1701 الفلسطينيّ… يحتاج مزيداً من الدماء
عبادة اللدن -أساس ميديا |
في اللحظة التي أعطت فيها إسرائيل موافقتها على صفقة إطلاق الرهائن المدنيين مقابل وقف إطلاق النار، أقرّ رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو عملياً بأنّ الحرب ستقف من دون تحقيق الأهداف التي كانت عنوان الحرب في أيامها الأولى: تهجير سكان غزة إلى سيناء، وإطلاق الرهائن، والقضاء على “حماس”.
سقط الهدف الأول بالرفض المصري القاطع، فيما ظلّ الهدفان الآخران في ميدان المعركة، إلى أن بدأ البحث الجدّي في الأيام الأخيرة عن ملامح “الـ1701 الفلسطيني”. يُدرج في هذا الإطار تحرّك الوفد الإسلامي – العربي بقيادة السعودية في جولة على عواصم القرار، وورقة “الأفق” السياسي التي عرضها الرئيس الأميركي جو بايدن في مقاله بصحيفة “واشنطن بوست”، وتحرّك مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وصولاً إلى الاختراق الذي تحقّق في أولى صفقات الرهائن والأسرى.
تنمّ الحركة السياسية عن اقتناع لدى الجميع بأنّ الوضع في غزة لا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر. و”حماس” نفسها مقتنعة بأنّها لن تحكم القطاع فوق الأرض، ولن تكون هي وحدها الحكومة بعد اليوم، لكنّ السؤال التالي: ما هو شكل الحكم الذي يتيح لها البقاء متحكّمة بالوضع من تحت الأرض؟ وما هو شكل الوجود الأمني فوق الأرض؟ وما حدود التأثير الإسرائيلي فيه؟ وما شكل قواعد الاشتباك التي سيتأسّس عليها وقف إطلاق النار؟
منازلة أكبر بالدم والنار… و”لاءات” بايدن
ثمّة صعوبات تكتنف تشكيل الواقع الجديد لم تكن موجودة في لبنان حين تشكّل قرار مجلس الأمن 1701، الذي أرسى الواقع الذي انتهت على أساسه حرب تموز 2006.
في غزّة لا وجود لدولة أو لسلطة أو لسلاح على الأرض سوى سلطة حماس وسلاحها، بخلاف وجود الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في جنوب لبنان. لذلك يحتاج الواقع الجديد إلى منازلة أكبر بالدم والنار لإرساء الشروط والشروط المضادّة، ناهيك عن استدعاء الأطراف الأخرى لتشكيل الواقع الأمني الجديد.
اللافت أنّ بايدن كان أوّل من بادر إلى طرح إطار سياسي لما بعد الحرب، وهو إطار لم يكن نتانياهو موافقاً على بندٍ واحدٍ منه طوال سنوات وجوده في الحكم، ولا يُنتظر أن يوافق عليه الآن.
ملخّص هذا الإطار و”لاءاته”، بلغة بايدن:
1- ألّا تُستخدم غزّة مرّة أخرى “كمنصّة للإرهاب”، (لم يستخدم تعبير “إنهاء وجود حماس” الذي يستخدمه نتانياهو).
2- ألّا يكون هناك تهجير قسري للفلسطينيين من غزّة.
3- لا عودة للاحتلال الإسرائيلي للقطاع ولا حصار.
4- لا تقليص في الأراضي (أي لا منطقة عازلة).
5- “أن تكون أصوات الشعب الفلسطيني وتطلّعاته في قلب الحكم بعد الأزمة في غزّة” (في هذا تلميح إلى انتخابات تفضي إلى دور سياسي ممكن لحماس).
6- إعادة توحيد غزّة والضفة الغربية في ظلّ هيكل حكم واحد، “في ظلّ سلطة فلسطينية متجدّدة”.
7- العمل على حلّ الدولتين.
8- إنهاء عنف المستوطنين في الضفة الغربية، تحت طائلة فرض عقوبات أميركية.
لا تبقي هذه البنود مشترَكاً بين بايدن ونتانياهو سوى سقف واحد هشّ، هو رفض وقف إطلاق النار. وحتى هذا الهدف يبدو هشّاً، ويمكن أن تغيّره هدنة الأيام الخمسة التي يجري التفاوض في شأنها. بل إنّ هناك من يرى أنّ تطبيق خطة بايدن يعني الإطاحة بحكومة نتانياهو قبل الإطاحة بحكم حماس، وهذا ما يطرح السؤال: إذا كان نتانياهو يخوض الحرب لإنقاذ رأسه فما الجدوى منها إذا كانت العاقبة واحدة؟
خسارة إسرائيل الرأي العامّ الأميركيّ
في خلفيّة عقيدة نتانياهو السياسية أنّه لا يعبأ كثيراً بما يصدر من البيت الأبيض، فهو يتصرّف من منطلق ثقة كبيرة بقدرته على المناورة في الساحة الأميركية طالما أنّ الرأي العامّ هناك داعم لإسرائيل بنسبة طاغية.
لكنّ هناك تغيّراً جدّيّاً يجدر الالتفات إليه، وتحديداً في قواعد الديمقراطيين. فالصحف الأميركية مليئة بالمقالات التي تتحدّث عن خسارة إسرائيل لمعركة الرأي العامّ بسبب ارتفاع أعداد الضحايا، خصوصاً من الأطفال، وفظائع اقتحام المستشفيات، وافتضاح عمليات التلاعب بالأدلّة على وجود “حماس” في مستشفى الشفاء.
من اللافت أنّ استطلاع “غالوب” و”رويترز” الأسبوع الماضي أظهر تراجعاً ملحوظاً في تأييد الأميركيين لإسرائيل، إذ بات 32% من الأميركيين فقط يقولون إنّ على بلادهم أن تدعم إسرائيل، انخفاضاً من 42% في بداية الحرب. والنتيجة التي لا بدّ أن تثير قلق نتانياهو بشكل أكبر أنّ نسبة التأييد لإرسال الأسلحة إلى إسرائيل انخفضت إلى 31% (مقارنة بـ41% يؤيّدون تسليح أوكرانيا!)، مقابل 43% يعارضون الفكرة، وهو ما يشير إلى أنّ شرائح متزايدة من الرأي العامّ الأميركي باتت مقتنعة بأنّ الحرب الإسرائيلية على غزة نقيض الموقف الأخلاقي.
إلى أيّ حدّ يمكن للتطوّرات الدولية والأميركية أن تكبح جماح الجيش الإسرائيلي؟
إغناتيوس… وساعة أهالي الرهائن
ينقل ديفيد إغناتيوس في “واشنطن بوست” عن القادة العسكريين في تل أبيب أنّ الجيش الإسرائيلي يعمل على وقع ثلاث ساعات: ساعة خطّته القتالية، وعقاربها ما زالت في الثلث الأوّل من الوقت المطلوب، وفق تقديرهم، للسيطرة على القطاع، وساعة صمود “حماس”، وساعة “الصبر” الأميركي والدولي، التي اقتربت من نهايتها الأسبوع الماضي. يمكن إضافة بضع ساعات أخرى ضاغطة، ربّما أكثرها تعبيراً الساعة الرقمية الضخمة التي رفعها أهالي الأسرى والرهائن الإسرائيليين في تل أبيب، وساعة الاقتصاد الذي فقد 350 ألفاً من قوّته العاملة، وتعطّلت أنشطته الاقتصادية.
يتحدّث إغناتيوس نفسه عن نقاش بين قادة الحرب في إسرائيل حول الموعد الممكن لبدء تسريح الاحتياط، لتخفيف الضغط عن الاقتصاد. وفيما يتحدّث قادة الجيش عن الحاجة إلى شهر أو شهرين إضافيين، تشير بعض التقارير الصحافية الإسرائيلية إلى أنّ التسريح بدأ بأعداد محدودة بعيداً عن الأضواء، وهو ما يشير إلى مدى أهمية هذا العامل في لعبة عضّ الأصابع.
يجب الأخذ في الاعتبار أنّ المقبل في “الساعة” العسكرية أصعب وأكثر عرضة للتعثّر، سواء لجهة اقتحام خان يونس المكتظّة باللاجئين من شمال القطاع، فضلاً عن سكّان المدينة، أو لجهة السيطرة على شبكة الأنفاق في الشمال والجنوب، للحدّ من حرب الاستنزاف للجيش الإسرائيلي المنتشر على الأرض.
ما تنقله الصحافة الإسرائيلية والأميركية يشير إلى أنّ المستوى العسكري يخطّط لحرب استنزاف تمتدّ لأشهر، لكنّ سيناريواتها تتطلّب بالضرورة نزول العساكر على الأرض للسيطرة على فوهات الأنفاق، ثمّ اعتماد تكتيكات منها ضخّ مياه البحر فيها لإغراقها. لكنّ أشدّ الجنرالات تشدّداً يدركون صعوبة تنفيذ تلك السيناريوات وطول المدّة التي تستغرقها.
لا شكّ أنّ المعطى العسكري في غزة يتشابك مع معطيات الجبهة الشمالية مع الحزب، والفصائل الفلسطينية. إذ تخشى إسرائيل أن يخرج الحزب رابحاً كبيراً بعد استعراض القوة الكبير على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل، وسيكون من الصعب حينها على إسرائيل استعادة قواعد اشتباك الـ1701، بل سيكون من الصعب استعادة قواعد الفترة بين التحرير عام 2000 وحرب تموز 2006.
يقول وزير الدفاع الأميركي الأسبق الجنرال جيمس ماتيس إنّ اليقين المسبق في شأن خطة الحرب يمكن أن يكون خطأ قاتلاً، فكيف إذا كانت ساعة العسكر متضاربة مع ساعات كثيرة؟