إسرائيل تتهيأ لحرب طويلة عنوانها “القضاء على حماس”.. فما مصير غزة في حال سقوط الحركة؟
تخيّم أجواء من القلق والارتياب على منطقة الشرق الأوسط برمتها، في ظل استعداد الجيش الإسرائيلي لاجتياح قطاع غزة ردا على هجوم حماس. ولعل أبرز بواعث التوجّس عدم وجود استراتيجية واضحة لمرحلة ما بعد “القضاء” على الحركة التي تسيطر منذ 2006 على القطاع الفلسطيني المحاصر، وحول مآله ومصير سكانه، وأيضا توسع نطاق الحرب، التي قال عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إنها ستكون “طويلة وصعبة”.
تتهيأ إسرائيل لشن حرب برية جديدة على حماس في غزة عنوانها في هذه المرة “القضاء” على الحركة الفلسطينية بشكل نهائي، عبر تنفيذ هجوم لا هوادة فيه.
رغم وجود هذه الإرادة إن سياسيا أو شعبيا وحتى في ظل تضامن الحلفاء في الغرب، لا تزال ماهية التصور الإسرائيلي لمرحلة ما بعد حماس غير جليّة، كما لا توجد خطة واضحة المعالم لشكل الحكم في القطاع الفلسطيني المنكوب في حال حققت تل أبيب النصر في الحرب.
وستكون الحملة العسكرية “عملية السيوف الحديدية” لا مثيل لها في ضراوتها، ومختلفة عن أي شيء فعلته الدولة العبرية في السابق، وفق ما قال ثمانية مسؤولين إقليميين وغربيين مطلعين على الصراع لوكالة رويترز. فيما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنها ستكون “طويلة ومعقدة”.
لخوض هذه المواجهة الجديدة مع حماس والتي تريد إسرائيل أن تكون الأخيرة، تم استدعاء عدد قياسي من قوات الاحتياط بلغ 360 ألف فرد.
عملية “السيوف الحديدية” ضد حماس
كما لم تتوقف إسرائيل عن قصف القطاع الصغير منذ هجوم حماس “طوفان الأقصى” المباغت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي أسفر عن مقتل حوالي 1400 شخص معظمهم مدنيون.
في هذا السياق، أعلن الجيش الإسرائيلي الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول، عن استخدامه أربعة آلاف طن من المتفجرات منذ تفجر النزاع من خلال “إطلاق 6000 قنبلة” على غزة.
والجمعة، أعلن نفس المصدر بأن طائراته “شنت خلال ساعات الليل الغارات على ما يزيد عن مائة هدف في قطاع غزة ودمّرت فتحات أنفاق ومخازن وسائل قتالية والعشرات من مقرات القيادة العملياتية”. وفي بيان سابق الخميس، أعلن عن اعتقال 524 مطلوبا منذ بداية الحرب، في “أنحاء المنطقة الخاضعة لسيطرة فرقة يهودا والسامرة ولواء الأغوار الإقليمي، ينتمي أكثر من 330 منهم إلى حماس” مشيرا إلى مصادرة أكثر من 50 قطعة سلاح.
وقال الجيش الإسرائيلي في منشور على موقعه الإلكتروني يتم تحديثه باستمرار وهو مخصص لعملية “السيوف الحديدية” ضد حماس، إن قواته تتأهب “لتنفيذ الخطط العملياتية الهجومية على اختلاف أنواعها، بما فيها الاستعداد للهجمات المتكاملة والمتزامنة جوا وبحرا وبرا.. بناء على مجهود لوجيستي واسع النطاق وبعد إنجاز إجراءات تعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط”.
وتابع نفس المصدر بأنه يجري “إعداد قوات جيش الدفاع تمهيدا لتوسيع رقعة القتال.. أنشأت مراكز لوجيستية أمامية من أجل تمكين القوات المقاتلة من التزوّد بشكل سريع ومناسب بكل ما يلزمها. تم نقل الآليات والأدوات اللازمة للقتال وللحشود العسكرية. تواصل الوحدات المختلفة استكمال تجهيز وتأهيل الآليات والمعدات وإمدادها بالوسائل القتالية المتقدمة طبقا للاحتياجات. وتنتشر الكتائب المختلفة وقوات جيش الدفاع في كافة أنحاء البلاد استعدادا لرفع مستوى الجاهزية وتمهيدا للمراحل المقبلة من الحرب، ولا سيما العملية البرية الواسعة”.
ورغم أن الاجتياح البري لم ينطلق بعد، فإن السلطات الصحية في غزة أحصت الخميس مقتل 3785 فلسطينيا على الأقل جراء القصف الإسرائيلي ثلثهم تقريبا من الأطفال، وهو عدد أكبر من قتلى أي صراع سابق بين الجانبين.
في ظل هذه الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين، أبلغ بايدن الإسرائيليين خلال زيارته إسرائيل الأربعاء بأنه “يجب القصاص من حماس”، لكنه حذر من تكرار أخطاء بلاده بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وقال: “الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا حماس التي لا تمثل الشعب الفلسطيني”.
كانت زيارة بايدن حسبما قال آرون ديفيد ميلر خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فرصة سانحة له للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للتفكير في قضايا مثل الاستخدام المتناسب للقوة والخطط طويلة المدى لغزة قبل شن أي غزو.
ماذا بعد القضاء على حماس؟
حسب وكالة رويترز، فقد كشف ثلاثة مسؤولين إقليميين مطلعين على المناقشات بين الإدارة الأمريكية وزعماء الشرق الأوسط، بأن الاستراتيجية الإسرائيلية الفورية حاليا هي تدمير البنية التحتية في غزة حتى لو سقط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وأيضا دفْع سكان القطاع نحو الحدود المصرية وملاحقة حماس بتفجير شبكة الأنفاق مترامية الأطراف تحت الأرض.
لكن مسؤولين إسرائيليين اعترفوا بأنه ليس لديهم تصور واضح لما قد يكون عليه الوضع بعد الحرب. وقال مصدر مطلع في واشنطن إن بعض مساعدي بايدن يشعرون بالقلق من أن إسرائيل، رغم أنها قد تبرع في وضع خطة فعّالة لإلحاق ضرر دائم بحماس، لكنها لم تضع بعد استراتيجية للمرحلة المقبلة. وأضاف المصدر أن الرحلات التي قام بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن إلى إسرائيل شددت على الحاجة للتركيز على خطة ما بعد الحرب في غزة.
يُزعج هذا الوضع الضبابي الزعماء العرب في المنطقة وهم يتخوفون من تداعيات عدم وضع إسرائيل خطة مستقبلية واضحة للقطاع الذي تحكمه حماس منذ 2006 ويبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة.
وقال مصدر أمني إقليمي: “إسرائيل ليس لديها نهاية للعبة في غزة. استراتيجيتهم هي إسقاط آلاف القنابل وتدمير كل شيء والدخول. ولكن ماذا بعد؟ ليس لديهم استراتيجية خروج لليوم التالي”.
في هذا السياق، اعتبر جاكوب إريكسون المتخصص في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بجامعة يورك في تصريح لفرانس24 أن النقاش حول مرحلة ما بعد الحرب وحماس هو مهم الآن. وقال: “نركّز بشكل شبه حصري على الجوانب التكتيكية للعملية التي يتم التحضير لها، دون أن نتساءل حول التأثير طويل المدى للمواجهة البرية في غزة. لذلك يجب علينا أن نسأل أنفسنا: ما الذي سيحدث بعد القضاء المحتمل على حركة حماس وإنهاء سيطرتها على هذا الجيب”.
بدوره، قال أهرون بريغمان أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في جامعة كينغز كوليدغ في لندن لفرانس24، إن فكرة استعادة إسرائيل للسيطرة على هذه المنطقة “قد تكون على جدول أعمال بعض العناصر الأكثر تطرفا في الحكومة الحالية الذين يتخيلون أن غزة هي جزء من أرض الميعاد (“إسرائيل الكبرى” بالمعنى التوراتي). إلا أن الأصوات الأكثر عقلانية في تل أبيب سترغب في الخروج في أسرع وقت ممكن” من القطاع.
يضيف بريغمان: “إذا كانت إسرائيل قد غادرت في 2005، فذلك لأن أرييل شارون (رئيس الوزراء حينها) خلص إلى أنه أصبح من الصعب للغاية البقاء في مواجهة (1.4 مليون) فلسطيني معادٍ في قطاع غزة. الأمر سيان اليوم (مع عدد سكان بات يتجاوز 2 مليون نسمة)”. وهو يرى بأن احتلال غزة “سيعني أنه يجب على إسرائيل إدارة كل شيء، بما في ذلك المدارس والمستشفيات وحتى نظام الصرف الصحي. وبما أن السكان لن يقبلوا أبدا مثل هذه الإدارة، فسيكون من الضروري توفير جنود لتأمين غزة.. ثم إن حماية الإدارة المحلية سيكلف ثروة، وسرعان ما ستصبح الاشتباكات مع السكان المحليين أمرا لا مفر منه”.
كذلك، قال أمنون آران المتخصص في الصراعات بين إسرائيل والعالم العربي في جامعة لندن لفرانس24، إن فرضية احتلال الجيش الإسرائيلي لغزة بعد انتصار محتمل على حماس تعني في الواقع “العودة إلى الوضع السابق قبل انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005”.
وتحدث آران أيضا عن سيناريو آخر لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، هو سعي إسرائيل إلى “إقامة منطقة أمنية عازلة، مثلما حدث في لبنان (قبل الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000).
من جانبه، أضاف بريغمان أستاذ العلوم السياسية في لندن، بأن الأمم المتحدة يمكن أن تتدخل من جانبها لإقامة منطقة منزوعة السلاح تحت سيطرتها مع السماح للجيش الإسرائيلي بالتدخل في حال حدد مخاطر فورية على أمن الدولة العبرية.
“مدينة تحت الأرض تجعل أنفاق فيتكونغ تبدو كاللعبة”
يقول مسؤولون إسرائيليون بينهم نتانياهو إنهم سيقضون على حماس ردا على الهجوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل. لكن ما سيأتي بعد ذلك هو أمر أقل وضوحا.
قال تساحي هنغبي رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي للصحافيين الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول: “نحن بالطبع نفكر ونتدبر في هذا الأمر، بما يتضمن تقييمات ويشمل (مشاركة) مجلس الأمن القومي والجيش وآخرين بشأن الوضع النهائي.. لا نعرف على وجه اليقين كيف سيكون”. واستدرك: “لكن ما نعرفه هو ما الذي لن يكون”، في إشارة إلى هدف إسرائيل المعلن المتمثل في القضاء على حماس. لكن الكلام شيء والأفعال شيء آخر.
فقد قال مصدر إقليمي لرويترز، في استدعاء لذكريات حرب العصابات الشيوعية التي واجهتها القوات الأمريكية في فيتنام: “إنها مدينة أنفاق تحت الأرض تجعل أنفاق الفيتكونغ (في فيتنام) تبدو كلعبة أطفال.. لن يقضوا على حماس بالدبابات وقوة النيران”.
وقال خبيران عسكريان إقليميان لنفس الوكالة إن كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، تحشد القوات للتصدي للاجتياح وتزرع الألغام المضادة للدبابات وتنصب أكمنة للقوات.
وستكون عملية إسرائيل المقبلة أكبر كثيرا من سابقاتها التي أشار مسؤولون إسرائيليون إليها على أنها مجرد “تقليم للعشب”، إذ قللت من قدرات حماس العسكرية لكنها لم تستأصلها.
وخاضت إسرائيل ثلاث مواجهات سابقة مع حماس في 2008-2009 و2012 و2014 ونفّذت اجتياحين بريين محدودين خلال اثنتين منها، لكن بخلاف هذه المرة، لم يتوعد زعماء إسرائيل قبل ذلك بالقضاء على حماس نهائيا. وفي المواجهات الثلاث، لقي أربعة آلاف فلسطيني حتفهم وقُتل أقل من 100 إسرائيلي.
إلا أن المصدر الأمريكي قال إن تفاؤل واشنطن أقل تجاه قدرة إسرائيل على القضاء تماما على حماس، وإن المسؤولين الأمريكيين يرون احتمالا ضئيلا لرغبة إسرائيل في التمسك بأي أراض في غزة أو إعادة احتلالها. وذكر المصدر أن السيناريو المرجح سيكون أن القوات الإسرائيلية ستقتل أكبر عدد ممكن من أفراد حماس أو تأسرهم وستفجر أنفاقا وورشا لتصنيع الصواريخ، لكن ومع تزايد القتلى والجرحى الإسرائيليين، ستبحث عن سبيل لإعلان النصر والخروج.
حشود عسكرية غربية وتهديدات إيرانية
وتخيّم حالة من الخوف في أنحاء المنطقة من احتمال اتساع الحرب خارج حدود غزة، وأن تفتح جماعة حزب الله اللبنانية وإيران الداعمة لها جبهات جديدة رئيسية دعما لحماس.
فقد حذّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من احتمال اتخاذ إجراء “استباقي” ضد إسرائيل إذا مضت واجتاحت غزة. وقال إن الجمهورية الإسلامية “لن تتخذ موقف المتفرج إذا لم تقم الولايات المتحدة بكبح جماح تل أبيب”.
وأبلغ قادة عرب بلينكن الذي أجرى مؤخرا جولة مكوكية في المنطقة بأنهم ورغم تنديدهم بهجوم حماس على إسرائيل، فإنهم يعارضون العقاب الجماعي للفلسطينيين العزل، وهم يخشون من أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات في المنطقة. وحذروا أيضا من أن الغضب الشعبي سيزيد في أنحاء المنطقة مع ارتفاع عدد الضحايا.
وسط هذه التطورات، أرسلت واشنطن مجموعة حاملة طائرات هجومية إلى شرق البحر المتوسط، وهي تخشى من انضمام حزب الله للمعركة عبر الحدود الشمالية لإسرائيل. لكن لم تكن ثمة إشارة إلى أن الجيش الأمريكي سيتحرك من موقف الردع إلى موقف الانخراط المباشر.
وقالت مصادر إقليمية إن واشنطن تعتزم إعطاء دفعة للسلطة الفلسطينية التي فقدت السيطرة على غزة لصالح حماس في 2007، رغم وجود شكوك كبيرة حول ما إذا كانت السلطة أو أي جهة أخرى تستطيع حكم القطاع الساحلي في حال إبعاد حماس.
وعبّر ميلر، المفاوض الأمريكي السابق في الشرق الأوسط، عن شكوكه العميقة إزاء احتمال تشكيل حكومة تخلف حماس في حكم غزة.