موضوعات وتقارير

لا يوجد إجماع في المنظومة الأمنية على مزايا الاتفاق مع السعودية

 

لا يوجد إجماع في المنظومة الأمنية حول مسألة ما إذا كان اتفاق التطبيع مع السعودية يساوي موافقة “إسرائيل” على برنامج نووي على الأراضي السعودية، ويميل “الجيش الإسرائيلي” ووزارة الجيش إلى الادعاء بأن الأضرار الأمنية الناجمة عن الاتفاق الناشئ تفوق فوائده.

كما يعتقد مسؤولون كبار في الموساد أن الفائدة من الاتفاق الذي سيغير وجه الشرق الأوسط – ربما لأجيال- أعلى من مخاطرة، ووفقاً لذلك المفهوم، من الممكن التعايش مع النووي السعودي، بشرط وضع بعض القيود والتي سوف نصل إليها لاحقاً.

مجلس الأمن القومي خارج الصورة

حالياً يشير الاختلاف بالمفاهيم في مختلف الأجهزة، إلى مدى تعقيد القضية، فمن هي الجهة التي يمكنها الجمع بين الاعتبارات الأمنية والاقتصادية والجيواستراتيجية، للإجابة على سؤال ما إذا كان الاتفاق مفيداً أم سيئاً لـ “إسرائيل”؟ ظاهرياً، هو مجلس الأمن القومي، الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى رئيس الوزراء.

لكن المجلس خارج الصورة تماماً، ومن يدير الاتصالات مع الولايات المتحدة (وبالتالي مع السعودية أيضاً) هو فقط الوزير “رون ديرمر” وبالطبع مع “نتنياهو”.

عاجلاً أم آجلاً، ستُطرح أسئلة حول عملية اتخاذ القرار بشأن الاتفاق مع السعودية، وهو ما سيأتي على الأرجح، ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أنه تم بالفعل اتخاذ خطوات استراتيجية في الماضي بينما كان رؤساء الوزراء لا يطلعون أحداً على ذلك.

وكان أبرز التحركات اتفاق أوسلو، كما أن اختيار عاصمة النرويج كموقع للمحادثات حول الاتفاقية كان يهدف إلى الخروج من التغطية الإلكترونية لوحدة جمع المعلومات المركزية لـ “الجيش الإسرائيلي”، الوحدة 8200، نعم، تم إخفاء المحادثات عن الاستخبارات والمنظومة الأمنية بأكملها.

وفي محاولة لتبسيط المسألة السعودية، من المهم الإشارة إلى عدد من الحقائق الأساسية المتعلقة بالظروف الدولية التي تقود إلى الاتفاق، الذي يشمل الملف النووي.

  • الحقيقة رقم واحد:

“إسرائيل” لا تقود الاتفاق وليست في جوهره، هي لاعب ثانوي، وهذا مزيج متميز من المصالح بين الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي “جو بايدن”.

يدرك محمد بن سلمان أن هناك فرصة ذهبية للحصول من الولايات المتحدة على تحالف دفاعي غير مسبوق (مثل التحالف الذي تقيمه الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو)، وتسليح نفسه بأحدث الأسلحة وكذلك للحصول على ترخيص لبرنامج نووي.

من جانبه، يهتم “بايدن” بتحقيق إنجاز سياسي كبير قبل عام الانتخابات، والأهم من ذلك، تحقيق ثقل موازن للمحور الروسي الإيراني، الذي يتشكل بدعم هادئ من الصين، وهذا المحور الذي يزداد قوة على خلفية الحرب في أوروبا، يتحدى الهيمنة التي كانت تتمتع بها الولايات المتحدة على العالم منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي.

موازاة بالتحالف مع المملكة العربية السعودية، أعطى “بايدن” الضوء الأخضر للاتفاق مع إيران، والذي من شأنه أن يوقف تخصيب اليورانيوم قبل جهد صغير من الحصول على قنبلة نووية، إنه يحتاج إلى “الجزء الإسرائيلي” من الاتفاقية بشكل أساسي لتمريره في مجلسي الشيوخ والنواب ضد المعارضين من جانبي مجلس النواب – الديمقراطيون الذين يكرهون النظام السعودي والجمهوريون الذين يخشون حقاً على “أمن إسرائيل”.

  • الحقيقة الثانية: فيما يتعلق بدورة الوقود النووي:

السعوديون مهتمون بالتكنولوجيا التي ستمكن العملية برمتها من تخصيب اليورانيوم إلى إنتاج الطاقة النووية نفسها، إنهم غير مهتمين باتفاق حول مفاعل نووي لتلبية احتياجات الكهرباء مثل الذي تمتلكه الإمارات العربية المتحدة، حيث يتم تخصيب اليورانيوم هناك بطريقة خاضعة للرقابة على الأراضي الأوروبية.

صحيح أن المملكة العربية السعودية تفتقر إلى بنية تحتية تكنولوجية (مثل تلك التي تمتلكها إيران)، والتي من شأنها أن تسمح لها يوماً ما بتحويل الدائرة النووية إلى قنبلة نووية، لكن الأمر سيعتمد عليهم فقط.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يصر السعوديون على دورة نووية كاملة؟

(الجواب: يريدون ما تملكه إيران)، وما هي عواقب وجود سلاح نووي في يد إيران (الجواب: عاجلاً أم آجلا ستمتلك تركيا مصر وغيرها من دول المنطقة سلاحاً نووياً، ونظام مراقبة الأسلحة النووية الذي ظل صامداً منذ أيام الحرب العالمية الثانية، سوف ينهار أولاً وقبل كل شيء في منطقتنا).

  • الحقيقة الأساسية رقم ثلاثة:

إن اتفاق التطبيع مع السعودية له أهمية استراتيجية هائلة لـ “إسرائيل”، تتجاوز بكثير الثمار الاقتصادية، وسيكون جوهر محور الدول السنية المعتدلة (بما فيها أذربيجان الشيعية العلمانية) و”إسرائيل” والولايات المتحدة، أمام المحور المقابل الذي تقوده إيران والذي أغلبه شيعياً.

وبالعودة إلى الجدل الدائر حول ما إذا كان الاتفاق مرغوباً فيه بالنسبة لـ “إسرائيل” أم خطيراً للغاية: لا توجد إجابة مطلقة لا لبس فيها، يعتقد البعض في الموساد أن الترتيبات المختلفة (مثل تخصيب اليورانيوم للمملكة العربية السعودية لبضع سنوات فقط على الأراضي الأمريكية وآليات المراقبة الإضافية) ستقلل بشكل كبير من المخاطر وتترك لنا الفوائد في الغالب.

ومن ناحية أخرى، هناك في المنظومة الأمنية من يعتقد أن “إسرائيل” والسعودية عملياً بينهما علاقات تطبيع وعلاقات تجارية، وينتميان إلى  التحالف الإقليمي نفسه، وبالتالي فإن الاتفاق بشكل أساسي سيجلب معه الثمن الأمني، بما في ذلك السماح ببيع طائرات مقاتلة متطورة إلى المملكة العربية السعودية وليس فقط النووي.

منتدى قادة جديد (بشكل أساسي ضد التعديلات)، الذي يضم ضباطاً سابقين من “الجيش الإسرائيلي” برتبة لواء ورؤساء أقسام في الموساد والشاباك (مساوين لرتبة لواء) يعارض الاتفاق، وعن ذلك قال لي رئيس قسم سابق في الموساد، وهو ليس عضواً في المنتدى، “إن هذا غباء حقيقي: الألوية ليس لديهم أي معلومات زائدة لصياغة أي توصية بشأن الشأن السعودي، وخاصة أن الألوية السابقون في الجيش الإسرائيلي لا يعرفون القدرات التي تمتلكها إسرائيل لإحباط تهديد قد ينشأ من نووي سعودي”.

أخبرني “حاييم تومر” عضو المنتدى والرئيس السابق للقسم الدولي في الموساد، والذي أمضى بحكم وظيفته في المنظمة ساعات لا تحصى مع السعوديين، أنه يعارض تماماً وجود نووي في أيدي المملكة العربية السعودية.

وبحسب “تومر”: “من المستحيل المبالغة في أهمية الاتفاق مع المملكة العربية السعودية، على ما يبدو، فإن العائلة المالكة الحالية معتدلة وبراغماتية وتميل إلى التعاون مع الغرب، النظام مستقر، “ولكن هناك عدد غير قليل من الجماعات الإسلامية المتطرفة، والتي خرّجت أسامة بن لادن في ذلك الوقت، ماذا سيحدث لو سقط النظام غداً؟ بعد كل شيء، كانت هناك محاولات اغتيال، إنه ليس سيناريو محتملاً للغاية، ولكنه ليس سيناريو مستبعد”.

“يمكن فقط الموافقة على دورة نووية في يد السعودية بشروط مقيدة واضحة، خلاصة القول، ينبغي تجنب إنشاء دائرة وقود نووي مستقلة في المملكة العربية السعودية قدر الإمكان، لما يحتويه من خطر بدء سباق نووي إقليمي وكذلك إضفاء الشرعية على تقدم إيران نحو سلاح نووي عسكري، هناك طرق لمنع ذلك والمنظومة الأمنية ​​تعرفها”.

ساحة الهند

خلال اجتماع مع مسؤولين هنود قبل بضعة أيام في نيودلهي، حصلنا على إثبات آخر يوضح مدى صغر حجمنا كلاعب في واقع عالمي جيوستراتيجي، الصورة أوسع بكثير من السعودية وإيران، الحرب في أوروبا تغير الواقع العالمي.

فإيران صديقة لروسيا منذ الحرب في أوكرانيا، وروسيا من جهتها تجري مناورات مشتركة مع باكستان (العدو المعلن للهند)، والصين لها تواجد عميق في هذا المحور، بشكل غير معلن.

وفي الهند يطرحون فرضية مفادها أن باكستان ستسلم إيران قنبلة نووية جاهزة، على خلفية التغيرات العالمية وتفكك نظام مراقبة انتشار الأسلحة النووية، وهذه نقطة أخرى للتفكير من زاويتنا (الضيقة).

غزة تغلي

أثبت الماضي أن كل اتفاق سلام (في الحالة الحالية، الاندفاع إلى التطبيع بين إسرائيل وأغنى وأهم الدول العربية) يوقظ العنف، ولعل هذه هي خلفية اللقاء بين رؤساء تنظيمات المقاومة الفلسطينية الذي عقد هذا الأسبوع في بيروت خلال عيد الغفران.

وكانت النتيجة المباشرة للاتفاق هي تصاعد وتيرة العنف على طول السياج الحدودي في قطاع غزة، بعد أشهر كانت فيها استراتيجية التنظيمات تتمثل في لهدوء في قطاع غزة وتعزيز الهجمات في الضفة الغربية.

تم إطلاق البالونات الحارقة مرة أخرى هذا الأسبوع ضمن تظاهرات عنيفة أخرى على السياج، وفي “إسرائيل” يوم الخميس فتحوا معبر “إيريز” بغرض إدخال البضائع إلى غزة، في محاولة للحفاظ على التوازن الهش بين “العصا” و”الجزرة” لقطاع غزة.

لكن الوضع في غزة سيكون متفجراً للغاية في نهاية هذا الأسبوع وفي الأسابيع المقبلة، وذلك في وقت يخشى فيه الجميع في الضفة الغربية من هجمات قد يستخدم فيها لأول مرة عبوات ناسفة معيارية عالية الجودة تعمل إيران بنشاط على تهريبها عبر حدود الطويلة مع الأردن.

خط 60%

إن أحداث الفترة الأخيرة والطريقة التي يتم بها تفسير الانتقادات الحادة الموجهة ضد “حكومة إسرائيل” في الولايات المتحدة قد تؤدي إلى خفض الدعم الشعبي لـ “إسرائيل” لأول مرة منذ عقود إلى ما دون الخط الأسطوري البالغ 60 %.

60% هذا رقم سحري يتم الحفاظ عليه في ظل جميع أنواع الحكومات في الولايات المتحدة، الديمقراطية والجمهورية، لقد كان الأساس لتمتع “إسرائيل” بدعم من مختلف الأحزاب.

وبغض النظر عمن يكون الرئيس، هو من المفترض دائما أن يقف إلى جانب “إسرائيل”، وذلك لأسباب انتخابية، وتضفي وزارة الخارجية معنىً شبه سحري لهذا الرقم، فهل سينخفض في الأشهر القليلة المقبلة؟ الحديث هنا يدور عن عمليات عمق طويلة في المجتمع الأمريكي، ومن السابق لأوانه معرفة ذلك.

المصدر: “إسرائيل دفينس”/ “عمير رففورت”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى