أيّها السيّد الله… متى نستفيق
آن الأوان لنقول، لا بلغة القصور ولا بلغة ألف ليلة وليلة، وانما بلغة الخنادق وبلغة القبور، اننا بشر. وانكم أيها الأميركيون ويا أيها الأوروبيون، لم تكونوا يوماً فوق البشر…
قطعاً، لن يبقى الشرق الأوسط كما كان. لن تبقى العروش كما هي، متاحف لتماثيل الشمع لا تماثيل المرمر، وقد عادت بنا الى عبادة الأوثان. وقطعاً لن يبقى الموتى في قبورهم. لقد غيّرتنا الدماء، لنكتشف بعد كل تلك العقود بل والقرون، من الغباء والغيبوبة، أننا لا شيء على الاطلاق، لآلهة النصف الآخر من الكرة الأرضية. هؤلاء الذين لا يرون فينا سوى البقايا العثمانية.
الباحثة في جامعة برنستون صدف جعفر لاحظت أن جو بايدن لا ينظر الينا كبشر. متى كان الرؤساء الآخرون، وحتى أولياء أمرنا، ككائنات منزلة، ينظرون الينا كبشر؟
أسابيع من الدم والنار، لكأنها قرون من الدم والنار، ماذا فعلت بنا سياسات التعليب، سواء كان التعليب القبلي أم التعليب الايديولوجي، وحيث بدا حكامنا وبدونا نحن، أكياس القش في وجه بنيامين نتنياهو ؟ لن نسأل عن الجحافل الجرارة، ولا عن آلاف الطائرات وآلاف الدبابات التي تتكدس في الحرملك. أيضاً عن أجهزة الاستخبارات، الأجهزة البربرية التي مهمتها المقدسة ابقاؤنا ما تحت البشر. بطبيعة الحال… ما تحت الزمن!
لا أحد من حكامنا يستطيع أن يهيل التراب على الموتى في غزة، ولا أحد يستطيع أن يخمد الحرائق في عيون الثكالى. كيف لاتفاقية كمب ديفيد أن تبقى، وقد حوّلت مصر بكل بهائها (ياعيون بهية) الى قهرمانة ؟ وكيف لاتفاق وادي عربة أن يبقى الخنجر في خاصرة القضية؟ وكيف لاتفاق أوسلو أن يظل كوثيقة على موت فلسطين بيد فلسطينية وبكوفية فلسطينية؟ الكوفية الآن بلون الدم وبلون الحياة.
ولنقل لشيوخ القبائل لقد غيّرت الأيام الأخيرة شكل وجوهنا، وشكل ترابنا. لم يعد الفرح يليق بنا ( تقي الدين الصلح قال هذه العبارة لسليمان فرنجية الجد). ولكن، ألا ترانا نخشى، وتجاربنا لا تحصى، أن يكون هناك من يبيع هياكلنا العظمية في الأقبية الديبلوماسية، اذا لم ننهض من قبورنا (قبورنا في قاع الأزمنة)، وقد حفرناها بأظفارنا، واذا لم نخرج من عباءاتنا كحجارة على رقعة الشطرنج ؟
تلك الأساطيل التي تحمي أوثاننا هي التي فتحت أمامنا أبواب جهنم. لقد قتلوا أطفالنا، وقتلوا أمهاتنا، وقتلوا آباءنا، وقتلوا منازلنا، وقتلوا حقول الأقحوان، كآخر ما تبقى لنا. كل هذا بقنابل أميركية وبصواريخ أميركية. انها أميركا التي قلنا لشعوبنا (لقبائلنا) انها حلت محل الله في ادارة حياتنا.
لا تتصوروا أن البديل في روسيا والصين. وأن البديل في أي أمبراطورية أخرى، أكانت قريبة أم بعيدة. البديل فينا، نحن زنوج الأمبراطوريات (وما دون الأمبراطوريات) على أنواعها. باراك أوباما الذي دخل الى البيت الأبيض بثقافة أخرى وبماض آخر، قال لنا وفي عقر دارنا “المشكلة فيكم”. أجل، المشكلة فينا بخنوعنا في حضرة أنصاف الألهة، وهم أنصاف البشر. بصفاقة قال برنارد لويس عنا “لكأننا ترعرعنا بين اسنان الشيطان”. الذين لم يتوقفوا يوماً عن كونهم مخالب الشيطان.
رغم انتمائي الى “فلسفة اليأس”، رافضاً اضفاء المعنى الديني أو الايديولوجي على القضية، أذكّر بدعوة ابن رشد الى أن نخرج من الغيب (والغيبوبة)، لكي ندخل في ثقافة القرن التي لا تعترف الا بالأقوياء. مناحيم بيغن قال في الستينات من القرن الفائت: “العالم لا يشفق على المذبوحين لكنه يحترم المحاربين”، ليعقب ذلك بأكثر من عقدين، قول ايهود باراك “ان اسرائيل تقع في محيط صعب لا رحمة فيه للضعفاء”.
لكن ما حدث في لبنان عام 2006، وما حدث في غلاف غزة عام 2023، حمل آري شافيت على القول “لن يكون هناك بيت رابع لاسرائيل، البيت الثالث هو الفرصة الأخيرة للشعب اليهودي”. ذات يوم قال حاييم وايزمان “الآلام الكبرى هي التي بنت هذا البيت”. أين آلامنا الكبرى حين تستوطن هذا الجدار المهدم؟
حتى الأميركيون فوجئوا كم أن “اسرائيل ذراعنا المقدسة”، مهددة بالزوال. هذا دافع لنخلع أرواحنا الميتة ونسأل الله، بعيداً عن الصلوات والأدعية، أيها السيد الله، متى نستفيق من هذا الليل الذي كما لو أنه الليل الأبدي؟ آنذاك تقف السماء وتقف الأرض الى جانبنا!!