مصوّرو «الطوفان» على رأس الأهداف الإسرائيليّة
المصدر : علي عواد – الأخبار |
كما في كلّ حفلة جنون إسرائيلية جديدة، يقع إسكات الصحافيين على رأس الأولويات الصهيونية مهما كلّف الأمر. هكذا، شارف عدد الشهداء من أهل الإعلام العاملين في غزّة الذين استُهدفوا عمداً لإسكاتهم ومنعهم من نقل الحقيقة على الاقتراب من حاجز الـ 50 شخصاً. هذا من دون احتساب الهجوم الصاروخي على الصحافيين في جنوب لبنان في 13 تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، ما أدّى إلى استشهاد المصوّر الصحافي عصام عبد الله وجرح خمسة من زملائه من مؤسسات مختلفة.
في أعقاب «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، نشرت مجموعة مراقبة وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل Honest Reporting تقريراً تساءلت فيه عن سبب توثيق ستة مصوّرين صحافيين مقيمين في غزة لعملية توغّل «حماس» في وقت باكر. ألمح التقرير إلى أنّ هؤلاء ربّما كانوا على علم مسبق بما سيجري، ما شكّل مادة استندت إليها الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي لاتهام مصوّرين لدى عدد من المؤسسات الإخبارية الكبرى بـ «التواطؤ» في مسألة «قتل واختطاف جنود ومدنيين إسرائيليين على يد مقاتلي حماس». وقالت «إدارة الديبلوماسية العامة» في مكتب رئيس الوزراء في بيان: «هؤلاء الصحافيون كانوا شركاء في جرائم ضد الإنسانية، أفعالهم كانت مخالفة لأخلاقيات المهنة».
ومع إمعان قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهدافه المباشر للعاملين في مجال الإعلام، من غزة إلى جنوب لبنان، دافع مدير Honest Reporting التنفيذي، جيل هوفمان، عن ادعاءات المجموعة التي دائماً ما اتهمت وسائل إعلامية عدّة بالتحيّز ضدّ إسرائيل في تغطيتها للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قائلاً إنّها مجرد «إثارة لتساؤلات، وليست اتهامات نهائية».
تقرير Honest Reporting الأخير كانت له عواقب وخيمة في الحرب الإسرائيلية المستمرّة في غزة. حتى إنّ اثنين من السياسيين الإسرائيليين (داني دانون وبيني غانتس) اقترحا قتل الصحافيين المذكورين فيه. لكن في المقابل، أصدرت مؤسسات إخبارية دولية كبرى، بما في ذلك «سي أن أن» و«نيويورك تايمز» ووكالتي «أسوشييتد برس» و«رويترز»، يوم الخميس الماضي، بيانات تنفي فيها أي معرفة مسبقة بالهجوم. فقد رفضت «نيويورك تايمز» تلميحات التقرير، واصفةً هذه المزاعم بأنّها «غير صحيحة وشائنة». وأضافت: «من التهوّر إطلاق هذه الادعاءات، ما يعرّض صحافيينا الموجودين على الأرض في إسرائيل وغزة للخطر، لقد غطينا على نطاق واسع هجمات 7 أكتوبر والحرب بنزاهة وحيادية وفهم ثابت لتعقيدات الصراع».
غير أنّ Honest Reporting التي أصرّت على ما نشرته، ردّت بأنّه «إذا تمكنت «نيويورك تايمز» من الدفاع عن حق المصوّرين الصحافيين في توثيق الفظائع التي وقعت في 7 أكتوبر، فإننا بصفتنا هيئة رقابية على وسائل الإعلام، نتحمل مسؤولية التشكيك في الدور الذي لعبه المصورون في ذلك اليوم».
وأكدت الصحيفة الأميركية التي تضمنت تغطيتها صوراً ليوسف مسعود، أنّ الأخير قدّم صوره الأولى بعد 90 دقيقة من بدء هجوم «حماس». وذكرت «رويترز» التي استخدمت صوراً للصحافيين المستقلين محمد فائق أبو مصطفى وياسر قديح، أنها لم تكن على علاقة سابقة بهما، فيما نشرت صورتها الأولى بعد أكثر من 45 دقيقة من إعلان الاحتلال عن الهجوم. كذلك، شددت نائب الرئيس الأول لوكالة «أسوشييتد برس»، جولي بيس، على ضرورة إعلام العالم بسرعة، وهو ما يتضمن تلقي مكالمات من الصحافيين المستقلين الذين يملكون صوراً ومقاطع فيديو قيّمة ليقدموها.
لكنّ اللافت أنّ «سي أن أن» و«أسوشييتد برس» قرّرتا ومن دون تحديد السبب قطع علاقاتهما مع الصحافي المستقلّ، حسن اصليح، الذي شدّدت Honest Reporting على اسمه وأعادت نشر صورة قديمة تجمعه برئيس المكتب السياسي لـ «حماس» في غزّة يحيى السنوار. وعلى رغم إصرارها على مضمون تقريرها، اعترفت Honest Reporting التي تركّز عملها على «مكافحة التضليل الإعلامي حول إسرائيل والصهيونية»، بافتقارها إلى أدلة ملموسة لدعم اقتراحها.
وفي ضوء هذه المعطيات وتصدّر أهل الإعلام بنك الأهداف الإسرائيلي منذ بداية حرب الإبادة المستمرّة في غزّة ومواظبة الآلة الدعائية الصهيونية على نشر البروباغندا والأخبار الكاذبة الموجّهة بدءاً من الأطفال مقطوعي الرأس لتبرير إبادة أهل غزة، نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، الخميس الماضي، رسالة مفتوحة وقعها أكثر من 750 صحافياً تدين قتل إسرائيل للصحافيين في غزة وتنتقد تغطية وسائل الإعلام الغربية للصراع. وتحمّل الرسالة غرف الأخبار مسؤولية ما تصفه بـ «الخطاب اللاإنساني» الذي يبرر التطهير العرقي للفلسطينيين. الجدير بالذكر أنّ الرسالة تكشف الانقسامات والإحباطات داخل غرف الأخبار، إذ يعتبر بعض الصحافيين التوقيع على الرسالة خطوةً جريئة أو محفوفةً بالمخاطر بسبب الاتهامات المحتملة بالتحيّز. وتدعو الرسالة إلى إعادة الالتزام بالعدالة، وتحثّ الصحافيين على استخدام مصطلحات مثل «الفصل العنصري» و«التطهير العرقي» و«الإبادة الجماعية»، لوصف معاملة «إسرائيل» للفلسطينيين. وتتناول أيضاً استشهاد الصحافيين أثناء الحرب، مع التركيز على الحاجة إلى إدانة واسعة النطاق، والتعبير عن المخاوف بشأن النقص الملحوظ في هذه الاستنكارات من قبل غرف الأخبار الغربية.
وفي سياق متصل، وبعدما تبيّن أن قتل عائلته جرى عمداً، علمت «الأخبار» في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أنّ الاحتلال الإسرائيلي هدّد بقتل مراسل قناة «الجزيرة» القطرية في قطاع غزة وائل الدحدوح. ووفق المعلومات، فإنّه مع رفض الدحدوح التوقّف عن العمل، أبلغ مسؤول أميركي رفيع جداً رئيس الحكومة القطرية، محمد بن عبد الرحمن، بوجوب إبعاده عن الواجهة، وإلّا فسيُقتل مع سحب إسرائيل تراخيص مراسلي «الجزيرة» العاملين في الأراضي المحتلة. وقد وافق القطريون على الطلب الأميركي. وعليه، طلبت إدارة الشبكة الإخبارية من الدحدوح المغادرة إلى جنوبي غزة، حيث سُمح له بالعمل، مع احتمال التضييق عليه أكثر.