موضوعات وتقارير
من المسؤول عن فوضى النزوح..؟
صلاح سلام-اللواء
من الظلم بمكان أن تحاول الأطراف السياسية المتخاصمة أن تُلقي بمسؤولية تفاقم أزمات النزوح السوري على الجيش والقوى الأمنية، في حين أن الانقسامات العامودية التي تُهيمن على الساحة الداخلية، كانت هي في صلب ضياع القرار الرسمي الموحد في التعامل مع هذه المشكلة منذ بداياتها في السنوات الأولى للحرب السورية.
لقد تحولت حركة النزوح السوري إلى مادة دسمة في البازار السياسي الداخلي، حيث سادت المزايدات الطائفية والمذهبية، وحتي المناطقية، في الخطاب اليومي للقيادات الحزبية، المسيحية والإسلامية على السواء، وطغت على الإعتبارات الإنسانية والأمنية، وأدت إلى تجميد كل خطوات تنظيم تدفق السوريين من مختلف المعابر الحدودية، مما ساعد على هذا الإنتشار الأفقي والعشوائي لمخيمات النازحين، في طول الجغرافيا اللبنانية وعرضها، دون الأخذ بعين الإعتبار المخاطر المترتبة عن هذه الفوضى، مع الكثافة المضطردة في أعداد الهاربين من المناطق المشتعلة في الداخل السوري.
وكانت النتيجة أن فقدت السلطة اللبنانية السيطرة على إمكانية ضبط وتنظيم إقامة مئات الألوف من العائلات التي نزحت شمالاً وبقاعًا، ثم تمددت جنوباً، وبنسب أقل في القرى الجبلية، لا سيّما في المناطق المسيحية.
حالت الخلافات بين أركان السلطة أنفسهم، وما رافقها من مزايدات حزبية من هنا وهناك، دون إعتماد لبنان النهج الذي سارت عليه الأردن وتركيا، في حصر إقامة السوريين داخل مخيمات أنشئت خصيصاً لهذا الغرض، وسهلت عمل الأجهزة الامنية في البلدين في ضبط ومراقبة حركة النازحين، وعزلهم عن مدن وقرى المواطنين، حفاظاً على الأمن في البلد، وتجنباً لأي إحتكاكات مفاجئة، تثير الحساسيات الإجتماعية، وتحول دون إنخراط السوريين في المجتمعات المضيفة، وما يتسبب ذلك من اضطراب في سوق العمل، بسبب ما قد يحصل من منافسة للعمالة الوطنية، كما هو حاصل اليوم في لبنان.
وشجّع إضمحلال السلطة اللبنانية، وغياب القرار الرسمي الواحد والحازم، مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على التمادي في تجاوز السيادة الوطنية، مستعينة بجماعات من اللبنانيين الإنتهازيين الذين سارعوا بإنشاء مئات الجمعيات، للإستفادة من الأموال المخصصة لمساعدة النازحين، رغم أن العشرات من تلك الجمعيات بقي وجودها وهمياً، وعلى الورق فقط، وذلك دون حسيب أو رقيب من الأجهزة اللبنانية المختصة.
فجأة، ودون سابق إنذار، أدرك أهل الحل والربط في لبنان مخاطر الوجود السوري، مع موجات النزوح المريبة في الفترة الأخيرة، والإصرار الأوروبي على بقاء السوريين في مخيماتهم على الأراضي اللبنانية، ورفض عودتهم إلى بلادهم، وتقديم كل المساعدات المالية والطبية والمدرسية لهم، لاغرائهم بالبقاء في لبنان.
فكيف سيتعامل البلد الغارق في أزماته المتناسلة مع هذه المشكلة الكبيرة والمعقدة في ظل غياب إستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة هذا «الخطر الوجودي» ؟
وماذا تنفع المحاولات السياسية في تحميل الجيش والأجهزة الأمنية مسؤولية غياب القرار الوطني الموحد في التعامل مع أزمة تهدد تركيبة البلد الديموغرافية؟