إسرائيل تتوجّس من الهدنة: حتى لا يتكرّر سيناريو «الجرف الصامد»
وفي هذا الإطار، استعرض المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، ستة أسباب رئيسية تحول دون قبول إسرائيل بوقف إطلاق النار، أولها: أنه «على المستوى اللوجستي، سيحصل مقاتلو حماس وقيادتها على كلّ ما يحتاجون إليه لتجديد مخزونهم تحت الأرض، بهدف إطالة أمد قدرتهم على البقاء في الأنفاق». وثانيها: «سيُمكّن وقف إطلاق النار حماس من إعادة تأهيل ومدّ خطوط الاتصال التي تمّ التشويش عليها بين المرافق المختلفة التابعة لها فوق الأرض وتحتها، علماً أنه عبر الأنفاق تمرّ خطوط اتّصالات كثيرة تتيح للقيادة إصدار الأوامر إلى الجيوب التي لا تزال تقاتل». وعلى المستوى العمليّاتي، ستتمكّن الحركة من «الاستعداد وإعادة التسليح، تحضيراً لاستمرار الحرب، حيث ستعيد تلقيم منصّات الصواريخ القريبة من المناطق التي تُخاض فيها الأعمال القتالية… وبالتالي إعادة التكثيف لإطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل».
أمّا السبب الرابع، فهو أنّ الحركة، وفقاً له، «ستعيد تنظيم قواتها، وتزوّد المواقع المعزولة والمحاصرة بالإمدادات. كما ستقوم بشقّ مداخل جديدة بين الأنفاق، ونقل القوات والصواريخ المضادّة للدروع والقذائف المتفجّرة». فضلاً عن ذلك، ثمّة اعتقاد مفاده بأن «مقاتلي حماس سينطلقون في هذه المرّة أيضاً (على غرار تجربة عام 2014) من فتحات الأنفاق، لكي يشتبكوا مع الجنود الموجودين على مقربة منهم. وذلك لعدّة أسباب، بينها أن بعضهم قد لا يعرفون أنه اتُّخذ قرار بوقف إطلاق النار بسبب انقطاع اتّصالهم بالقيادة، أو بكلّ بساطة، لأنهم لا ينصاعون لقرارات وقف إطلاق النار». أمّا السبب الأخير، فهو أنّ الحركة قد تتمكّن من «نقل المختطفين من مكان إلى آخر، وهو ما يؤدي إلى تشويش الصورة الاستخباراتية الإسرائيلية، وإحباط إمكان تحريرهم بعملية عسكرية. وإلى جانب ذلك، فإنّ مثل هذه المهلة ستتيح للحركة تجميع المختطفين الموجودين في قبضة جهات أُخرى في القطاع، ليكون في استطاعتها تعزيز أوراقها التفاوضية».
من جهته، اعتبر المحلّل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أنّ ثمّة «تنافراً بنيوياً» آخذاً في الاشتداد بين الهدفَين المركزيَّين للحرب على غزة: «القضاء على حماس وإعادة الأسرى». إذ إنه بحسب الجيش الإسرائيلي، «في الإمكان تحقيق الهدفين، وكلّما مُنح الوقت من أجل زيادة الضغط العسكري على حماس، ستتحسّن احتمالات أن تضطرّ الحركة لإظهار ليونة أكبر في المفاوضات حول تحرير المختطفين». ومع ذلك، فإن «الاعتقاد السائد لدى قيادة الجيش بأن إيقاف الحرب في أسبوع أو اثنين، يعني أن أهدافها لن تتحقّق، وعليه فإن الهدفَين الأساسيَّين قد يصلان إلى نقطة صدام». ومن هنا، رأى هرئيل أن «المستوى السياسي سيتردّد في كيفية التصرّف، بينما سيتخوّف الجيش من وقف الحرب لمصلحة صفقة أسرى، إذ بعد ذلك سيكون من الصعب استئناف الهجمات بالحجم المطلوب من أجل توجيه ضربات شديدة إلى حماس».
وتقاطع مع تلك الرؤية، المحلّل الإستراتيجي العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشواع، الذي اعتبر أن المستويَين السياسي والعسكري سيصلان بالفعل في غضون الأيام القليلة المقبلة إلى «منعطفٍ خطير»، إذ تمثُل أمامهما معضلة رئيسية عنوانها الاختيار بين صفقة الأسرى أو الاستمرار في العملية العسكرية حتى تدمير القدرات العسكرية لـ«حماس». وكرّر يهوشواع ما قاله زميله بن يشاي من أن «وقف إطلاق النار، سيشكّل خطراً على سلامة جنود الجيش الإسرائيلي داخل غزة»، فوفقاً له «هذه خلاصات وعِبَر كُتبت بدماء بعض الذين سقطوا في عملية “الجرف الصامد”، والتي تخلّلها 13 وقفاً لإطلاق النار». ووصف هذه «المعضلة بأنها صعبة وقاسية»، وقد لخّصها مسؤول عسكري كبير بالقول إن «القبول بوقف إطلاق نار من شأنه أن يضرّ بشرعية مواصلة العمل الهجومي، في حين أنّ حماس ستحظى بورقة قوة».
وفي مقالة ثانية للمحلل نفسه، شكّك الأخير في «قدرة قادة جهاز الأمن على تقديم موقف مهني ومستقلّ في مداولات الكابينيت، وخصوصاً الذين اعترفوا بمسؤوليتهم عن الإخفاق الرهيب في 7 أكتوبر. فرئيس الشاباك، رونين بار، ورئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، أهارون حاليفا، ملزمون بقول موقفهم، ولكنهم سيفعلون ذلك فيما على كاهلهم ثقل هائل، يتمثّل في القتلى والمختطفين». ولفت إلى أنه إلى جانب الثلاثي المذكور، هناك قيادة المنطقة الجنوبية للجيش وفرقة غزة العسكرية اللتان «تتحمّلان العبء الأكبر، المتمثّل في العلم بأنه عبر أداء مختلف وعناية صحيحة بالتحذيرات التي كانت قائمة، كانتا ستتمكّنان من تقليص حجم كارثة يوم السبت على نحو دراماتيكي. وفي وضع كهذا، ليس مؤكداً أن لدى قادة جهاز الأمن القدرة على استعادة وزنهم النوعي بكامله، إثر المسّ الشديد بمكانتهم، في حال كانت صفقة الأسرى جزئية ولم تشمل قائمة المخطوفين كلها». أمّا المستوى السياسي المتمثّل في رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، فليس في حال أفضل من القادة العسكريين، إذ إنّ كلا المستويين «تقع على أكتافهما مسؤولية تصعّب ترجيح رأي صافٍ بالنسبة إلى الصفقة ونتائجها، وكذلك بالنسبة إلى إرضاء الرأي العام، خصوصاً لعلمهما أن مستقبلهما السياسي يخضع لاختبار ربّما لا عودة منه».
وفي الصحيفة نفسها، رأى المحلل السياسي، ناحوم برنياع أن شعار «معاً سننتصر (الذي يغزو الشاشات ووسائل الإعلام الإسرائيلية منذ بدء الحرب) ليس وصفاً حقيقياً للواقع، وإنّما هو تمنٍّ»، قائلاً: «في الواقع، نحن أمام قرارات صعبة وسيناريوات إنهاء مؤلمة. والانتصار ليس متوقّعاً هنا. فضلاً عن أن كلمة معاً، التي تصف بصدق ما يحدث في الجيش وفي الميدان، لا تعكس ما يحدث في الحكومة». ولفت إلى أنّ المفاوضات حول استعادة الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة تتقدّم ببطء، معتبراً أن «السنوار لا يزال يتصرّف كمن يسيطر على الوضع، ساعياً إلى الإفراج عن المختطفين على مراحل وبمجموعات صغيرة، في مقابل الحصول، إضافة إلى أسرى (فلسطينيين)، على مُدد وقف إطلاق نار أطول. وهو يسيطر أيضاً على السردية والدعاية». ونبّه إلى أنه «إطالة الأمد لوقف إطلاق النار وتكاثر مُدده، يصعّبان على الجيش الإسرائيلي الحفاظ على تقدّم في العملية البرية، خصوصاً أنه (بموازاة ذلك) الضغط الأميركي سيشتدّ، والحرب ستستمرّ، لكن هذه ستكون حرباً مختلفة، مقلّصة أكثر، وتستند بالأساس إلى وحدات القوات النظامية، علماً أنّ غالانت مقتنع بأنه في الإمكان صدّ الضغوط واستئناف الاجتياح البري حتى بعد وقف إطلاق النار».
أمّا محلّل الشؤون العسكرية لـ«القناة 12»، نير دفوري، فرأى أنّ وقف إطلاق النار أو إرساء هدنة لعدّة أيام «سيمكّن حماس من إعادة تنظيم نفسها في القتال»، و«إدخال وسائل إعلام دولية إلى القطاع، لكي تتمكن من خلق الصدى الإعلامي الذي تبتغيه». وعزا دفوري رفض المؤسسة الأمنية الإسرائيلية للهدنة، إلى أن هذه الأخيرة «ستؤثّر في استمرار الحرب، وهذا التأثير لن يكون، بالضرورة، في مصلحة إسرائيل». وخلص إلى أنه لمواجهة الضغط الأميركية على إسرائيل، «قد يغيّر الجيش الإسرائيلي نمط نشاطه»، موضحاً أنه «من المحتمل ألّا نرى لاحقاً (بعد هدن متواصلة)، ثلاث فرق على أرض القطاع في المناورات القتالية، كما يُحتمل أن تخرج هذه الفرق بالتدريج إلى خارج القطاع، ولكنها ستعود إلى هناك مراراً وتكراراً، وتقوم بردم الأنفاق وتفكيك البنى التحتية التابعة لحماس».