اللواء ابراهيم في حديث شامل لـ«الديار» عن غزة والنفط والاسرى والتعيينات العسكرية: غزة لن تُهزم ونتنياهو لن يستطيع الصمود والمطلوب وقف فوري للنار الرئاسة ليست قريبة والامن ممسوك وليس صحيحاً عدم وجود نفط في البلوك «9»… انا مع تعيين قائد للجيش ورئيس للاركان
كثيرون قالوا ان دور اللواء عباس ابراهيم بعد انتهاء ولايته كمدير عام للامن العام انتهى فاذا به يتجلى في دور اكبر بكثير من دوره السابق، فهل اصبح سفيرا فوق العادة، ام انه المفاوض الاول باسم لبنان في الملفات الدولية والعربية والاقليمية، ام انه مشروع وزير دولة للشوؤن الخارجية في اي حكومة قادمة؟
الحديث مع اللواء يعطيك انطباعا انه كاتم اسرار هام جدا، ولا يبوح بها، لكنه لا يبخل على السائل بتفاصيل دقيقة دون الكشف عن المزيد منها. هو رجل دولة من الطراز الاول. هذا هو انطباعي عن الحوار مع اللواء عباس ابراهيم، وارى انه سيؤدي دورا كبيرا في اي حكومة قادمة، خاصة على مستوى التفاوض على كل المستويات الخطيرة والكبيرة.
اجرى الحوار رئيس التحرير العام شارل ايوب
بمشاركة الزملاء رضوان الذيب ودوللي بشعلاني
اللواء عباس ابراهيم «مالئ الدنيا وشاغل الناس» احتل مكانة في قلوب كل اللبنانيين على مختلف طوائفهم ومشاربهم، ونادرا ما يجمع اللبنانيون على شخصية كما اجمعوا على شخصية اللواء ابراهيم، الذي شكل لهم عامل اطمئان وثقة.
شكل عباس ابراهيم حالة نادرة في العمل المؤسساتي، فعباس ابراهيم صاحب المبادرات الانسانية، لا يتعب ولا يرف له جفن حتى انجاز كل الملفات التي تولاها مهما كانت الصعاب، عطل الالغام من اجل اطلاق راهبات معلولا وغيرهن من المخطوفين.
فاوض عباس ابراهيم في كل الملفات من الند الى الند، الاميركيين والروس والاوروبيين والعرب من اجل مصلحة لبنان، فنال احترام الجميع وودهم، ولم يساوم في قضية واحدة على حقوق بلده .
اطلق في حديثه للديار سلسلة من المواقف الجريئة عن فلسطين وحتمية انتصار حماس والاسرى والنفط ورئاسة الجمهورية والتعيينات العسكرية بكل شفافية ووضوح.
استهلّ اللواء ابراهيم حديثه بالتأكيد على أنّ «إسرائيل» تعيش أسوأ أيامها، وهي تقاتل بعضلات الغرب، وفكرة «الردع الإسرائيلي» و «الجيش الذي لا يُقهر» كلّها سقطت، وما كُسر قد كُسر. و«إسرائيل» قبل 7 تشرين لم تعد كما بعده، ولن تعود كما كانت.
من خلال مقابلاتكم التلفزيونية ركّزتم على رئيس وزراء العدو نتنياهو بأنّه يقود «الكيان الإسرائيلي»، فهل أنتم ضد نتنياهو أم ضد دولة «إسرائيل» وكلّ سياساتها؟
– انا ضد «إسرائيل» ولست ضد نتنياهو فقط. ولكن في النهاية، وبعد الحرب هناك مسؤوليات ستُحدّد، محاكمات وتحقيقات ستطال رئيس وزراء العدو، وأنا منذ الآن أحمّل المسؤولية لنتنياهو، ولهذا يسعى اليوم من خلال أدائه الى أمر واحد، حماية نفسه. ولكن السؤال هنا: كيف سيحمي نفسه، وهو أمام لحظة تاريخية لن تتكرّر؟ مع كلّ هذا الدعم «لإسرائيل» ووجود الاساطيل ، ونتنياهو أمام خيارين: إذا انتهت الحرب سيذهب الى لجنة التحقيق، وإمّا سيستفيد من هذه الاساطيل، ويُخلّص نفسه بالحرب للقضاء على حركات المقاومة، وإظهار نفسه على أنّه بطل قومي، وبالتالي أصبح أسير مشروعه الشخصي وليس أي مشروع آخر. ولهذا أنا ضدّ نتنياهو.
لديكم علاقات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، هل تعتقدون أن قرار الحرب والمجيء بأساطيل ضمن محور أميركي- صهيوني مشترك، وواشنطن تقود العمليات أكثر من العدو الإسرائيلي؟
– أنا أعتبر أنّ «إسرائيل» ليست بدولة، هي وظيفة، هي موقع متقدّم للغرب للقيام بوظيفة تجاه هذا الغرب. «إسرائيل» ليست دولة ولم تكن يوماً دولة ولن تكون. ولو انها دولة لكانت فكّرت بمنطق آخر. والهامش المغطى لها كوظيفة هو الذي يجرّ الى حروب وحروب، ولو كانت دولة بعد ما حصل في 7 تشرين لكانت فكّرت بمنطق الدولة. وهي كل ما تفعله الآن لاستعادة الردع واستعادة صورة «الجيش الذي لا يُقهر». ولأنّ «إسرائيل» وظيفة، فإنّ الذين وظّفوها هذه الوظيفة جاؤوا ليُدافعوا عن مصالحها كما يعتقدون، وهم مخطئون لأنّهم يدافعون عن مصالحهم بإعادة تنشيط وظيفة هذا الكيان، واستمرار وجوده قادر على أداء هذه الوظيفة. لكن «اسرائيل» لم تعد قادرة على القيام بوظيفتها التي أوجدها الغرب لها. انتهى هذا العصر. إنّ مصلحة الدول التي تدعم «إسرائيل» أن تجد مصالحها في الدول الأخرى في المنطقة حيث هي مصالحها. «إسرائيل» فقدت قدرتها على القيام بهذه الوظيفة بالمعنى الغربي لها.
تحدّثتم عن نظرية مهمة، أن «إسرائيل» عاشت أجيالاً طوال 75 سنة، باستقدام 8 ملايين يهودي الى فلسطين المحتلّة، وطرحتم مشروعاً جذرياً للحل لكيلا نعيش 75 سنة أخرى بأن يكون هناك دولة يعيش فيها المسيحيون والمسلمون واليهود معاً؟ ألا تعتقدون أن مشروعكم هذا هو خارج إطار الدولة اللبنانية، وخصوصاً انك مرشّح لأن تؤدي دوراً وزارياً مستقبلاً؟
– انا عندما أعود الى أي موقع رسمي سأعمل تحت سقف الدولة اللبنانية وهذا أمر أكيد، لكن هذا لا يلغي قناعاتي. ولكن اليوم لست في أي موقع، وأستطيع أن أدلي برأيي وبقناعاتي بكلّ حرية. أنا عندما أطرح ذاك، فلأنني أريد عودة فلسطين القديمة، قبل الإتيان بهذا الكمّ الهائل من اليهود الى فلسطين التي كانت قائمة، وفيها يهود وإسلام ومسيحيون، وكنا في كلّ المنطقة نعيش في وئام وسلام من دون أي مشاكل. لماذا سيكون هناك دولة يهودية، ستجلب دولة سنية، ودولة شيعية ودرزية والخ.. وعندها الصراع لن ينتهي. ونذهب عندئذ الى تحقيق نظرية صموئيل هاملتون عن «صراع الحضارات». لبنان هو نموذج عن «حوار الحضارات»، وأنا متمسّك بهذا النموذج لدرجة أنّني أحاول أن أعمل إسقاطاً على كلّ دولة، لكي تعيش كما يعيش لبنان وأن يكون لبنان نموذجاً لها.
وكشف اللواء ابراهيم لجريدة «الديار» انه ارسل اقتراحه بشأن حل الدولة في فلسطين المحتلة الى الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش مع عدم تطبيق حل الدولتين المطروح منذ عقود.
واستطرد: «عندما أكون جزءاً من هذه السلطة بشكل رسمي، أكون تحت سقف السلطة، وطوال عملي في الجيش والأمن العام وكلّ المراكز التي تولّيتها كنت تحت سقف السلطة. أمّا الآن فأشعر أنّه لدي هامش من الحرية وأتحدّث بقناعاتي».
من أنت؟
سئل: اللواء إبراهيم من أنت؟
– خدمت 40 عاماً في السلكين العسكري والأمني ودقّت ساعة التقاعد. فوجدت أنّ اكمل ما قمت به وراكمته من خبرة خلفي، وعلاقاتي أستطيع استثمارها لمصلحة وطني المنكوب على كلّ المستويات. وقد أنجح أو أفشل، ولكني مصرّ على خوض هذا العمل العام. هذا أنا بكلّ صراحة.
العالم العربي محاط بثلاث دول سنيّة بغالبيتها هي مصر وتركيا والسعودية، لماذا تجاهلت دولتين عربيتين مهمّتين وتركيا ولم تقم يأي اتصالات معها؟
– عادة لا أعلن عن اتصالاتي. هذه الدول التي ذكرتها بغالبيتها السنية، أقوم بالاتصال بها، ولست مضطراً للإعلان عن ذلك. ما أسأل عنه، أعلنه، في حدود القدرة على التصريح. أنا على تواصل مع هذه الدول، وعندما أتواصل مع أي قناة رسمية فيها، يعني أنّي أتواصل مع الدولة فيها، وتحديداً مع مصر. كما أنني على تواصل مع السعودية، وليس من مواضيع محدّدة، فأي موضوع على الطاولة العربية، يمكن أن أتواصل بشأنه، مثلاً أي محتجز في السعودية تتمّ مراجعتي به من قبل ذويه. أقوم بالتواصل من أجله. كذلك مع تركيا، فإنّ وزير خارجيتها الحالي، صديقي الشخصي وقد عملنا معاً على مدى 12 سنة في المجال الأمني نفسه. فأنا على تواصل مع الجميع حيث تقضي الحاجة.
ما هو السيناريو المتوقّع لغزّة ، ومن سيديرها بعد الحرب؟
– بعد العام 2006 حتى الآن، العبارة المستعملة حسب المصطلحات الدولية ليست وقفاً دائماً لإطلاق النار، بل «وقف الأعمال القتالية أو العدائية». من الممكن أن يحصل في غزّة، الأمر نفسه. هناك سابقة في الأمم المتحدة. لهذا فمن الممكن صدور قرار أممي ينص على «وقف الأعمال الحربية». ولا تستخدم الولايات المتحدة عندئذ «الفيتو» لأنّه عند الوصول الى هذا القرار يكون قد حصل الاتفاق.
ماذا تتوقع من القمّة العربية السبت (اليوم)؟
– أتمنى أن تكون اللهجة عالية والموقف حاسما. وألّا يكون هناك تراخ في القرار. فالموقف الحاسم من هذه القمم يمكن أن يغير مواقف الدول.
«معرفتي بهوكشتاين»
لديك علاقات مع مسؤولين أميركيين، وبينهم كبير المستشارين آموس هوكشتاين، هل وصلت معه الى قناعات مشتركة، أم طرح كلّ منكما وجهة نظره من دون الوصول الى قواسم مشتركة؟
– تعرّفت الى هوكشتاين في مسألة ترسيم الحدود البحرية، وقد انتهى هذا الملف كما تريد السلطة السياسية في حينه، وقد انتهى بنجاح. بعد ذلك، لم يعد هناك تواصل الى أن حصل ما حصل في غزّة. ففي اليوم الثاني للحرب تواصل معي تحت شعار «تخفيف أو تحييد هذه الحرب عن لبنان» بالقدر الذي أستطيعه. هذا هو العنوان. بالطبع ليس هناك من تطابق بل هناك تناقض. وأنا قلت بكلّ صراحة وأبلغت من يجب أن أبلغه وأسمعه رأيي، أنني ضد الموقف الأميركي بالمطلق، لجهة عدم إجبار إسرائيل على القبول بوقف إطلاق النار. هذا الموضوع خارج كلّ الأطر وكلّ المعايير والقيم الأميركية المعلنة. أقول رأيي في كلّ الاجتماعات وليس متطابقاً معه إلّا في مسألة واحدة، وهي «ضرورة إبعاد احتمال قيام حرب». ولكنني أتناقض معهم حول موضوع أنّ لبنان معني في الدفاع عن نفسه، يعني إذا شُنّ هجوم ما على لبنان فأنا خلف المقاومة وخلف الجيش. لكن إذا استطعنا الحفاظ على المصالح الفلسطينية وتحييد لبنان عن حرب كبرى، فأنا مع هذا الأمر.
هل طرح هوكشتاين مقايضة ما خلال زيارته الأخيرة، مثل الطلب بالضغط على «حزب الله» لعدم التصعيد، مقابل تسهيل وصول سليمان فرنجية الى قصر بعبدا أو إعادة النازحين السوريين الى بلادهم؟
– أبداً، ليس هناك من مقايضة، ولم يدخل هوكشتاين ببازار.
النفط والغاز
هل أثار هوكشتاين معك ملف النفط، وهل تعتقد أن لا غاز في البلوك 9، كما قيل، أم أنه قرار سياسي من قبل واشنطن التي ضغطت على «توتال»؟
– لا لم يتحدّث عن هذا الموضوع. ليس صحيحاً عدم وجود نفط في البلوك 9. هناك دراسة للتربة أرسلت الى الخارج، ولم تصدر النتيجة بعد حتى يقال «هناك غاز أو ليس هناك غاز. كما اننا حتى الآن لم نصل الى العمق المتفق عليه. لا نزال نحتاج الى الحفر على عمق 500 متر إضافية لتحديد وجود غاز أو عدمه. و «توتال» غير حازمة في موضوع عدم وجود غاز حتى الآن.
وزير خارجية أميركي أنتوني بلينكن صرّح بأنّه مع حلّ الدولتين، ويجب التوصّل الى هدنة إنسانية في غزّة، ولا يجب إسرائيل أن تحتل غزّة، كذلك لا يمكن لحركة «حماس» السيطرة على غزّة. هل تعتقد أنّ هناك تغييراً أميركياً في اللهجة أم في العمق؟
– من يريد تغييراً في العمق، عليه أن يُعلن «وقف إطلاق النار فوراً». وما دام لا يتحدّثون عن وقف لإطلاق النار، في ظلّ هذه المجازر والجرائم التي ترتكب ضد سكّان غزّة من أطفال ونساء، يعني أنّه ليس هناك تغيير جوهري إنما تغيّر تكتي، وهذا التغيّر أميركا ودول الغرب لها مصلحة فيه الى حدّ ما. إنّ الهدنة الإنسانية، ما المطلوب منها؟ أن يحصل إطلاق الأسرى من حاملي الجنسيات المزدوجة، الإسرائيلية- الغربية، وبالتالي فهي مصلحة أميركية غربية الخ.. أنا لا أقول إنني ضد هذه الهدنة الإنسانية وضدّ هذا الهدف. ولكن هذه الهدنة تختزل هذه المصلحة، ومصلحتنا وقف إطلاق النار فوراً. وما دام هناك تعارض في المصالح، لست معها ولا أويّدها.
نتنياهو لن يستطيع الصمود
أكّدت أخيراً في حديث لك على حصول هدنة إنسانية، في حين أن رئيس وزراء العدو أعلن رفضه لها قبل الإفراج عن جميع الأسرى. الى ماذا استندت في حديثك هذا عن الهدن الإنسانية المؤقتة؟
– إستندت الى الموقف الأميركي في هذا الموضوع، والموقف الغربي الذي يقف خلفه، وقبول حركة «حماس» التي هي عنصر أساسي في هذه الهدنة. وأؤكّد أن نتنياهو لن يستطيع الصمود على موقفه لوقت طويل.
عندما تتحدّث عن هدنة إنسانية للإفراج عن الأسرى المزدوجي الجنسية، هل يمكن الإفصاح لنا عن عددهم؟ ومقابل ماذا؟
– أعتقد أنّ العدد لا يملكه أحد في العالم، لأنّه ليس جميع الأسرى لدى طرف واحد. قد يكون هناك أسرى عند عائلات فلسطينية. وهذا الموضوع تلزمه هدنة إنسانية ليتمّ ضبطه وتقديم عدد الأسرى. وهذا الموضوع يحتاج الى هدنة إنسانية لوضع آلية تبادل أو الإفراج عن هؤلاء في حال جرت تلبية شروط حركة «حماس». فليس فقط العدو الإسرائيلي يضع شروطاً لأنّه ليس في موقع المنتصر. «حماس» صامدة وموجودة لها الكلمة العليا في غزّة، ولديها شروطها للوصول الى هذه الهدنة. وما يقوله نتنياهو للإيحاء برفض شروط «حماس» هو كلام في التفاوض وليس له علاقة بالواقع.
يقول الأميركيون ان لا مكان لحركة «حماس» في الحلّ بعد انتهاء الحرب، ما هو رأيك؟
– الشكل الذي تنتهي اليه الحرب سيُحدّد من في الداخل ومن في الخارج. الأميركيون يستندون الى ما قاله نتنياهو عن القضاء على «حماس». هل هذه الفكرة قابلة للتحقيق؟ برأيي مستحيلة. فقد سبق وقلت ان من يحكم غزّة ويُقرّر مصيرها هو الشعب الفلسطيني، لا أميركا ولا اسرائيل. فماذا يريد الفلسطينيون في النهاية سيقرّرونه في صناديق الاقتراع. فهل «حماس» بعد الحرب ستُصبح قوية أم ضعيفة؟ تجاربنا تقول بعد حرب العام 2006، أصبح حزب الله أقوى على كلّ المستويات. أتوقّع أن تؤول النتيجة في غزّة الى نفس ما حصل في لبنان.
الوضع الميداني جيد جداً
وكشف اللواء إبراهيم عن أنّ الوضع الميداني في غزّة جيّد جداً، وأنّ الإسرائيليين وصلوا الى الداخل لكنهم لا يستطيعون البقاء في البقعة التي وصلوا اليها. هناك كرّ وفر. في البداية دخلوا 4 كلم ثمّ عادوا وتراجعوا الى كيلومتر من جهة البحر السهلة نسبياً.
قمت بزيارة الى روما واجتمعت بمسؤولين أمنيين، ما هو دور إيطاليا مخابراتياً وديبلوماسياً وهل لها حجم وقوة أوروبية مهمّة؟
– أجاب اللواء ابراهيم: أي دولة أوروبية لها حجم، واي دولة أوروبية تستطيع عرقلة أي بيان يصدر عن الاتحاد الأوروبي وأي قرار. كانت زيارتي الى إيطاليا في إطار تبادل الآراء حول ما يجري في فلسطين. وكانت زيارة ناجحة وأتابعها، وأمس كان لدّي اتصال متابعة لها. وثمة أمور تحصل تصبّ في النهاية في الإطار الإنساني لمعالجة بعض القضايا.
ماذا عن زيارتك الأخيرة الى قطر واجتماعك باسماعيل هنية؟
– زرت الدوحة والتقيت هنيّة والأركان الموجودين معه، وكان الهدف من زيارتي أمور إنسانية أيضاً، أكثر منها سياسية. ولا علاقة لها بتبادل الأسرى بل أتت استكمالاً لزيارات سابقة قمت بها، ولأضعه في الأجواء وأعلم ما هو قراره، والى أين تتجه الأمور.
تبادل الاسرى
وعن موضوع تبادل الأسرى، قال: «ثمّة فلسطينيون يحملون جنسيات أخرى عالقين في غزّة، تمّ التواصل معي من قبل محاميهم. وهذه العائلات تحمل الجنسيات الفلسطينية- الأميركية، وجرى الاتصال بي لأنّها تعلم أنني قادر على التواصل مع الجميع. كانت العملية متوقفة نتيجة التعنت الإسرائيلي وعدم السماح بإخراجهم من قبل الضغط على حركة «حماس» وغيرها. فسألت «حماس» عن العوائق، ولماذا لا يتمّ إخراج هؤلاء، فردّوا أنّهم يطالبون في المقابل خروج جرحى مدنيين الى مصر إذا لم يعد هناك قدرة لعلاجهم في المستشفيات في غزّة. العدو الإسرائيلي رفض خروج الجرحى، فقمت باتصالاتي اللازمة وتحديداً مع الأميركيين وقلت لهم: «هؤلاء جزء من ناسكم». فاتصل بي المحاور، وصرّح للإعلام بأنّ هناك «أميركيين بزيت، وأميركيين بسمنة». فاستثمرت هذا الكلام، وفي اليوم التالي ردّ الأميركيون عليّ بعبارة واحدة «تمّ الاتفاق».
هل هناك بين الجرحى عسكريون أو قادة لحركة «حماس»؟
– أجاب إبراهيم: كان هناك تأكيد على أنّهم مدنيون. فليس من جريح خرج الّا وخضع للتدقيق في هويته من كلّ أجهزة المخابرات، وليس هناك من غشّ في هذا المجال. وقد أكّدت لهم أنه ليس من عسكريين بين هؤلاء الجرحى، وهو ما أكّدته لي حركة «حماس».
بالأمس قال أسامة حمدان انّ التفاوض بشأن الأسرى يتمّ بشكل غير مباشر بين الإسرائيليين و»حماس»، مع احترامنا ومحبتنا للواء إبراهيم؟
– اتصل بي حمدان بعد مقابلتي التلفزيونية، وأثنى على مواقفي. وقال «نحن غير معنيين بالأميركيين، وغير معنيين بآموس بل معنيون فقط باللواء إبراهيم، ولا نريد الحديث عمّا يقوله اللواء إبراهيم. وأريد التأكيد على أنني لست مكلّفاً من أحد في موضوع تبادل الأسرى. وكشف أنّ مصدراً في «حماس» قال إنّ إبراهيم غير مكلّف في موضوع الاسرى ومعه حقّ. ولست ضدّ، ولكن الأمور استُغلت واستُثمرت للتصويب عليّ. وأنا لست مكلّفاً ولا أريد أن أتكلّف. أنا أتكلّف من الدولة اللبنانية إذا ما كنت أريد تكليفا من أحد.
«لبناني وليس إبراهيم»
عندما كنت مديراً للأمن العام بات حجمك ودورك كبيراً جدّاً، ممّا أزعج بعض الأطراف، وإذا ما رغبت في أن تكون وزيراً فإنّك ترغب بوزير الخارجية. وهناك 4 وزارات سيادية مقسّمة على الطوائف الأربع الأساسية. وثمّة من يطرح أن تتولّى وزارة الدولة لشؤون الخارجية، وعلى ما سمعت فإنّ دورك في الطائفة الشيعية أزعج رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. وكان عرض عليك «حزب الله» أن يستقيل أحد نوّابه وتتولّى النيابة مكانه ورفضت. هل في حال توليت وزارة الشؤون الخارجية ستكون مصدر إزعاج أكثر فأكثر للرئيس برّي وللواء جميل السيّد؟ فهل شعرت بالانزعاج من الأطراف الشيعية؟
– أبداً، لست منزعجاً من أحد، ولست منزعجاً من أي شخص على امتداد الأراضي اللبنانية من كلّ الطوائف. كل شخص له رأيه، ولا أعرف حقيقة الآراء لأنني لست مطّلعاً عليها. لست منزعجاً من أحد، وإذا كان أحد منزعجا مني، على الكبير أن يستوعب الصغير. وإذا ما أصبحت في أي موقع في الدولة، و «ان شاء لله أرجع ملازم الى الدولة»، سأتقيّد بالقوانين، فلم أكن يوماً متمرّداً على القوانين العسكرية والأمنية، ودائماً تحت سقف القانون ولم أتحدّث مرّة إلّا بما يقوله القانون. سأستمر في هذه المسيرة لكنني الآن خارج القفص الذهبي الوظيفي، وأقول ما اقتنع به.
وأضاف ممازحاً: «أنا جار الرئيس برّي، وهو جار الود. وطوال عمري أنا على وئام معه. وكان بإمكان برّي أن يقوم بـ «فيتو» كبير عليّ، عندما كانت الدولة في صدد تعييني في بعض المراكز، لكنه لم يفعل لأنّه مؤمن بقدرتي على النجاح. ولكن عليك أن تعرف ماذا يقال للرئيس برّي.
وتابع: «هناك أشخاص كثر في الإدارة الأميركية ملتزمون بقراراتها، وعندما يتقاعدون يطرحون أفكارهم وقناعاتهم المختلفة. كلّ شخص انتماؤه الى دولة لها سقف قانون. وهذه الدولة ترى مصالحها بهذه القوانين، يحتّم عليه الالتزام بهذه القوانين، وإلّا فلا يدخل اليها. والغاية من دخول الدولة خدمة الناس، وخدمة قناعاته الى حدّ ما. من هنا، فإنّ وجودي في الدولة السابقة لا يمنع الإدلاء برأيي بحسب قناعاتي ما دمت خارجها.
لتعيين قائد للجيش والرئاسة ليست قريبة
هل رئاسة الجمهورية باتت قريبة؟
– لا أجدها قريبة، وأتمنى أن تكون غداً، لكن الظروف لا تدلّ على ذلك.
ما هي العوائق؟
– المواضيع الكبرى في المنطقة شغلت اهتمام وانتباه العالم، ولم يعد لبنان أساسياً على طاولة الغرب.
أشعر أنّه كان باستطاعة الرئيس يرّي التمديد لك، وقد قال السيد حسن نصرالله «خسرنا موقعاً شيعياً، وهذا الأمر انطبق على حاكم مصرف لبنان وعلى قيادة الدرك. ويقال ان عدم التمديد سينطبق على قيادة الجيش في غياب رئيس الجمهورية، ألا تقلق من أن تفقد الطائفة المسيحية أو المارونية هذا الدور في لبنان؟ وما الحلّ لهذا الموضوع؟
– إذا لم يُمدّد لقائد الجيش، يجب أن يتمّ تعيين قائد للجيش ولو من قبل هذه الحكومة. لا نستطيع أن نفرض على الرئيس المقبل قائداً للجيش، لكن نستطيع أن نعيّن قائداً للجيش يخدم لمدة سنتين ومن الآن حتى ننتحب الرئيس ونشكّل الحكومة يكون قد شارف على انتهاء قانونية بقائه. وعندئذ يعين رئيس الجمهورية المقبل قائداً للجيش، وليس من الضروري أن نُعيّن قائداً للجيش لمدة 10 سنوات. وأنا أطرح فكرة. وما المانع من توقيع 24 وزيراً على تعيين قائد الجيش؟
لماذا لا يحصل تعيين من ينوب عن قائد الجيش كما حصل في الأمن العام وحاكمية مصرف لبنان؟ وكان أداؤهما جيّداً؟ افليس من أحد أداؤه جيدا؟
– كلّ الضبّاط فيهم خير وبركة. في قانون الجيش لا شيء اسمه «الذي يليه». القانون يقول رئيس الأركان. أمّا تعيين «الذي يليه رتبة»، فله علاقة بالسياسة، وليس بالقانون. ثمّة حلّ وهو تعيين رئيس الأركان، ولكننا نتحدّث عن البعد الطائفي للموضوع. ولهذا فأنا مع تعيين قائد للجيش ورئيس أركان. فهذا أمر ممكن. وأنا مع تعيين رئيس أركان قبل قائد الجيش.
كيف يمكن أن تُجيّر الإنجازات التي تقوم بها ولها امتدادات على مدار الوطن في ظلّ دولة شبه مشلولة، وحكومة تصريف أعمال، ومجلس نيابي شبه مشلول.
– بالأمس، وأثناء مغادرتي تلقيت اتصالاً من أحد كبار المسؤولين في روما، أبلغني فيه عن مقال مذيّل بصورة لي، نشرته جريدة «الريبوبليكا» الإيطالية على صفحتها الأولى تحت عنوان «لبناني يقوم بوساطة إنسانية». هذا يكفيني فخراً بأن يقولوا «لبناني»، وليس عبّاس إبراهيم، وعندما يقرأ العالم هذا المقال يعرف أنّ هذا هو دور لبنان.
منذ أشهر تركت الأمن العام، وكان لديك كمّ كبير من المعلومات عن الشبكات والإرهابيين. حالياً كيف تقوم بالتعويض عن حصولك على المعلومات عن الوضع الداخلي؟ وكيف تحمي نفسك؟
– عندما يكون المرء في الوظيفة، يحاط بنوعين من البشر: إمّا أصحاب مصالح، وإمّا أصدقاء. وأصحاب المصالح والأصدقاء منتشرون على كلّ الأراضي اللبنانية وفي كل المؤسسات من دون استثناء. بالنسبة لي، بقي لي الأصدقاء، وهم أكثر من أصحاب المصالح، وما زلنا نلتقي دائماً ونتبادل الآراء والمعلومات. هذا الخزّان نقص طبعاً لكنه قادر على أن يجعلني أحكم على الأمور استناداً الى ما أملك من معلومات.
ما اقوم به يعرضني للخطر
هل تخاف على أمنك وحياتك حالياً؟
– من المؤكّد، أنني ما زلت أحتفظ بالعقل الأمني، وأعتبر ما أقوم به يُعرّضني للخطر. وأعتبر نفسي في دائرة الخطر، ولكن بين أن أمارس قناعاتي وأستمر بالحياة من دون قناعاتي، فسأختار قناعاتي مهما كان حجم الخطر.
عن موضوع النزوح السوري، قال: «نحن اليوم نعيش مرحلة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». وملف النزوح قد تراجع الى المرتبة الثانية على مستوى لبنان. لا بدّ للدول الغربية أن تُفرج عن هذا الملف، ويكون عنوان هذا الإفراج «السماح لعودة النازحين السوريين من كلّ العالم الى بلادهم. المجتمع الدولي يضع شروطاً على عودة النازحين وإعادة الاعمار قبل الحلّ السياسي في سوريا. الآن هناك خلط للأوراق في المنطقة في ضوء ما يجري في غزّة، ولا أعلم ما الذي سينتج منه في السياسة. وربما يؤدّي الى تغيير الواقع الذي نتعاطى معه في هذا الملف.
أخيراً هل تتخوّف على الوضع الأمني في لبنان؟
– لا. أعتقد أن الوضع الأمني مضبوط الى حدّ كبير. والجيش والأجهزة يقومون بدورهم على أكمل وجه وليس هناك من سبب سياسي بارز لتوتير الوضع، وليس هناك من نافذة في السياسة قد تصل الى الخلل الأمني. ورغم الوضع السياسي السيىء ليس هناك تشنجات بين القوى السياسية. وفي النهاية الأمن في لبنان سياسي.
أمّا عن خطاب الأمين العام للسيد حسن نصرالله، فقال اللواء إبراهيم: «قد يكون خطابه مطمئناً. فكلّ شخص يفسّره على ما يحلو له، على ما حصل في خطابه الأول الجمعة الماضي.