موضوعات وتقارير

المخاطر المحسوبة تجاه المملكة العربية السعودية

 

إن تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية هو مخاطرة ينبغي أن يؤخذ بها في ظروف معينة فقط، حيث يدور الحديث عن تصريح أمريكي شاذ عن سياسة الولايات المتحدة في موضوع انتشار النووي في الشرق الأوسط، وبالتالي يجر معارضة واسعة.

يدور الحديث أيضاً عن اعتبار استراتيجي وبالتالي محظور أن يكون النقاش حاسماً وثنائياً، هذه ليست مسألة نعم أم لا، هذه مسألة سياسة ومطالب ينبغي تحليلها.

ربما قد يكون متأخراً

أولاً: ينبغي التأكيد بأن الحديث لا يدور عن خرق لحظر، فالحظر الأمريكي على تخصيب اليورانيوم في الشرق الأوسط اخترق في 2015، عندما وافقت الولايات المتحدة والقوى العظمى الأوروبية على أن تخصب إيران اليورانيوم على أراضيها (هذا هو جوهر التنازل الغربي لإيران في الاتفاق النووي)، وبالتالي كان متوقعاً أن يبدأ سباق تخصيب؛ هذا ليس مفاجئاً وليس جديداً، وبهذا المفهوم فإن الجياد فرت من الإسطبل منذ زمن.

ثانياً: على عكس إيران التي هي عدو “إسرائيل”، وتشكل خطراً عالمياً، ستكون السعودية في وضع سلام مع “إسرائيل”، وفي الحالة السعودية وبشكل مشابه للقلق الذي يوجد في “إسرائيل” حيال كل دولة وقعنا معها على اتفاقات سلام (مصر والأردن)، تظهر المخاوف من استقرار النظام، وهذا هو دوماً خطر في الشرق الأوسط، لكن إعطاء وزن مبالغ فيه لهذه الإمكانية من شأنه أن يؤدي إلى فقدان كل مبادرة سياسية، وبالرغم من الخطر، يجدر بنا أن نتذكر حصانة الممالك في عصر الهزة العربية (الربيع العربي).

في الوقت الذي أسقطت فيه أنظمة عربية لدول قومية ذات أيديولوجيا سياسية بسرعة، فإن الممالك القائمة على أساس الدين والتقاليد بقيت مستقرة، هذا بالطبع لا يوفر توقعاً للمستقبل، لكنه جزء من منظومة الاعتبارات اللازمة عند النظر في المسألة.

ثالثاً: السعودية مصممة على تحقيق توازن استراتيجي مع إيران، من ناحيتها فإن الإذن الأمريكي للتخصيب على الأراضي الإيرانية يستوجب وجود منشأة مشابهة على الأراضي السعودية، والقلق هو أن تفعل هذا من خلال شراء “مصنع تخصيب” صيني أو روسي.

هذا قلق مبرر، وسيناريو محتمل (رغم أن احتمالية تحققه متوسطة) كون السعودية موقعة على ميثاق منع انتشار السلاح النووي، فهي تستحق مشروعاً نووياً مدنياً مراقباً، وإذا ما ألزمها الأمر التوقيع على البروتوكول الإضافي (الذي يسمح برقابة أكثر تشدداً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية) فهي ستوقع عليه.

إن رفضاً أمريكياً للموافقة على هذا كفيل بأن يؤدي إلى نتيجة يقام فيها مصنع تخصيب صيني في السعودية وبذلك لن نحقق رقابة أمريكية، بل وسنزيد النفوذ الصيني على السعودية

بسبب هذه الإمكانية وكرد على الخطر الكامن فيها، كتب مؤخراً عدد كبير من الخبراء الأمريكيين كتاباً مفتوحاً للرئيس “جو بايدن” قالوا فيه بأن لدى الولايات المتحدة أدوات إضافية بأن تمنع الصين من بيع مصنع التخصيب للسعودية.

إذا كان المقصود هو تأثير الولايات المتحدة بواسطة عقوبات اقتصادية أو عزلة سياسية، جدير الفحص بشكل نقدي لغياب قدرة واشنطن على فرض السلوك المرغوب فيه على لاعبين مارقين كثيرين في العالم، فهل ستتخلى واشنطن عن السعودية بسبب مشتريات قانونية تحت الرقابة؟ هذا الأمر مشكوك فيه جداً.

الاستنتاج: “المصلحة الإسرائيلية” هي منع السعودية وباقي دول الشرق الأوسط من الحصول سلاح نووي، مصنع التخصيب بحد ذاته ليس تهديداً، لكن تحوله المحتمل لمشروع نووي هو التهديد الخطير الذي يجب منعه.

وعند فحص إمكانية منع الولايات المتحدة لتحقق مثل هذا التهديد، نجد أن هناك الكثير من الأدوات الناجعة، وبينها تأجير الأرض التي تقع عليها المنشأة إلى الولايات المتحدة (مثل سفارة أمريكية أو قاعدة أمريكية، هذه الأرض سيادية أمريكية بكل معنى الكلمة)؛ تفعيل المنشأة من عمال مقاولين يخضعون للرقابة الأمريكية؛ إقامة المنشأة فوق سطح الأرض بحيث إذا ما تم تحويلها يمكن تدميرها من الجو بشكل سهل؛ وأن يتم وضع منظومة ذكاء اصطناعي تراقب منظومات الحوسبة في المنشأة والتي ستلاحظ في كل حال أي خروج عن المعتاد وتعطل المنشأة فوراً دون قدرة تدخل سعودية.

بعد كل شيء، يحتمل أن تكون الأمور خرجت عن السيطرة

الشرق الأوسط من شأنه أن يصل إلى وضع سباق تسلح نووي، إيران هي دولة على حافة النووي، وإذا ما تحولت إلى نووية فإنها لن تكون الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك مثل هذه القدرة، في مثل هذه الحالة يجب النظر بجدية في “حلف دفاع إسرائيلي – أمريكي”، حلف كهذا يشكل عامل ردع حيال إيران.

الفيل في الغرفة

إن إقامة منشأة تخصيب اليورانيوم على الأرض السعودية هي بالفعل مخاطر محتملة لكن الحديث لا يدور عن موضوع مبدئي، بل عن مسألة متعلقة بالسياق، وبالتالي يطرح السؤال – ما هو المقابل له؟

إذا كان التطبيع مع السعودية سيتطور إلى اتفاق تطبيع كامل، ويتضمن عنصراً فلسطينياً عملياً، ملموساً وقابلاً للتنفيذ – بمعنى عنصر يعيد الأمل في مستقبل آخر للسكان الفلسطينيين – فهذه مخاطرة جديرة، يجدر الذكر، مثلما ثبت في عدد كبير من البحوث في معهد أبحاث الأمن القومي، وضع اقتصادي جيد لا يمنع الهجمات والمقاومة، لكن اليأس، وانعدام الأمل في المستقبل، يشكلان عنصراً مشجعاً يوسع دائرة المقاومة الفلسطينية.

إذا ما أوقف العنصر أو المكون الفلسطيني في الاتفاق تدهور “إسرائيل” إلى واقع “دولة كل مواطنيها” (دولة واحدة يكون فيها لكل مقيم حقوق المواطنة وبالتالي فإنها إما ليست ديمقراطية أو ليست يهودية)، فستكون هذه مخاطر محسوبة.

المصدر: “إسرائيل اليوم”/ “تمير هايمن”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى