حماوة تصعيدية جنوباً وإسرائيل ترتكب جريمة عائلية
اتسمت الوقائع الميدانية في الجنوب وعند الحدود اللبنانية الإسرائيلية امس بخطورة عالية في ظل تطور من شأنه ان يلهب المواجهات المباشرة كما ينذر بتوسيع اطار المواجهات الصاروخية والمدفعية الى عمق يتجاوز الاطار الذي دارت فيه منذ الثامن من تشرين الأول الماضي. هذا التطور تمثل في اقدام إسرائيل على استهداف مدنيين لبنانيين على دفعتين، الأولى عبر استهداف سيارة اسعاف لكشافة الرسالة وجرح أربعة مسعفين، والثانية عبر استهداف سيارة مدنية مما أدى الى ارتكاب جريمة جماعية بحق عائلة فاستشهد أربعة من افرادها ثلاث فتيات مع جدتهن.
هذا التصعيد الإسرائيلي في استهداف مدنيين بدا عامل اثارة للقلق من التسبب بتوسيع المواجهات، اذ بدا واضحا ان “حزب الله” سيرد في أي لحظة على هذا التطور الذي اعتبره خروجا خطيرا على قواعد الاشتباك، علما ان هجمات الحزب يوم امس كانت كثيفة ومتتابعة ضمن نطاق المواجهات المباشرة على طول خط المواجهة، وقد استهدفت مستوطنة كريات شمونة. ورسمت هذه الجريمة العائلية أيضا معالم الخطورة المتصاعدة من عدم التحرك الدولي لردع إسرائيل عن استهداف المدنيين ولا سيما الأطفال بحيث صار معروفا وثابتا ان اكثر من أربعين في المئة من ضحايا المجازر المرتكبة في غزة هم من الأطفال والأولاد. وحصلت المجزرة عقب استهداف مسيّرة اسرائيلية عصر امس لسيارة مدنية في منطقة بين بلدتي عيترون وعيناتا اذ بينما كان سمير عبد الحسين أيوب (صحافي من بلدة عيناتا) يقود سيارته، وتسير خلفه سيّارة أخرى تقودها هدى عبد النبي حجازي (إبنة أخت سمير، من بلدة بليدا، زوجها محمود شور من بلدة عيترون) وبرفقتها والدتها وبناتها الثلاث، استهدف القصف الإسرائيلي سيّارة هدى، ممّا أدى الى جرح سمير وهدى واستشهاد والدتها (سميرة عبد الحسين أيوب) وأولادها الثلاثة ريماس محمود شور (١٤ سنة)، تالين محمود شور (١٢ سنة)، وليان محمود شور (١٠ سنوات). وعلى الاثر قامت جمعية الرسالة بإخماد الحريق الذي شبَّ في السيارة وسحب الشهداء والجرحى من داخلها.
وفي اول تعليق لـ”حزب الله” على هذا الاستهداف اعتبر النائب حسن فضل الله أن “هذه الجريمة تطوّر خطير في العدوان الاسرائيلي على لبنان، والعدو سيدفع ثمن جرائمه ضد المدنيين”. وأشار فضل الله إلى أنَّ “الجيش الإسرائيلي ارتكب مجزرة بشعة ضد سيارة مدنية أدت إلى استشهاد ثلاث فتيات، أعمارهن بين 8 و14 سنة، وجدتهن، وجرح والدتهن”.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية انه طلب من المستوطنين في القطاع الشرقي عند الحدود مع لبنان البقاء قرب الأماكن المحمية بسبب الخوف من وقوع حدث أمني كما جرى رفع درجة الإستنفار في منطقة الشمال. واطلقت فعلا صواريخ من الجنوب ليلا سقطت في كريات شمونة فيما تحدث الاعلام الإسرائيلي عن مقتل إسرائيلي. واعلن “حزب الله” لاحقا انه قصف مستعمرة كريات شمونة بعدد من الصواريخ “ردا على الجريمة البشعة التي ارتكبها العدو الصهيوني واستهدف فيها سيارة مدنية وادت الى استشهاد سيدة وثلاثة أطفال ” واكد انه “لن يتسامح ابدا بالمس والاعتداء على المدنيين وسيكون رده حازما وقويا”. وليلا تجدد القصف الصاروخي بكثافة من “حزب الله” نحو كريات شمونه .
وأثارت الجريمة ادانات واسعة، وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري : “آخر بنك اهداف الإحتلال الإسرائيلي الجريمة التي إرتكبها بحق الاطفال على طريق عيترون عيناتا والتي أدت الى إستشهاد إمراة وثلاثة من أحفادها، ان ما حصل يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل ومستوياتها والعسكرية والسياسية وأحد عيناتها وزير التراث فيها، الذي دعا الى إستخدام القنبلة النووية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، يمثل أنموذجاً لإرهاب الدولة المنظم وأن ما يقوم به الكيان الإسرائيلي من غزة الى جنوب لبنان هو سياق واحد”.
واعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان “هذه الجريمة برسم مَنْ يطالبون بالتهدئة ويتغاضون عما يرتكبه الاحتلال من جرائم بحق لبنان. هذه الجريمة وصمة عار جديدة برسم الضمير العالمي المتغاضي عما يفعله الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان وغزة.” واعلن ان “هذه الجريمة النكراء لن تمر مرور الكرام وستكون مدار متابعة من قبل الحكومة، عبر اتصالات دولية، وايضا عبر تقديم شكوى عاجلة ضد العدو الاسرائيلي الى مجلس الامن على خلفيتها. والمطلوب من دول القرار في مجلس الامن العودة الى تطبيق شرعة الامم المتحدة والتحرك للجم الاعتداءات وانقاذ ما تبقى من انسانية وعدالة كي لا تبقى هذه الشكاوى حبرا على ورق”.
وكانت ساعات النهار اتسمت بحماوة لافتة بحيث تكثف القصف الإسرائيلي على الكثير من اطراف قرى وبلدات جنوبية، فيما كثف “حزب الله” هجماته على المواقع الإسرائيلية فاعلن تباعا استهداف موقع الضهيرة وآلية عسكرية في موقع بياض بليدا وثكنة أفيفيم وموقع مسكاف عام. كما اعلن اسقاط مسيرة معادية بصاروخ ارض – جو، وسقطت اجزاء كبيرة منها فوق احياء في بلدتي زبدين وحاروف، عندما كانت تحلق مع مسيرة اخرى منذ ساعات الصباح .
تحرك ميقاتي
ووسط هذه الأجواء، مضى الرئيس ميقاتي في استكمال تحركه الديبلوماسي الخارجي الكثيف الذي سيتوجه بحضور القمة العربية الطارئة في الرياض في الحادي عشر من تشرين الثاني الحالي. وفي سياق هذا التحرك الهادف الى الانضمام الى المساعي الهادفة لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة وحماية لبنان من تمدد الحرب اليه، التقى ميقاتي امس ملك الأردن عبدالله الثاني في حضور ولي عهد المملكة الأمير الحسين بن عبدالله الثاني. ونقل عن الملك عبدالله “ضرورة تكثيف الجهود الدولية لوقف الحرب على غزة ومنع توسع دائرة الصراع في الإقليم”. وتناول اللقاء الأوضاع في لبنان، إذ أكد الملك عبدالله “دعم الأردن لجهود الأشقاء اللبنانيين في تعزيز استقرارهم”. وأشاد ميقاتي “بجهود الأردن بقيادة الملك في الدفاع عن القضايا العربية والعمل نحو السلام والاستقرار” وشدد على “ضرورة الاستمرار في الجهود لوقف الحرب في غزة والتوصل الى حل يُبقي الفلسطينيين في أرضهم لتبقى قضيتهم حيّة ويُصار إلى التوصّل إلى حل عادل ونهائي”.كما اجتمع ميقاتي مع رئيس الوزراء الاردني بشر الخصاونة.
والسبت عقد ميقاتي اجتماعا مع وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن في عمان وأكد ميقاتي خلال الاجتماع “أولوية العمل للتوصل الى وقف اطلاق النار في غزة لوقف العدوان الاسرائيلي المستمر هناك، وكذلك العمل على وقف العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان وسياسة الارض المحروقة التي تتبعها اسرائيل باستخدام الاسلحة المحرّمة دوليا للامعان في احداث المزيد من الخسائر البشرية وتدمير المناطق والبلدات الجنوبية”. وشدد على”أن لبنان الملتزم بالشرعية الدولية وبتطبيق القرار الدولي الرقم 1701، وبالتنسيق مع اليونيفيل، يطالب المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لوقف التعديات والانتهاكات الاسرائيلية اليومية على ارضه وسيادته برا وبحرا وجوا”.
وقال بلينكن عن اللقاء “من المهم أن نتأكد من عدم إنتشار الصراع بين إسرائيل وحماس إلى أماكن أخرى في المنطقة. لقد ناقشتُ مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي السُّبل لمنع حدوث ذلك وتأمين المساعدات الإنسانيّة للشعب الفلسطيني، كما ناقشنا حاجة لبنان المُلحة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
كذلك زار ميقاتي السبت القاهرة حيث التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعبر عن “تقديره لوقوف مصر الدائم الى جانب لبنان، ودعمها له على الصعد كافة”.وتلقى ميقاتي إتصالا هاتفيا من رئيس وزراء هولندا مارك روته وبحث معه في الوضع في لبنان وغزة والمساعي الجارية لاحلال السلام.
الراعي
في المواقف الداخلية برزت العظة الأولى للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد عودته من روما فتحدث عن بداية السنة الثانية من الفراغ الرئاسي “وما من كلام جدّي عند احد بشأن إجراء انتخاب للرئيس. وكأنّ الفراغ مقصود من أجل المضيّ في تفكيك مؤسّسات الدولة، والتلاعب في موظّفيها، وتنفيذ الزبائنيّة في إداراتها”. وقال “يجب، مهما كلّف الأمر، انتخاب رئيس للبلاد وحماية المؤسّسات، بدلًا من التخطيط لإسقاط هذا أو ذاك، أو التلاعب في القيّمين على هذه المؤسّسة أو تلك. ومن المعيب حقًا أن نسمع كلامًا عن إسقاط قائد الجيش في أدقّ مرحلة من حياة لبنان وأمنه واستقراره وتعاطيه مع الدول. مثل هذا الكلام يحطّ من عزيمة مؤسّسة الجيش التي تحتاج إلى مزيد من المساعدة والتشجيع والإصطفاف حولها”.
وعن غزة، قال: “كيف نعبّر عن ألمنا عمّا يجري في غزّه الجريحة بل المهدّمة من حرب هدّامة إباديّة ينصبّ فيها الحقد والبغض بقوّة القنابل والحديد والنار ؟. كيف يتبرّأ حكّام الدول وأمراء الحروب من جرائمهم ضدّ الإنسانيّة؟ فإنّا نناشد ضمائرهم لإيقاف النار، وتكثيف الإسعافات الطبيّة والمساعدات الغذائيّة للمشرّدين والجرحى والجائعين والعراة. أمّا ما يختصّ بالحرب البغيضة الهدّامة هناك فالحلّ الوحيد الذي يجلب السلام إنّما هو قيام الدولتين بنتيجة المفاوضات والحوار الهادئ والمسؤول. لقد آن الأوان لإعطاء الفلسطينيّين حقّهم”.والتقى الراعي، بعد الظهر قائد الجيش العماد جوزف عون في بكركي.
المصدر – النهار