«بروفة» توغّل ثانية: العدوّ يصطدم بجدار الـمقاومة
وبينما تتكدّس، على تخوم قطاع غزة، قوات جيش العدو وآلياته العسكرية، لا تزال مسألة العملية البرية في القطاع محطّ خلاف وتشكيك. وإزاء الوضع القائم هذا، تحوّلت تلك القوات إلى هدف لرمايات المقاومة بقذائف «هاون» وصواريخ موجّهة بين حين وآخر. في المقابل، أعلن جيش الاحتلال، فجر أمس، أن قوّاته البرية نفّذت عملية «توغّل» بواسطة الدبابات والآليات المدرّعة في شمال غزة، خلال ساعات الليل، في ما وصفه بـ«عملية مداهمة مركّزة». كما ادّعى أن عملية التوغّل جاءت كـ«جزء من تهيئة الظروف في المنطقة تمهيداً للمراحل اللاحقة من القتال»، وزعم أن قواته استهدفت خلالها عناصر في المقاومة، ودمّرت بنى تحتية ومواقع إطلاق صواريخ مضادة للدروع.
ويُنظر إلى هذا الإعلان من زوايا مختلفة، أولاها أن تكدّس الجنود على الحدود، من دون تنفيذ أيّ مهام، يتطلّب التعويض بإجراء بعض التمارين البرية، والتي يريد الاحتلال تصويرها على أنها إنجازات عسكرية مهمّة، وتسويقها للمستوطنين لاحقاً. وبالتالي، فإن هذه المناورات هدفها الأوّل الاستعراض، ورفع الثقة بقدرة جيش الاحتلال وكفاءته في تنفيذ العملية البرية، التي أوردت تقارير إعلامية إسرائيلية أن «أحد أهمّ أسباب إرجائها، هو عدم ثقة نتنياهو بالجيش، وغياب خطّة واضحة لديه». وقالت مصادر عبرية وأميركية، لوسائل الإعلام تلك، إن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، «أبلغ نتنياهو أن الخطّة الموضوعة للعملية البرية، غير جيدة، ومليئة بالثغرات».
وبعد ساعات من إعلان جيش العدو تنفيذه التوغّل الليلي، اعترف بإصابة دبابة له بصاروخ موجّه أُطلق من قطاع غزة، من دون أن يكشف عن تفاصيل الإصابات، بينما أكّدت مصادر محلية في القطاع، أمس، أن «قوات الاحتلال وقعت في كمين مُحكم وكبير للمقاومة الفلسطينية قرب خانيونس، ليل الخميس»، وأن «اشتباكات عنيفة اندلعت في المكان كانت مسموعة لدى المواطنين». وسبقت ذلك بأيام عملية مشابهة، اضطرّ جيش الاحتلال إلى الاعتراف بمقتل جندي خلالها، بعدما أعلنت «كتائب القسام» تمكّن مقاتليها من استهداف القوة الخاصة التي حاولت التوغّل في القطاع، وتدمير جرّافتين وإعطاب آلية، وتأكيد مقتل وإصابة الجنود، وأن من بقي على قيد الحياة هرب هرولة إلى الحدود.
وبينما تمسّك جيش الاحتلال بروايته حول مقتل جندي فقط، خرج مستشار «البنتاغون» السابق، دوغلاس ماكغريغور، ليثير غباراً حول تلك الرواية، بقوله في حديث إعلامي «إن مجموعة من القوات الخاصة الأميركية تحوّلت إلى أشلاء عند محاولتها الدخول إلى غزة خلال الأيام الماضية». وأوضح ماكغريغور أنه جرت «تصفية مفرزة من القوات الخاصة الأميركية والإسرائيلية في قطاع غزة، بعدما حاولت استطلاع مكان الرهائن»، مضيفاً أنه «على مدى الـ 24 ساعة الماضية أو نحو ذلك، ذهب بعض من قواتنا الخاصة (الأميركية) والإسرائيلية إلى القطاع للاستطلاع وتحديد السبل الممكنة لتحرير الرهائن، وتم إطلاق النار عليهم وتحويلهم إلى أشلاء».
والواقع أنه ممّا يُلمس منذ بدء العدوان على غزة، أن جميع تحرّكات جيش العدو مرصودة جيداً من قبل المقاومة، وهذا ما تؤكّده عدة معطيات وحقائق على الأرض، تشي بأن المقاومين مستعدّون للدفاع ابتداءً من الشبر الأول من القطاع، واستهداف قوات الاحتلال مع كل تحرّك لحشودها بقذائف «الهاون». وتنبئ مجريات العملية الأخيرة بغياب أيّ معلومات لدى دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية والاستخبارية، عمّا يحدث داخل غزة، وتحديداً في ما يتعلّق بالأسرى الموجودين في قبضة المقاومة، فيما يبدو أن المقطع المصوّر (تصوير حراري) الذي نشره الجيش للتوغّل البري في غزة، يستهدف تصدير إنجاز إلى المستوطنين، توازياً مع التكتم على الخسائر.
لكن ذلك لا يتناسب مع معطيات الواقع، إذ إن الأجهزة الأمنية تحذّر حتى الآن من أن مقاومين من الذين اقتحموا «غلاف غزة» في السابع من تشرين الأول، لا يزالون موجودين في مناطق متفرّقة، ما يعني أن عملية «التطهير» التي أعلن الجيش تنفيذها، لم تُستكمل بعد، على رغم قيام جيش الاحتلال، لأوّل مرّة في تاريخه، بإخلاء أكثر من 200 ألف مستوطن من مسوطنات «الغلاف»، الذي لا يزال يتعرّض لعمليات اقتحامات من المقاومين، سواء من طريق البرّ أو البحر.
وكان نتنياهو قد أكّد أن «الكابينت» اتخذ قراراً بالهجوم البري على غزة، معلناً في الوقت نفسه «(أنني) لن أحدّد متى وكيف وكم. ولن أذكر بالتفصيل مجموعة الاعتبارات التي لا يعرف الجمهور معظمها». أمّا عضو «كابينت الحرب»، بني غانتس، فقال إن «الدخول البري إلى غزّة مرحلة واحدة في عملية ستطول لسنوات»، بعدما كان قد خاطب مستوطني «الغلاف»، بالقول: «استعدّوا للإقامة في الفنادق لمدة 3 أشهر أخرى، ومن ثم الانتقال إلى مساكن بديلة»، مؤكداً لهم أنهم «لن يعودوا إلى منازلهم قبل عام أو ربما أكثر».