروخي يستهدف جنوب فلسطين المحتلّة، أن تكون العملية مجرّد رسالة أولية إلى الجانبَين الأميركي والإسرائيلي، تؤكد أن إسرائيل ستكون في مرمى قوات صنعاء، وأن القواعد والمصالح الأميركية لن تكون في مأمن هي الأخرى.
وعلى رغم وجود تنسيق كبير بين واشنطن وقادة التشكيلات المسلّحة الموالية للسعودية والإمارات في اليمن، ووزارة دفاع حكومة عدن، إلّا أن الولايات المتحدة تجاهلت تلك الحكومة، وسارعت إلى الاتصال برئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، ونائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، في أعقاب إعلانها اعتراض الهجوم الصاروخي، علماً أن قواعدها في الإمارات والسعودية تُعدّ الأقرب إلى الصواريخ اليمنية، بينما تعرّضت قواعد مماثلة لها في العراق وسوريا لهجمات صاروخية. ومن جهتها، لم تصدر صنعاء أيّ بيان في شأن إعلان واشنطن، ولم تعلن تبنّيها للعملية، وهو ما يعني أنها لم تدخل، إلى الآن، بشكل رسمي في معركة «طوفان الأقصى»، إلّا أن ذلك الهجوم يأتي في إطار الرسائل الاستباقية التي تؤكّد قدرتها على استهداف أيّ مواقع معادية، متحرّكة كانت أو ثابتة في البحر الأحمر، ووصولاً إلى قلْب «سديروت» ومناطق عدة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
وعلّق مراقبون عسكريون في صنعاء، بدورهم، على الرواية الأميركية، باعتبار ما ذكرته وزارة الدفاع الأميركية «تعبيراً عن قلق أميركي من الصواريخ الباليستية المطوّرة التي تمتلكها صنعاء»، مشيرين إلى أن الصواريخ التي زعمت واشنطن أن المدمّرة الأميركية اعترضت بعضها، ليست من طراز «كروز» المجنّحة، كون الأخيرة ليست صواريخ بحرية، بل أرض – جو، وترتفع إلى ما يتجاوز 100 كيلومتر في الغلاف الجوي ولا توجد أيّ أنظمة دفاع جوي في المدمّرات البحرية تستطيع اعتراضها. ووفقاً لهؤلاء المراقبين، فإن صنعاء تمتلك صواريخ «كروز» من طرازات مختلفة، قادرة على المناورة والتخفّي، كصواريخ «قدس 1 و2 و3» المجنّحة. وأخيراً، تم الكشف عن «قدس 4» الذي يصل مداه إلى نحو 2000 كيلومتر، وكذلك صاروخ «سجّيل» المجنّح من النوع البحري ذي المديات التي تصل إلى أكثر من 1700 كيلومتر، في حين أن المسافة من اليمن إلى شواطئ إيلات لا تتجاوز الـ1600 كيلومتر. وأشار المراقبون إلى أن صنعاء تمتلك صواريخ مناسبة للبيئة البحرية قادرة على دكّ رصيف القوات البحرية في قاعدة ومطار «إيلات» العسكريَّيْن ومطارات «رامون» و«يطفنا» و«عوفدا» العسكرية، نظراً إلى قرب تلك الأهداف من الأراضي اليمنية.