تحذير ماكرون لإيران… تأخّر 40 عاماً!
خيرالله خيرالله -أساس ميديا |
يعيش لبنان على وقع حرب غزّة. مع دخول هذه الحرب، التي بدأت في السابع من تشرين الأول الجاري، أسبوعها الثالث، يتبيّن أكثر من أي وقت أن البلد صار رهينة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في ايران. الدليل على ذلك أن قراراً بفتح جبهة الجنوب اللبناني، أو عدم فتحها، بات في طهران وليس في أي مكان آخر.
ليس من يستطيع التكهن بما إذا كان لبنان سيدخل حرباً مع إسرائيل سوى إيران. تمتلك “الجمهوريّة الإسلاميّة” حسابات خاصة بها في شأن كلّ ما يتعلّق بحرب غزّة وتوسيعها لتشمل لبنان. تستطيع إبقاء الاشتباكات الدائرة بين الحزب وإسرائيل في إطار معيّن متفق عليه، كما تستطيع فتح جبهة الجنوب في حال وجدت أن لديها مصلحة في ذلك بغضّ النظر عما سيلحق بلبنان واللبنانيين، خصوصاً أهل الجنوب الذين انتقل قسم كبير منهم إلى مناطق تُعتبر آمنة. معظم هذه المناطق ذات طابع مسيحي… أو درزي.
لم يعد سرّاً أن في استطاعة طهران فتح أكثر من جبهة مع إسرائيل، من دون تدخل مباشر منها. لديها أدواتها الفعّالة في المنطقة. من يحتاج إلى تأكيد لهذا الأمر يستطيع العودة إلى كلام الرئيس إيمانويل ماكرون الذي قال في أثناء زيارته لإسرائيل والأراضي الفلسطينية: “إنّي أحذّر الحزب والنظام الإيراني والحوثيين في اليمن ومجموع الفصائل التي تهدد إسرائيل بأن عليها ألّا تجازف بفتح جبهات جديدة”.
على الرغم من وجود حدود لما في استطاعة فرنسا عمله في لبنان وفلسطين وأي بقعة أخرى في المنطقة، يبقى كلام الرئيس الفرنسي مهماً خصوصاً في ضوء تركيزه على الدور الإيراني والأدوات التي باتت تمتلكها “الجمهوريّة الإسلاميّة”.
ليس ما يشير إلى أن إيران ستتردّد في لعب أوراقها في المنطقة بعدما اكتشفت أنّ العالم الغربي بات يركّز على احتواء حرب غزّة وترك إسرائيل تصفّي حساباتها مع “حماس”، مع ما يعنيه ذلك من مجازر في حق الفلسطينيين، بمن في ذلك الشيوخ والنساء والأطفال.
مطار بيروت: 23 تشرين الأوّل 1983
في ظلّ المأساة التي تعيشها غزّة، حيث تمارس إسرائيل وحشية ليس بعدها وحشية، يبدو مفيداً التفكير الجدّي في ما بعد حرب غزّة التي اثبتت أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” باتت اللاعب الإقليمي المحوري في المنطقة. مؤسف أن ماكرون تجاهل في حديثه عن إيران نقطتين في غاية الأهمّية. تتعلّق الأولى بالسيطرة التي تمارسها “الجمهوريّة الإسلاميّة” على العراق، والأخرى بحدث لبناني في غاية الأهمّية كان مسرحه محيط مطار بيروت قبل أربعين عاماً بالتمام والكمال، في 23 تشرين الأوّل 1983.
لم يكن المشروع التوسّعي الإيراني أخذ انطلاقة جديدة لولا تقديم إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى “الجمهورية الإسلاميّة” في عام 2003. لم تعد إيران تسيطر على العراق فحسب، بل صارت تتحكّم، إلى حدّ كبير، بموازنته، بعدما نشأت شركات تابعة لـ”الحشد الشعبي” تحصل على عقود بعشرات ملايين الدولارات لإقامة مشاريع محدّدة، إن على الحدود العراقيّة – السعوديّة أو الحدود العراقيّة – الأردنية. تصبّ هذه المشاريع المرتبطة بشراء أراضٍ لإقامة قواعد عسكريّة في خدمة تطلّع إيراني إلى إيجاد مواطئ قدم في كلّ أنحاء المنطقة العربيّة… من العراق، إلى سوريا، إلى لبنان، إلى اليمن. في اليمن مثلاً، يلجأ الحوثيون إلى لغة شديدة العدائية في تعاطيهم مع المملكة العربيّة السعوديّة الراغبة في حل سياسي بين اليمنيين.
بالنسبة إلى لبنان نفسه، كان نسف مقر المارينز (241 قتيلاً بين العسكريين الأميركيين) ومقرّ الوحدة الفرنسيّة المسمى “دراكار” (58 قتيلاً عسكرياً فرنسياً) بواسطة شاحنتين مفخّختين قبل 40 عاماً، منعطفاً تاريخياً. أرادت إيران، يومذاك، إفهام الغرب كلّه أنّ لبنان صار لها، بل صار جرماً يدور في فلكها، ولن تتخلّى عنه يوماً مهما فعلت أميركا ومهما فعلت فرنسا. ساعدها في ذلك الانسحاب العسكري الأميركي من لبنان بعيد تفجير مقرّ “المارينز”. لاحقاً، اغتالت رفيق الحريري، كما يؤكّد الحكم الصادر عن المحكمة الدوليّة، كي تثبت أن لا مكان لقرار لبناني مستقلّ ولا مكان لقرار لبناني ذي بعد عربي… ولا مجال لعودة الحياة إلى بيروت.
ما هو الثمن الإيراني لعدم فتح جبهات؟
بكلام واضح، لا مفرّ من الاعتراف باللاعب الإيراني المحوري في الشرق الأوسط والخليج. لم يعد مفرّ من التساؤل: ما الثمن الذي تريده “الجمهوريّة الإسلاميّة” في مقابل الامتناع عن فتح جبهات جديدة… في وقت تتابع إسرائيل مجازرها والتدمير الممنهج لغزّة في غياب الشهيّة لاجتياحها برّاً، أقلّه في الأيّام القليلة المقبلة؟
جاء التحذير الصادر عن الرئيس الفرنسي لإيران ولبعض أدواتها في المنطقة متأخراً أربعين عاماً. في اليوم الذي لم تردّ فيه الولايات المتحدة على تفجير مقرّ “المارينز” قرب مطار بيروت، فقدت أميركا هيبتها، كذلك حصل مع فرنسا، مثلما فقد الجيش الإسرائيلي هيبته إثر الهجوم الذي شنته “حماس” انطلاقاً من غزّة في 7 تشرين الأوّل 2023.
في مرحلة معيّنة، ستكون عودة إلى السياسة في الشرق الأوسط، خصوصاً بعدما تبيّن أنه يستحيل تصفية القضيّة الفلسطينية، لا عن طريق المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزّة ولا عن طريق إغراق الضفّة الغربيّة بالمستوطنات والمستوطنين. مثلما كان هناك رابح واحد في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة في العراق، وهذا الرابح هو إيران، يبدو أنّ الرابح الوحيد من حرب غزة ستكون إيران أيضاً.
لكنّ السؤال الذي سيبقى مطروحا على أميركا، قبل فرنسا والأوروبيين: هل يكون الرضوخ للثمن المطلوب إيرانياً والذي يشمل في طبيعة الحال لبنان وسوريا والعراق واليمن تمهيداً لمتابعة المشروع التوسعي لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في اتجاهات أخرى؟