استبشار في فلسطين وسخط في إسرائيل | الهدنة تؤرّق العدوّ: بحثاً عن جولة أخرى
وإذ أظهرت عودة الفلسطينيين إلى مناطقهم وأحيائهم ومخيماتهم لتفقّد منازلهم والحصول على المساعدات الإنسانية التي وصلت عشرات الشاحنات منها إلى القطاع المحاصر، حجم الدمار الهائل الذي لم يكن ممكناً تقديره في وسط المعركة، فإن ذلك ساهم في إذكاء الغضب العربي والعالمي، من مستوى الوحشية التي قصفت بها آلة العدو العسكرية القطاع. فهذا الدمار، إضافة إلى العدد الكبير من الشهداء المدنيين، أظهرا جزءاً آخر مقلقاً بالنسبة إلى إسرائيل من الخسارة، تمثّل في ارتفاع غير مسبوق في إدانة الهمجية الإسرائيلية على المستوى العالمي، واستحكام العداء لدولة الاحتلال على المستوى العربي. في الجانب الأول، صارت إسرائيل تجهد للعثور على مؤيّدين من دون أن تجد الكثير منهم، على رغم التهويل والتلويح بالعقوبات على المستويات الفردية والجماعية. كما كان مثيراً للسخط بدء التفلّت الأوروبي حتى على المستوى الحكومي من القبضة الإسرائيلية، وفق ما جلّاه المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيسا وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، وبلجيكا، ألكسندر دو كرو، عند معبر رفح بين مصر والقطاع، حيث أعلن الأول أن بلاده قد تعترف بالدولة الفلسطينية حتى لو لم يفعل الاتحاد الأوروبي ذلك، وهو ما دفع بوزارة خارجية العدو إلى استدعاء سفيرَي البلدين في تل أبيب للاحتجاج على تلك التصريحات وعلى موقف الدولتَين الذي تميّز منذ البداية بإدانة كاملة للعدوان.
أمّا على الجانب العربي، فكانت تظاهرة عمّان كافية لإظهار المدى الذي وصل إليه الغليان في الشارع العربي نتيجة العدوان؛ إذ شارك في التظاهرة عشرات الآلاف من الأردنيين الذين أعلنوا أنهم خرجوا تلبية لنداء الناطق باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، الذي طلب منهم التحرّك في كلمته أول من أمس. وحتى على المستوى الرسمي العربي سعت دول عربية إلى استلحاق نفسها، إذ أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن معبر رفح لن يُغلق، علماً أن فتح المعبر مثّل مطلباً شعبياً فلسطينياً وعربياً، كان الرئيس المصري قد امتنع عن تلبيته خلال الحرب. كما سارعت دول أخرى، منها السعودية، للإعلان عن وصول طائرات مساعدات إلى مطار العريش تمهيداً لإدخالها إلى غزة. ويُذكر هنا أن الإعلام الإسرائيلي كان قد أكّد أن الرياض قادت سعياً شاركت فيه عواصم عربية أخرى، لمنع اتخاذ خمسة إجراءات قاسية – من بينها استخدام سلاح النفط – ضدّ تل أبيب في القمة العربية والإسلامية التي انعقدت في العاصمة السعودية في الحادي عشر من تشرين الثاني الجاري، لإجبارها على وقف العدوان على غزة.
وبحلول ساعات المساء الأولى كانت إسرائيل قد تسلّمت 13 أسيراً هم أربعة أطفال وست مسنّات وأربع فتيات وصبي، أفرجت عنهم حركة «حماس»، التي أطلقت كذلك سراح 11 عاملاً تايلندياً وفيليبيني واحد، بينما أفرج العدو من سجن عوفر عن 39 أسيراً فلسطينياً من الأطفال والنساء. وفي مظهر آخر من مظاهر الانتقام الإسرائيلي، عمدت قوات الاحتلال إلى مداهمة منازل عدد من الأسرى المُفرج عنهم، بتعليمات مباشرة من وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي المتطرّف، إيتمار بن غفير، الذي طلب منع احتفال الفلسطينيين بالمُفرج عنهم.