رام الله | تعيش الضفة الغربية المحتلّة حرب استنزاف شاملة؛ إذ لا تكاد تتوقف الآلة العسكرية الإسرائيلية عن عمليات الاقتحام والتدمير والقتل والتهجير، بالتزامن مع العدوان على غزة. وتتصدّر قائمة أهداف تلك العمليات مدينة جنين شمال الضفة، والتي باتت «منطقة حرب غير معلنة»، مع تعرّضها للاقتحام بشكل يومي، ومعاناة سكانها من الحصار والقتل والتضييق والتهجير كل ليلة من منازلهم، بفعل تهديد الاحتلال بقصفها، ما يدفع البعض إلى وصفها بأنها غزة مصغرة، على رغم فارق هول الإجرام الذي تتعرض له المنطقتان. وينسحب هذا الواقع على مختلف مدن الضفة وبلداتها، والتي باتت مستباحة في ظلّ حكم عسكري إسرائيلي مباشر، تعزّز بانتشار ميليشيات المستوطنين المسلّحة، وشنّها هجمات دموية بغطاء من جيش الاحتلال وحكومته التي تسهل تسليح هؤلاء. وتتعامل الحكومات الإسرائيلية مع الضفة – منذ احتلالها في عام 1967 – التي تقع في صلب أهداف مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين، ويطلق عليها في الأدبيات العبرية اسم «يهودا والسامرة»، وفق منظور استراتيجي بعيد المدى ومختلف عمّا يسري على أي ساحة مواجهة أخرى، واضعة برنامجاً غير مقيّد الزمن لتحقيق خطتها بأدوات مختلفة. وهي عمدت، في السنوات الماضية، إلى تسريع خطواتها في ما يتعلّق بتوسيع المشروع الاستيطاني هناك وتمتينه، وقضم المزيد من أراضي الفلسطينيين، في محاولة لفرض أمر واقع بات ينعكس سياسياً باستحالة قيام الدولة الفلسطينية المنشودة وفق ما يسمى «حل الدولتين».
وإذ تحمل حرب الاستنزاف تلك، في طياتها، أهدافاً آنية تريد إسرائيل تحقيقها، فإن الأخيرة تدرك أيضاً أن الضفة تمثّل خاصرتها الرخوة، حيث يمكن للمقاومة توجيه ضربات قاتلة إلى جنود الاحتلال والمستوطنين انطلاقاً منها. ولذلك، يراها البعض ساحة الحرب الحقيقية بالنسبة إلى المشروع الاستيطاني الصهيوني، الذي يتطلّب اجتثاث كل محاولة أو نموذج مقاومة قد يظهر هناك. وبالفعل، تعمل إسرائيل على وأد كل نماذج المقاومة المسلحة أو الشعبية، وردع الجمهور عن السير خلفها، بما يصبّ في المحصلة في فائدة الهدف الاستراتيجي المتمثل في فرض السيطرة والسيادة على الضفة، ومنع إقامة دولة فلسطينية. من هنا، يبدو مستقبل الضفة متعلّقاً بشكل كبير بمآلات العدوان على غزة، في ظلّ دفع أميركي وأوروبي في اتجاه عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، تمهيداً لتشكيل وحدة جغرافية فلسطينية بقيادة سياسية واحدة، وإن كانت إسرائيل قد تعهّدت برفض هذا الأمر.
وفي السياق، يرى مدير مركز «يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية»، والباحث في دراسات الشرق الأوسط في «الجامعة العربية الأميركية» في فلسطين، سليمان بشارات، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المنظور الإسرائيلي للضفة يختلف عن منظور الاحتلال لأي ساحة أخرى، كونه يرتبط بالتطلع الاستراتيجي لمستقبل الدولة اليهودية وشكلها». ويلفت إلى أن إسرائيل عزّزت في العقد الأخير «من هذا المنظور، سواء عبر ما طرحته صفقة القرن من أفكار وتصورات لوضع الضفة السياسي والأمني، أو ما تبعها لاحقاً من خطط بشأن ضم الضفة إلى الدولة اليهودية، وهو الأمر الذي أسس له بنيامين نتنياهو حين سنّ قانون يهودية الدولة»، مضيفاً أن مستقبل المشروع الاستيطاني في الضفة هو الأساس الذي سُيبنى عليه مفهوم الدولة اليهودية المستقبلة».والجدير ذكره، هنا، أن الاحتلال لا يتعاطى مع الضفة من منظور تكتيكي أو مرحلي، وهذا ما يتضح من خلال وجود عشرات المخططات الاستيطانية الاستراتيجية الجاهزة منذ عقود، والتي يتم تنفيذها تباعاً بما يسمح به المناخ السياسي الدولي، وذلك بهدف منح الاستيطان اليد العليا والعمق الأساسي في الضفة من ناحية البنية التحتية وبناء المستوطنات والانتقال إلى مرحلة تسليح المستوطنين. ويترافق هذا مع سيطرة عسكرية على الضفة الغربية عبر مئات الحواجز والنقاط العسكرية، إلى جانب السيطرة الأمنية والإدارية على نحو 60% من مساحتها في ما يُعرف بمناطق «ج»، وكل ما تقدّم بهدف إبقاء الضفة بعيدة عن أي ساحة مواجهة مستقبلية.
وفي السياق، يقول بشارات إن «إسرائيل عملت منذ عملية السور الواقي في الضفة عام 2002 على نزع مفهوم الصدام العسكري في الضفة من خلال عملية ملاحقة وإنهاء لأي عمل عسكري مقاوم في الضفة، بالاعتماد على أدوات مختلفة؛ منها الاغتيالات والاعتقالات والاقتحامات اليومية والحصار، وفي أحيان أخرى على الأجهزة الأمنية الفلسطينية»، لافتاً إلى أن «هذا التوجه تعزّز بعد السابع من أكتوبر في محاولة لاجتثاث نماذج المقاومة التي تبلورت خلال العامين الماضيين، بدافع من هاجس تكرار نموذج “طوفان الأقصى”». ولا يرى بشارات أن التوجّه المذكور يتعلق بالبعد العسكري فقط، وإنما بـ«الفعل الجماهيري الفلسطيني كذلك، كون إسرائيل لا تريد أن يكون هناك حضور جماهيري قوي رافض للبعد الاستعماري الاستيطاني، وهذا ما يفسره تقطيع أوصال الضفة الغربية، وعملية حصار المدن والمحافظات، وإغلاق البلدات، وعمليات الاعتقال المكثفة للنشطاء والرموز والتي يمكن أن تشكل عملية نهوض جماهيري».
ويستلخص أن كل المحاولات الآنفة الذكر تهدف إلى «إبقاء الضفة الغربية ما بين السكون (الصمت العسكري والصمت الجماهيري) وجعلها نموذجاً مشابهاً للداخل المحتل، حيث جرى تحويل الفلسطينيين هناك إلى جزء من الوجود العربي داخل الدولة الإسرائيلية، بحيث القبول بالأمر الواقع بات النمط الوحيد الذي يمكن أن يسيروا عليه».
ويعتقد بشارات أن «نجاح هذا النموذج بات مرتبطاً بطبيعة التحولات التي ستأتي في مرحلة ما بعد الحرب، فإذا نجحت الحرب فإننا ذاهبون إلى وضع شبيه بنموذج الوجود الفلسطيني في أراضي الـ 48 ضمن دولة يهودية. أما إذا كانت نتائج الحرب مغايرة، فربما تنكسر هذه المعادلة التي سعت إسرائيل عبر السنوات الماضية إلى تعزيزها». ويلفت إلى أن ما يُطرح حالياً «مجرد أفكار سياسية لم ترتقِ إلى مبادرات واضحة، وهذا سيتضح على ضوء نتائج العدوان»، مؤكداً أن «هناك خشية من التفرد بالضفة وضمها إلى الدولة اليهودية، وإن كانت هذه الرؤية لا تزال فاشلة حتى الآن في ظل عدم الاقتناع الأوروبي – الأميركي بها».
وعلى ضوء الرؤية الأميركية بشأن إمكانية توحيد الضفة وغزة، يقول بشارات إنه «إذا وافقت إسرائيل على ذلك فهي بالتأكيد سوف تستثني المستوطنات منه، وبالتالي ستكون إعادة تقسيم الضفة وفقاً لإطار سياسي مختلف عمّا كان عليه ما بعد “أوسلو”، ما سيخلق تقسيماً جغرافياً جديداً، يحقّق ترابطاً للوجود الاستيطاني، ويخلق كياناً سياسياً في الضفة مرتبطاً مع قطاع غزة، بحيث تكون المحصلة وجود كيانين ونظامين في الضفة، أحدهما دولة الاستيطان والمستوطنات وهي جزء من الدولة اليهودية، والآخر الكيان السياسي الفلسطيني الذي يكون امتداده في غزة، لكن كل ذلك يبقى مرهوناً بما ستنتهي إليه الحرب».
وإذ تحمل حرب الاستنزاف تلك، في طياتها، أهدافاً آنية تريد إسرائيل تحقيقها، فإن الأخيرة تدرك أيضاً أن الضفة تمثّل خاصرتها الرخوة، حيث يمكن للمقاومة توجيه ضربات قاتلة إلى جنود الاحتلال والمستوطنين انطلاقاً منها. ولذلك، يراها البعض ساحة الحرب الحقيقية بالنسبة إلى المشروع الاستيطاني الصهيوني، الذي يتطلّب اجتثاث كل محاولة أو نموذج مقاومة قد يظهر هناك. وبالفعل، تعمل إسرائيل على وأد كل نماذج المقاومة المسلحة أو الشعبية، وردع الجمهور عن السير خلفها، بما يصبّ في المحصلة في فائدة الهدف الاستراتيجي المتمثل في فرض السيطرة والسيادة على الضفة، ومنع إقامة دولة فلسطينية. من هنا، يبدو مستقبل الضفة متعلّقاً بشكل كبير بمآلات العدوان على غزة، في ظلّ دفع أميركي وأوروبي في اتجاه عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، تمهيداً لتشكيل وحدة جغرافية فلسطينية بقيادة سياسية واحدة، وإن كانت إسرائيل قد تعهّدت برفض هذا الأمر.
وفي السياق، يرى مدير مركز «يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية»، والباحث في دراسات الشرق الأوسط في «الجامعة العربية الأميركية» في فلسطين، سليمان بشارات، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المنظور الإسرائيلي للضفة يختلف عن منظور الاحتلال لأي ساحة أخرى، كونه يرتبط بالتطلع الاستراتيجي لمستقبل الدولة اليهودية وشكلها». ويلفت إلى أن إسرائيل عزّزت في العقد الأخير «من هذا المنظور، سواء عبر ما طرحته صفقة القرن من أفكار وتصورات لوضع الضفة السياسي والأمني، أو ما تبعها لاحقاً من خطط بشأن ضم الضفة إلى الدولة اليهودية، وهو الأمر الذي أسس له بنيامين نتنياهو حين سنّ قانون يهودية الدولة»، مضيفاً أن مستقبل المشروع الاستيطاني في الضفة هو الأساس الذي سُيبنى عليه مفهوم الدولة اليهودية المستقبلة».والجدير ذكره، هنا، أن الاحتلال لا يتعاطى مع الضفة من منظور تكتيكي أو مرحلي، وهذا ما يتضح من خلال وجود عشرات المخططات الاستيطانية الاستراتيجية الجاهزة منذ عقود، والتي يتم تنفيذها تباعاً بما يسمح به المناخ السياسي الدولي، وذلك بهدف منح الاستيطان اليد العليا والعمق الأساسي في الضفة من ناحية البنية التحتية وبناء المستوطنات والانتقال إلى مرحلة تسليح المستوطنين. ويترافق هذا مع سيطرة عسكرية على الضفة الغربية عبر مئات الحواجز والنقاط العسكرية، إلى جانب السيطرة الأمنية والإدارية على نحو 60% من مساحتها في ما يُعرف بمناطق «ج»، وكل ما تقدّم بهدف إبقاء الضفة بعيدة عن أي ساحة مواجهة مستقبلية.
وفي السياق، يقول بشارات إن «إسرائيل عملت منذ عملية السور الواقي في الضفة عام 2002 على نزع مفهوم الصدام العسكري في الضفة من خلال عملية ملاحقة وإنهاء لأي عمل عسكري مقاوم في الضفة، بالاعتماد على أدوات مختلفة؛ منها الاغتيالات والاعتقالات والاقتحامات اليومية والحصار، وفي أحيان أخرى على الأجهزة الأمنية الفلسطينية»، لافتاً إلى أن «هذا التوجه تعزّز بعد السابع من أكتوبر في محاولة لاجتثاث نماذج المقاومة التي تبلورت خلال العامين الماضيين، بدافع من هاجس تكرار نموذج “طوفان الأقصى”». ولا يرى بشارات أن التوجّه المذكور يتعلق بالبعد العسكري فقط، وإنما بـ«الفعل الجماهيري الفلسطيني كذلك، كون إسرائيل لا تريد أن يكون هناك حضور جماهيري قوي رافض للبعد الاستعماري الاستيطاني، وهذا ما يفسره تقطيع أوصال الضفة الغربية، وعملية حصار المدن والمحافظات، وإغلاق البلدات، وعمليات الاعتقال المكثفة للنشطاء والرموز والتي يمكن أن تشكل عملية نهوض جماهيري».
ويستلخص أن كل المحاولات الآنفة الذكر تهدف إلى «إبقاء الضفة الغربية ما بين السكون (الصمت العسكري والصمت الجماهيري) وجعلها نموذجاً مشابهاً للداخل المحتل، حيث جرى تحويل الفلسطينيين هناك إلى جزء من الوجود العربي داخل الدولة الإسرائيلية، بحيث القبول بالأمر الواقع بات النمط الوحيد الذي يمكن أن يسيروا عليه».
ويعتقد بشارات أن «نجاح هذا النموذج بات مرتبطاً بطبيعة التحولات التي ستأتي في مرحلة ما بعد الحرب، فإذا نجحت الحرب فإننا ذاهبون إلى وضع شبيه بنموذج الوجود الفلسطيني في أراضي الـ 48 ضمن دولة يهودية. أما إذا كانت نتائج الحرب مغايرة، فربما تنكسر هذه المعادلة التي سعت إسرائيل عبر السنوات الماضية إلى تعزيزها». ويلفت إلى أن ما يُطرح حالياً «مجرد أفكار سياسية لم ترتقِ إلى مبادرات واضحة، وهذا سيتضح على ضوء نتائج العدوان»، مؤكداً أن «هناك خشية من التفرد بالضفة وضمها إلى الدولة اليهودية، وإن كانت هذه الرؤية لا تزال فاشلة حتى الآن في ظل عدم الاقتناع الأوروبي – الأميركي بها».
وعلى ضوء الرؤية الأميركية بشأن إمكانية توحيد الضفة وغزة، يقول بشارات إنه «إذا وافقت إسرائيل على ذلك فهي بالتأكيد سوف تستثني المستوطنات منه، وبالتالي ستكون إعادة تقسيم الضفة وفقاً لإطار سياسي مختلف عمّا كان عليه ما بعد “أوسلو”، ما سيخلق تقسيماً جغرافياً جديداً، يحقّق ترابطاً للوجود الاستيطاني، ويخلق كياناً سياسياً في الضفة مرتبطاً مع قطاع غزة، بحيث تكون المحصلة وجود كيانين ونظامين في الضفة، أحدهما دولة الاستيطان والمستوطنات وهي جزء من الدولة اليهودية، والآخر الكيان السياسي الفلسطيني الذي يكون امتداده في غزة، لكن كل ذلك يبقى مرهوناً بما ستنتهي إليه الحرب».