لودريان العائد: “الخُماسيّة” غاضبة منكم!
ملاك عقيل -أساس ميديا |
تكمن أهمية المواقف العلنية والصريحة التي أطلقها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان عبر صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية، وهي الأولى والأشمل لمسؤول فرنسي منذ بدء تفعيل “خليّة الأزمة”، في النقاط الآتية، وهي “مفاتيح” ستلعب على الأرجح دوراً في ترسيم خارطة طريق معالجة الأزمة في المرحلة المقبلة:
1- إشهار فرنسا رسمياً للمرّة الأولى منذ انخراطها في الوحول اللبنانية ورقة المسار (أو الطريق) الثالث la troisieme voie. وفيما تزامن هذا الموقف مع نعي الرئيس نبيه برّي للحوار الذي دعا إليه الكتل النيابية ومع لحظة الدخول القطري من الباب الأوسع إلى مسرح الرئاسة الضائعة، أصرّ لودريان على إجراء ربط بين هذا المسار و”سلسلة مشاورات” كان دعا إليها الرئيس برّي على أن تليها جلسات نيابية متتالية ومفتوحة لانتخاب الرئيس. برأي لودريان “يجب أن يتمّ هذا الأمر في الأسابيع المقبلة”، وسيسبق كلّ ذلك زيارة رابعة للموفد الفرنسي سيقوم فيها كما قال بـ “عقد لقاءات مجدّداً ورؤية نقاط الالتقاء بين الأفرقاء اللبنانيين”، وقد أكّد حصولها بقوله: “سأعود مرّة أخرى على الأقلّ”.
2- للمرّة الأولى أيضاً نَعَت فرنسا رسمياً، عبر موفدها، ترشيح سليمان فرنجية. استخدم لودريان عبارات بالغة الوضوح لإبراز الفشل الفرنسي في تسويق طرح فرنجية – نواف سلام قائلاً: “لا أحد من المرشّحين الحاليين يبدو لي من “طبيعة” تسمح بحلّ المشكلة. أنا أقول هذا كمبعوث شخصي لرئيس الجمهورية”، وأكّد أنّ “المواجهة بين كتلتَيْ جلسة 14 حزيران، أي كتلة تؤيّد جهاد أزعور وكتلة أخرى تؤيّد سليمان فرنجية، لن تقدّم أيّ حلّ، لذلك يجب البحث عن خيار ثالث”. في هذا السياق تجزم أوساط مطّلعة أنّ “الأسماء المتداوَلة تتجاوز الأربعة المُعلنة التي طرحها الموفد القطري، فيما فرنجية لم يخرج بعد من سوق الترشيحات ما دام الثنائي الشيعي يتبنّى ترشيحه”.
3- بعد اللغط الذي رافق عدم إصدار ممثّلي “اللجنة الخماسية” بياناً عقب اجتماعها في نيويورك كَشَف لودريان بشكل غير مباشر أنّ السبب يعود إلى أنّ “الاجتماع الأخير للخماسية اتّسم بالغضب من حالة الإنكار لدى المسؤولين اللبنانيين وعدم قدرتهم على التغلّب على تناقضاتهم”.
4- خلافاً للمُتداوَل جَزَمَ لودريان “عدم وجود اختلاف، ولا حتى فارق بسيط، بين الدول الخمس التي تتحدّث مع بعضها طوال الوقت”، واصفاً من يقولون العكس بأنّهم من “مروّجي الأوهام بهدف الإرباك من أجل حسابات تكتيكية”.
5- لوّح لودريان مجدّداً بلغة غير دبلوماسية بـ “احتمال فرض عقوبات مجدّداً على القوى السياسية ووقف الدول الداعمة مساعدة لبنان ماليّاً”، قائلاً “آمل أن يدرك المسؤولون أنّه يجب إيجاد مخرج، وإلّا فسيتمّ نبذهم من قبل المجتمع الدولي. لن يرغب أحد في رؤيتهم بعد الآن، ولن يكون من المفيد طلب الدعم من هنا أو هناك. عليهم تحمّل تداعيات قلّة مسؤوليّتهم”.
6- في ما يتعلّق بالموقف السعودي قال لودريان: “لاحظت باهتمام أنّ السعودية تعود إلى اللعبة، وترى أنّ الفراغ اللبناني يمكن أن يُعاقِب المنطقة برمّتها من الناحيتين الأمنيّة والاقتصادية، وأنّه يجب التعبئة للخروج من المأزق”. في تقدير مطّلعين أنّ المملكة تحرص على معالجة جانب أساسي من الأزمة، وهو “تنظيم” موقف النواب السُّنّة بشكل يخدم فيما بعد الخيار الذي ستنتهجه الرياض رئاسياً.
الحلّ من الداخل!
عملياً، الكلمة المفتاح في كلام الموفد الفرنسي العائد في أوائل الشهر المقبل هي أنّ “الانسداد داخلي بحت”. هذا ما يوافق عليه دبلوماسي تشارك دولته في اجتماعات “اللجنة الخماسية” من أجل لبنان، مسلِّماً “بصعوبة مقاومة أيّ دولة عظمى أو مؤثّرة في الشأن اللبناني أيّ مشروع حلّ داخلي يتّفق عليه اللبنانيون، سواء تضمّن اسم المرشّح سليمان فرنجية أو جهاد أزعور أو قائد الجيش، من دون التقليل من وهج التقاربات والمفاوضات الناشطة في المنطقة والعالم”.
يضيف الدبلوماسي: “مخطئ من يعتقد أنّ واشنطن والمملكة خصمان لفرنجية أو الرياض تسوّق مع قطر حصراً لقائد الجيش. الأساس هو في سلّة التفاهمات والإصلاحات التي ستأتي برئيس الجمهورية وبرنامجه في التعامل مع عدّة ملفّات حسّاسة على رأسها مثلاً النزوح السوري مع قطع حبل النسل مع مرحلة سابقة حكمت لبنان منذ التسعينيات يسلّم المعنيون في الخارج بأنّ أساساتها تنهار تِباعاً ورموزها في السلطة صاروا أقرب من أيّ وقت مضى إلى خطّ النهاية”.
دوروثي مطمئنّة أمنيّاً
في المقلب الآخر للتطوّرات المستجدّة رئاسياً وفي مقابل ما وصفه لودريان بـ “الغضب الكبير” لأعضاء اللجنة الخماسية من القوى السياسية اللبنانية، ثمّة اطمئنان لدى مفاتيح القرار في الخارج إلى الوضع الأمني في الداخل على الرغم من كلّ مظاهر الفوضى والتعثّر السياسي.
في هذا السياق، يقول مصدر متابع لـ “أساس” “ما دام الوضع الأمني ممسوكاً يمكن الاستمرار أكثر باللعب في الوقت الضائع بانتظار نضوح الطبخة داخلياً بإشراف الدول الخمس وإيران”، مشيراً إلى “مفارقة كبيرة واكبت حادث إطلاق النار على مبنى السفارة الأميركية في عوكر الذي اعتُبر الأهمّ منذ زمن في سلسلة الحوادث الأمنيّة بالنظر إلى حساسيّة المُربّع الذي حصلت فيه الحادثة وبغضّ النظر عن التحقيقات التي كشفت خلفيّته الحقيقية، وتمثّلت في أنّه بعد أقلّ من 48 ساعة على وقوع الحادث رُصدت السفيرة الأميركية دوروثي شيا تتناول الطعام في مطعم Meat The Fish في منطقة الصيفي بوسط بيروت مع مجموعة من الأصدقاء وسط إجراءات أمنيّة بدت شبيهة بمسار تنقّلاتها سابقاً قبل وقوع الحادث”.