اخبار فلسطين

«محرقة» غزَّة وواشنطن شريك فيها

اللواء
الحرب لها قواعدها وهي تعرف تحت اسم القانون الدولي الانساني، كما تعرف باتفاقيات جنيف. وهي مجموعة القواعد الدولية التي تحدد ما يمكن وما لا يمكن فعله اثناء النزاعات المسلحة. وتنص هذه القواعد في اولوياتها على الآتي:
اولاً، يجب ان تقتصر الحروب على تحقيق الاهداف السياسية التي بدأت الحرب لتحقيقها، ويجب ان لا تتسبب بدمار واضرار لا لزوم لها.

ثانياً، يجب ان تنتهي الحرب بسرعة قصوى، من اجل تحديد الاضرار المباشرة وغير المباشرة لها، سواء للمتحاربين او للاطراف الاخرى الخارجة عن النزاع.
ثالثاً، ينبغي ان يحرص المتحاربون على حماية الناس والممتلكات، ممن لا يساهمون في المجهود الحربي من القتل والتدمير.
انطلاقاً، من هذه القواعد يمكن النظر الى ما يجري منذ اربعة اسابيع الى انها حرب وسخة وسيئة، تخالف جميع قواعد القانون الدولي الانساني، حيث ترتكب من قبل اسرائيل جرائم حرب بحق ما يزيد عن مليون فلسطيني، لا يكون بفعل الحصار الذي فرضته اسرائيل عليهم اية وسيلة لحماية ارواحهم واطفالهم من القتل الاعمى الذي تتسبب به عمليات القصف الجوي والمدفعي والبحري المتواصل منذ بداية النزاع في 7 تشرين اول. يضاف الى مخاطر القصف فقد حرمتهم اسرائيل من الحصول على ادني مستلزمات الحياة اليومية من مياه وادوية وكهرباء ومحروقات واغذية.

هذا الظلم الانساني، المترافق مع قصف المستشفيات والمنازل وارتكاب المجازر اليومية قد دفع بالمدعي العام للمحكمة الجزائية الدولية للقول اثناء زيارته لعبر رفح بأنه بدأ يجمع المعلومات عن الجرائم والمجازر التي ترتكبها اسرائيل بحق السكان المدنيين.
ادى القصف الهمجي المتواصل لمدن ومخيمات قطاع غزة خلال 25 يوماً الى استشهاد ما يقارب 8500 شخصاً، اكثريتهم من الاطفال والنساء، كما ادى الى اصابة ما يزيد عن 21000 مواطن. وان الامور لن تنتهي عند هذا الحد، فمن المتوقع ان تتسبب الحرب الجوية والبرية بأضعاف من القتلى والجرحى. اما لجهة مسألة تدمير المساكن فقد ذكرت تقارير الصليب الاحمر بأن خمسين في المائة من المنازل والوحدات السكنية قد دمرت بشكل كامل، وهذا يعني ان المأساة بالنسبة للسكان المدنيين ستستمر لسنوات عديدة مقبلة. يمكن القول بأن الاستهتار والتنكر الاسرائيلي لقانون الحرب قد بلغ ذروته من خلال الاستهداف الجوي للمساجد والمستشفيات والبنى التحتية المدنية، ولا يمكن للانسانية وللادعاء العام لدى المحكمة الجنائية الدولية التغاضي عن جريمة الحرب التي ارتكبتها اسرائيل من خلال تدميرها للمستشفى الاهلي المعروف بالمعمداني، والذي تسبب بمقتل مئات اللاجئين من المدنيين، انها «محرقة» غزة وواشنطن شريكة فيها.

يبدو جلياً من تصريحات القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية بأن الحرب ستطول، وقد تمتد لأشهر، وقد حددت هذه القيادات وعلى رأسها رئيس الحكومة نتنياهو اهداف الحرب بثلاثة: تدمير قدرات حماس الحكومية والعسكرية، واستعادة الرهائن الاسرائيليين، وهي اهداف صعبة، بل مستحيلة التحقيق، في رأينا لا يمكن لاسرائيل تدمير حماس والتخلص منها كسلطة في غزة او كحركة جهادية تسعى لتحرير الشعب والقرار الفلسطيني، خصوصاً في ظل الايديولوجية الاسلامية المتأصلة في نفوس اعضائها منذ انشائها، من رحم جماعة الإخوان المسلمين. ولا بد ان تدرك اسرائيل بأنها ستكون عاجزة عن تحقيق مساعاه لترحيل السكان الى سيناء وبالتالي اخلاء القطاع تمهيداً لضمه الى اسرائيل. اما الهدف المتعلق بتحرير الرهائن فإنه من الوهم والاستهزاء بعقول الشعب الاسرائيلي، وخصوصاً اهالي الرهائن او بالاحرى الاسرى لدى حماس من خلال العملية العسكرية البرية، بل على العكس فإن الاصرار على اطالة فترة الحرب والنجاح في عملية التوغل الى داخل غزة، والوصول الى ملاجئ ومخابئ حماس سيزيد من المخاطر على حياة هؤلاء الاسرى.
في الواقع تزداد المخاطر على حياة الاسرى من خلال التصريح الذي ادلى به غانتس عضو مجلس الحرب بقوله: «ليس هناك من روزنامة دبلوماسية او تحديد روزنامة عملانية»، والعملية لن تتوقف تحت ضغوط تمارس علينا من اصدقائنا، واننا سنعمل ما هو صحيح بالنسبة لنا، انها حرب شاملة على الشر»، سيؤدي التمسك بهذا الموقف الى افشال كل المفاوضات والمساعي التي تبذلها الدبلوماسية القطرية من اجل حل مسألة الاسرى مقابل تحرير السجناء الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية. ومع اشتداد المعارك البرية داخل غزة فإن مصير هؤلاء يدخل في خانة الخطر والمجهول.
في نظرنا تبدو الحرب مستمرة لاسابيع عديدة مقبلة، وهذا ما ينذر بمزيد من الدمار وعمليات القتل الجماعي الاعمى للغزيين الابرياء.
وان ما يشجع اسرائيل على الاستمرار في الاعتماد على آلة الحرب المدمرة للتعامل مع ازماتها الامنية والسياسية هي المواقف الداعمة التي تلقتها من قبل الدول الاوروبية الرئيسية وخصوصاً من الولايات المتحدة، والتي تصرفت وكأن العملية التي نفذتها حماس في غلاف غزة كانت ضد نيويورك او واشنطن، حيث اسرعت بارسال قواتها البحرية والجوية وقوات المارينز الخاصة الى قبالة الشواطئ الاسرائيلية بقوة وسرعة لم يسبق لها مثيل إبان الحروب والازمات التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط في الماضي.
لكن يبقى الخطر من ايفاد حاملتي طائرات الجسر الجوي الذي ينقل كل انواع الذخائر والاسلحة المتطورة في الترسانة الاميركية. وذلك بغية زيادة القدرات التدميرية لسلاح الجو الاسرائيلي، وخصوصاً الصواريخ الارتجاجية والفراغية التي تدمر الابنية، بالاضافة الي قنابل الأعماق، والتي يمكنها اختراق اكثر من 35 متراً قبل ان تنفجر، وذلك تسهيلاً لتدمير كل البنية العسكرية لحماس والتي استغرق بناؤها ما يزيد عن عقدين، وبتكاليفة مالية عالية.
لا يكفي ان يطلب الرئيس الاميركي بايدن من اسرائيل احترام قواعد الحرب لتبرير مشاركته ومسؤوليته عن جرائم الحرب التي يرتكبها الاسرائيليون.
وتذهب ادارة بايدن في دعمها لاسرائيل مالياً واقتصادياً لتعوِّض عليها كلفة الحرب الطويلة من خلال وعدها بتقديم مساعدات مالية باهظة، وبما يعوّض على اسرائيل كل الخسائر الناتجة عن ابقاء الاحتياط العسكري في الخدمة لاشهر، والذي بدأت تظهر نتائجه على قيمة الشاكل الاسرائيلي، التي تدنت الى ادنى مستوى لها خلال ثماني سنوات، كان من المفترض ان يحقق الاقتصاد الاسرائيلي نمواً ثلاثة في المئة خلال الفصل الاخير من عام 2023، ولكنه وفق المعلومات الراهنة سينكمش بنسبة خمسة في المئة خلال هذا الفصل.
وتذهب الادارة الاميركية في دعمها لاطالة امد الحرب وقتل المزيد من شعب غزة من خلال مواقفها الدبلوماسية وتعنتها في رفض اي مشروع في مجلس الامن يدعو لوقف اطلاق النار، وذلك بحجة ان وقف النار سيكون لصالح حماس واستمراريتها. كل هذه الامور تطرح تساؤلات حول موقف الدول العربية من واشنطن، وكيف يمكن للعرب ان يستمروا كحلفاء مخلصين لاميركا في ظل هذه السلوكية العدوانية للشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والحياة؟
اما بشأن لبنان وما يجري تحديداً على الجبهة الجنوبية وما تشهده من تصعيد منذ بداية الحرب على غزة، فإن المنطق والحكمة يدعوان الى تحذير الجميع من مغبة زج لبنان في حرب مدمرة، طالما وعدتنا اسرائيل بها، وباعادة لبنان الى القرون الوسطى.
لا يحق لاي فريق لبناني سواء كان حزب الله او الجماعة الاسلامية ومعهما جماعات حماس والجهاد الاسلامي بشن هجمات على اسرائيل من لبنان، انتصاراً لغزة، وذلك في ظل رفض الاكثرية الساحقة من اللبنانيين دفع لبنان لحرب ليست حربه، وليس لديه اي مصلحة لركوب المغامرة والدخول فيها.
في النهاية نقول للمغامرين بالامن والسيادة حذارِ الحرب وحذارِ السماح بعودة الكفاح المسلح الفلسطيني الى لبنان.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى