الصعود “الإسرائيلي” الى الهاوية
نبيه البرجي- الديار
ما يشغل بال النخبة الليبرالية في “اسرائيل”: الى أي مدى يمكن أن يفضي اختراق “الحاخامات” بالثقافة التلمودية للمؤسسة العسكرية، الى التأثير على البنية الفلسفية للدولة ؟ تالياّ نظرة العالم الى الدولة…
متى لم تستند القيادات السياسية هناك، منذ دافيد بن غوريون وحتى بنيامين نتنياهو، الى النصوص الأشد هولاً في التوراة (ولولي أيتها الأبواب، اصرخي أيتها المدينة)، وفي التلمود (أقتلوا الأغيار)، ان في صياغة السياسات أو في خوض الحروب. في سيناء كانت الدبابات تسحق الأسرى المصريين، وفي لبنان كان معتقل الخيام نسخة عن الهولوكوست (وأكثر)، وصولاً الى غزة التي يحاول “الاسرائيليون” ازالة أي أثر للحياة فيها.
تصوروا أن تذيع “هيئة البث الاسرائيلية” أغنية يؤديها الأطفال، وتقول “سنبيدهم في غزة ونعود آمنين” !!!
السردية المتعلقة بالسنوات الـ75 من عمر الدولة العبرية، تشير الى التداخل العضوي بين المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية. رؤساء أركان في رئاسة الحكومة، آخرون في مواقع وزارية ونيابية لتمثيلهم “روح الأمة” ، وان بكمية محدودة من الايديولوجيا.
ولكن منذ أن بدأ اليمين باجتياح “الكنيست”، تمكن “الحاخامات” من التسلل الى الثكنات، حتى كشفت حرب عام2006 التراجع الدراماتيكي في معنويات العسكريين، زاد حضورهم وزادت التعبئة التلمودية للعسكريين. ولدى اندلاع حرب غزة، عاد بعض المعلقين الى كتاب الباحث في العلاقات بين الجيش والمجتمع البروفسور يغيل ليفي “القائد الأعلى: حكم رجال الدين يخترق صلاحيات الجيش”، الذي يلقي الضوء على خطة “الحاخامات” ادارة الرؤوس وادارة الخوذات.
في نظره أن “ذلك التحوّل يهدد” روح الجيش” كونه جيش الشعب لا جيش الحاخامات”، ملاحظاً حتى الجنود العلمانيون ينظرون الى التعاليم التلمودية كنوع من التعويذة، والى حد الاعتقاد أنها بمثابة “السترة الروحية” التي لا تقل فاعلية من السترة المعدنية في حماية العسكريين.
في النصوص التلمودية أن “أرواح اليهود جزء من الله” و”أرفع من الملائكة”. أما أرواح الآخرين فهي “أرواح شيطانية تشبه أرواح الحيوانات (الكلاب والحمير)، وقد خلقوا على شكل بشر ليليقوا بخدمة اليهود”. ايضاً “من يضرب يهودياً كمن يضرب الله الذي في الليل يدرس التلمود”. و”أفضل الغواييم ـ الأغيار ـ ينبغي قتله” ، و”كل من يسفك دم شخص غير تقي (غير يهودي) يعتبر عمله مقبولاً كمن يقدم قرباناً الى الله”.
خشية النخبة الليبرالية من اللحظة التي تسند فيها رئاسة الحكومة الى “حاخام” (هناك “حاخامات” برتبة جنرال)، وان كان أركان الائتلاف يمثلون الفكر التلمودي بكل أهواله…
“هنا يظهر للملأ عداؤنا للعالم”، كما يقول ليفي، الذي يعتبر أن الكارثة الكبرى التي تحل “باسرائيلط حين يتحول الجيش الى حطام ايديولوجي، بعدما كان شلومو ساند قد قال “لو كان الله يريد أن يكون اليهود نوعاً آخر من البشر لخلقهم باشكال أخرى”، مضيفاً بـ “أن استيلاء الحاخامات على السلطة، بصورة علنية أو خفية، يعني تحوّل الدولة ألى ظاهرة عدمية باجترارها لثقافة غيبية على مسافة ضوئية من مقتضيات القرن، وحتى من مقتضيات الوجود”.
أي انعكاسات لذلك المسار على العلاقة بين العرب و”الاسرائيليين”؟ الاجابة في ما حدث وما يحدث على أرض غزة. التطبيق العملاني لدعوات “الحاخامات” الى “الملائكة المدمرة” محق العرب كديدان بشرية.
السؤال الأهم حول موقف الولايات المتحدة من قيام نظام ثيوقراطي (الآن نصف ثيوقراطي؟) في “اسرائيل” بالتأويل الميكانيكي لـ “النصوص المقدسة”، وحيث الحروب المفتوحة لانشاء “اسرائيل الكبرى”، وتحويل الآخرين إما الى جثث أو الى قهرمانات للهيكل.
شلومو عامي، وزير الخارجية السابق، ونائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام، يكشف أن البيت الأبيض بذل جهوداً هائلة للحيلولة دون “القيادة الاسرائيلية”، وتوجيه ضربة الى ايران يمكن أن تفجر الشرق الأوسط بأكمله. ألم يقل الجنرال ديفيد بتراوس “كفانا غرقاً في المستنقعات”؟
من سنوات، قال الكاتب “الاسرائيلي” عاموس آوز “صعود اليمين الى السلطة يعني صعود الدولة الى الهاوية”!!