إستراتيجيّة جديدة لحزب الله ؟
حين تكون المنطقة داخل الاعصار، دون أن يدري أحد الى أين تمضي بنا تلك النيران، مثلما يبدو ضرورياً تحصين الجبهة الداخلية، بدءاً بملء الفراغ الرئاسي، يرى البعض أن من الضروري التريث في أي خطوة تتعلق بطبيعة الانتظام الدستوري، اذا أخذنا بالاعتبار المسار الهيستيري “للقيادة الاسرائلية”، بالرغم من كل ما يحكى عن ضغوط على هذه القيادة لمنعها من دفع الصراع الى حدوده القصوى، وهي حدود جهنم…
بداية، هل من مجال للحد الأدنى من التفاهم بين القوى السياسية التي تحكمها الأنانيات والارتهانات والرهانات التي تتخطى اللامعقول، حين تظن بعض القوى أن الرياح تجري لمصلحتها في اعادة هيكلة السلطة، وحتى في اعادة هيكلة الدولة؟
المثير هنا، أن لبنان الذي أخذ طويلاً بنظرية الشيخ بيار الجميّل (قوة لبنان في ضعفه) هو الحلقة الأقوى الآن في المشهد العربي العام. في هذه الحال، وعندما يتوقف القتال في غزة بفتح أبواب جديدة، لا نتصور، وسط ذلك المناخ العبثي الذي تثيره جهات بعينها، أن تنظر هذه الجهات الى تظاهرة القوة التي قام بها حزب الله، وحيث كانت التضحية بالدماء، كونها حالت دون حكومة نتنياهو والثأر من عملية 7 تشرين الأول في لبنان لا في غزة، مع رفض بعض الجنرالات “السقوط بين يدي نصرالله”!
ما حدث في غزة شق الطريق الى أفق مختلف. “القلعة الاسرائيلية” تزعزعت، لتخرج القضية الفلسطينية نهائياً من “مقبرة أوسلو”. واذا كان مستحيلاً على “الماكنة الاسرئيلية” احتواء الذاكرة الفلسطينية، كيف لها وسط صرخات الجثث، احتواء الدم الفلسطيني، اذا تأملتم في عيون الأطفال الذين قضوا تحت الركام، أو عيون الأطفال الذين بقوا فوق الركام.
السؤال المضني هل يمكن لـ”الحالة العربية”، اذا كانت هناك فعلاً “حالة عربية”، التقاط تلك اللحظات الكبرى لتوظيفها ديبلوماسياً على الأقل؟ اعلامياً على الأقل؟ حتى الساعة، ما زلنا الأشلاء (الدمى) في لعبة الأمم، وفي لعبة… ما تحت الأمم.
واثقون من أن حزب الله الذي أقام جدار النار في وجه أولئك الوحوش، ( حتى أميركا اخذت بالاعتبار ما يعنيه هذا الجدار)، وقد أثبت قوته على الأرض ـ وهي قوة اللبنانيين جميعاً ـ سيمد يده حتى الى أولئك الذين راهنوا، وما زالوا يراهنون، على ازالته. لبنان الآن بحاجة الى الحد الأقصى من التفاهم والتكاتف، كي لا يبقى “الفائض الجغرافي” الذي رآه هنري كيسنجر، أو “الخطأ التاريخي” كما رآه آرييل شارون.
مدّ اليد، ولكن لا لتكريس ذلك الوضع الطوائفي العفن، الذي لا يمكن أن يساعد على بناء دولة قادرة وقابلة للبقاء، لا الدولة التي على شاكلة مغارة علي بابا، وحيث لا فارق بين اللعبة السياسية ولعبة الأدغال…
من راهنوا على الحليف الأميركي لاحظوا أن أميركا لا ترى في المنطقة سوى “اسرائيل”، ومن راهنوا على “اسرائيل”، اذ لاحظوا مدى همجيتها في التعامل مع الآخرين، لاحظوا أيضاً أنها لا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها لولا الأرمادا الأميركية. استطراداً، لا يحمي لبنان الا اللبنانيين…
في قناعتنا أن حزب الله لا يمكن أن يقبل بدولة الكازينو، أو بدولة الباريزيانا. لا مناص ـ للخلاص ـ من دولة لا تحكم طائفياً، ولا يصل رئيسها جثة هامدة الى القصر، عبر تلك الصفقات الفضائحية.
لتكن ساعة الخروج من تقافة الطائفة الى ثقافة الدولة، والتخلي عن تلك الأعراف البالية، بتوزيع المواقع على الطوائف. كلنا كلبنانيين أقليات ومهددون بوجودنا. أمامنا ذلك الركام من الأزمات. وليكن الرجل المناسب في المكان المناسب. حبذا لو تم اختيار امرأة لرئاسة الدولة، ما دمنا قد خبرنا رجالنا وما فعلوه بنا.
المنطقة لن تبقى كما كانت، ولو استغرق ذلك بضع سنوات. لبنان كذلك. لقد أرهقتنا كثرة الموفدين، ومن كثرة الأوصياء. من هو جان ـ ايف لودريان ليكون الوسيط بيننا. ليكن صوت حزب الله أعلى في اعادة بناء الدولة، وهو الذي طالما بذل الدم للدفاع عن الدولة ، ما تبقى من الدولة. هذا ما نتوقعه: استراتيجية جديدة في التعاطي مع الأزمات الأبدية في البلاد
…والا سنبقى على اجترارنا، وعلى بقائنا رهينة الاحتمالات ورهينة الصراعات. كما هو الشرق الأوسط على خط الزلازل، حيث قتل قايين هابيل. كم قابيل بيننا وكم هابيل؟!