سنة أولى “فراغاً رئاسيّاً”: ماذا ينتظرنا.. وما كان تحقيقه ممكناً؟
عماد الشدياق -أساس ميديا |
مع انقضاء شهر تشرين الأول، نكون قد أتممنا سنة كاملة في الشغور الرئاسي الذي يبدو قد يطول أكثر، خصوصاً في حال تطوّرت الحرب في قطاع غزّة ودخلناها بمواجهة بين إسرائيل وحركة “حماس”، وربّما محور الممانعة.
انقضت سنة كاملة، وكان يمكن أن ينجز لبنان خلالها الكثير من أجل الخروج من أزمته الاقتصادية التي دخلت هي الأخرى عامها الرابع، منتصف الشهر الفائت أيضاً، لكن يبدو أنّ الأزمة مستمرّة. ما كان يمكن إنجازه في هذه السنة؟ وكيف كانت تلك الإنجازات، لو تحقّقت، قادرة على التخفيف من وقع الأزمة؟
الإجابات أدناه:
1- حكومة أصيلة: لو أنجزنا الاستحقاق الرئاسي في موعده قبل نحو سنة من اليوم، لكان لدينا الآن حكومة أصيلة، سُمّي رئيسها بعد استشارات نيابية ملزمة، وتقدّمت إلى البرلمان ببيانها الوزاري الذي يفترض أن يكون “خطة إصلاحية”، ونالت بموجبها الثقة.
تلك الحكومة كانت قادرة اليوم على الاجتماع، بلا حرج ولا تسويات حول هذا الملفّ أو ذاك، أو مساومات بين الأحزاب من أجل الموافقة على مشاركة ممثّليها في اجتماعاتها المشوّهة: تارة تحت مسمّى “جلسة وزارية تشاورية” وتارة أخرى تحت مسمّى “لقاء وزاري”.
ربّما كانت الحكومة اليوم قادرة على اتّخاذ القرارات، وإنجاز التعيينات في الأجهزة الأمنيّة، وكذلك في الإدارة التي أصبح الفراغ ينخرها من أعلى المراكز إلى أدناها.
2- موازنة متوازنة: لو كان لدينا في لبنان حكومة سليمة بخلاف تلك “العرجاء” الموجودة الآن، لكان يمكن نظم قانون موازنة “متوازن”، إصلاحيّ بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا كذاك الـCopy/Paste عن سابقاته الذي تُناقشه لجنة المال والموازنة اليوم (أرقام تتبدّل تماشياً مع سعر الصرف)
ربّما كانت حكومة العهد الأولى قد وضعت قانون موازنة يتوخّى بالفعل مصلحة المواطنين من بين الأكثر فقراً، إذ يزيد من منسوب الضرائب بعدل لكن في المقابل يخفّض من قيمة الرسوم والخدمات ويسعى إلى تقديمها بدلاً من استيفائها من دون مقابل (كهرباء وماء مثلاً)، وذلك على عكس ما يحصل اليوم حيث تركّز الحكومة على الرسوم باعتبار أنّها “صيد سهل” يمكنها أن “تكعم” بها المواطنين، وتلزمهم بدفعها بخلاف الضرائب القابلة للتهرّب.
3- الاتّفاق مع صندوق النقد الدوليّ: خلال هذه السنة الضائعة، ربّما كنّا توصّلنا إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي وحصلنا منه على المليارات الثلاثة التي وعدنا بها، لتكون دفعة قوية لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية، ومحفّزاً كبيراً للمستثمرين من أجل عودتهم إلى لبنان بعد هجران طال أمده.
هذا الاتفاق ما كان ليبصر النور طبعاً إلّا بعد إتمام الإصلاحات الرئيسية التي هندسها وفد الصندوق ووافقت عليها الحكومة ولم تُقرّ حتى اليوم.
4- قانون “الكابيتال كونترول”: على الرغم من تأخّره 4 سنوات ومع أنّه بات بلا مفاعيل تُذكر، إلاّ أنّ إقرار هذا القانون قبل سنة من اليوم كان ليُحدث فرقاً كبيراً لدى المودعين. كان ليعيد شيئاً من المساواة فيما بينهم بدل تلك الاستنسابية المتروكة للمصارف مع عملائها، في ظلّ وضع معيشي ضاغط، وحرب على الأبواب لا يعرف اللبنانيون كيف سيتدبّرون أمرهم ومن أين سينفقون على أنفسهم للاستمرار في العيش أو الهرب من القصف فيما لو وقعت!
كان لهذا القانون أن يرسم خارطة طريق مسبقة تلزم بهيكلة المصارف، وتخبرنا من هي المصارف الملتزمة والقادرة على الاستمرار، ومن تلك المتعثّرة التي لا تقوى على دفع مستحقّات عملائها بالحدّ الأدنى، وبالتالي يجب دمجها أو تصفيتها.
5- قانون “هيكلة المصارف”: لو أُقرّ هذا القانون قبل نحو سنة من اليوم نتيجة انتخاب رئيس وتشكيل حكومة وعودة عجلة الحياة السياسية الطبيعية إلى الدوران، لكان القطاع المصرفي اليوم (وليس بعض المصارف) تنفّس الصعداء، ولكان القطاع “غربل” مصارفه واصطفى تلك القابلة للحياة والاستمرار وتلك العاجزة عن ذلك، ولكانت المتعافية بدأت بتحسين أوضاعها ومنح التسليفات (ولو بما تيسّر) إلى الأفراد والمؤسّسات، ولحسّن هذا الأمر من أداء الاقتصاد.
ربّما كنّا اليوم نتحدّث عن عودة ارتفاع الناتج الإجمالي ونسبة النموّ، خصوصاً بعدما أظهر القطاع الخاص في الأشهر القليلة الماضية شيئاً من التكيّف والانتعاش مع موسم سياحي وصفه أهل القطاع بالناجح.
6- تحرير سعر الصرف: كلّ ما سبق ذكره لو تحقّق نتيجة الانفراجة السياسية، لكانت وزارة المالية بالتعاون مع مصرف لبنان أكثر مناعة وشجاعة على توحيد سعر الصرف وتحريره، وبالتالي إعفاء المواطنين اللبنانيين من “سنة إضافية” تلاعباً بالأسعار ومضاربة تسبّبت بتآكل قدراتهم الشرائية من أجل حفنة من التجّار الجشعين ومضاربين سَفَلَة ترزّقوا على حساب اللبنانيين ومعاناتهم، ثمّ صَمَتوا أو أُصمتوا بعدما أمسى محاسيبهم في سدّة القرار النقدي والمالي بالبلاد.
سنة إضافية، فوق السنوات الثلاث الأولى من عمر الأزمة، طويناها نهاية شهر تشرين الأول، وطوينا معها السنة الأولى من فراغٍ رئاسيّ ربّما يطول أكثر، وربّما لا يأتي أبداً، فيضيع الاستحقاق وتضيع معه الجمهورية كلّها من أجل واقع جديد قد لا يعرف أحد ما هو بالتحديد في ظلّ التأزّم السياسي والأمني في المنطقة، لكنّ ملامحه تشبه ما اصطلحنا على تسميته في ما مضى “حرباً أهلية”، خصوصاً مع زيادة منسوب الانقسامات والاصطفاف والفوضى، ومع تفشّي ظاهرة حَمل السلاح تحت مسمّيات “المقاومة”… فعن أيّ إصلاح وأيّ اقتصاد أو انتخابات يمكن الحديث اليوم بعد هذا كلّه؟