بشارة:الاحتلال في سباق مع مهلة أميركية لاسابيع وليس أشهر
وأضاف أن الاحتلال يتعامل مع الهدن كتكتيك للتعامل مع أهالي المحتجزين وإطلاق سراح المدنيين، أما بالنسبة للجيش ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، فإنهم دخلوا غزة لإعادة قوة الردع للجيش.
ورأى بشارة أن القوة الضاغطة لأهالي المحتجزين أصبحت أقل قوة بعد إطلاق سراح جزء منهم لكنها موجودة وإذا استمر هذا الضغط بالترافق مع الضغوط الدولية والمقاومة فإن العدو سيدفع ثمناً، واعتبر بشارة أن هذه الفئة هي التيار الوحيد المسموح له بالتظاهر في إسرائيل، حيث لديهم ترخيص أخلاقي بالتظاهر باعتبارهم أهالي فقدوا أبناءهم.
وعلق بشارة في السياق على طريقة تعامل حماس مع الأسرى، وهو ما شاهده المجتمع الإسرائيلي، والذي أثبت كذب إسرائيل، وبالتالي فإن هذا “عامل مهم جداً” في تغيير الصورة الفلسطينية كما يصورها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وعقّب بشارة في مقابلته على إقدام جندي إسرائيلي على قتل مستوطن بعد أن قام الأخير بتحييد منفذ عملية شمال القدس، رغم رفع المستوطن يديه في الهواء وإعلانه أنه إسرائيلي، واستنتج بشارة بأن هناك قراراً داخلياً متخذاً بقتل الفدائيين وعدم أخذ أسرى، وهو ما يعيدنا للحديث حول ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مشيراً إلى سياسة إسرائيلية قديمة تقضي بقتل المخطوفين والخاطفين بمجرد معرفة الاحتلال لمكانهم حتى لا يضطر للتفاوض وتقديم التنازلات.
ومع العودة للحرب، اعتبر بشارة أن التحذير الأميركي الدائم من استهداف المدنيين غير ملزم، إنما هي مجرد نصيحة وأتى الجواب الإسرائيلي عليها عبر التضليل والالتفاف، مثل اعتماد الخريطة التي قسمت القطاع إلى بلوكات لإرشاد الفلسطينيين نحو المناطق الآمنة. والدليل على ذلك أن أهالي غزة لا يملكون حرية الحركة في غزة، مضيفاً أن “لا أحد يعرف الأماكن الآمنة وكيفية الوصول إليها، والكلام عن البلوكات هو مجرد ذر للرماد في العيون”.
وقال بشارة أن الواقع أكثر وحشية بكثير من الأرقام الصادرة حول أعداد الضحايا، فالكثير من الناجين يعيشون في أوضاع مأساوية وفقد العديدون جميع أفراد عائلاتهم، مضيفاً أن الخطة الإسرائيلية الكبرى واضحة وهي “تدمير غزة والانتقام من الشعب الفلسطيني وتقليل عدد سكان غزة وتهجيره، وقسم ظهر حركة حماس العسكري أي أن لا تكون قوة مسلحة مستقبلاً قادرة على إدارة غزة”.
أما على مستوى تنفيذ الخطة، فرأى بشارة أن الاحتلال يستسهل القصف لأنه يستصعب العمل البري، ومن الواضح أن أهداف القصف بحسب بشارة من دون غاية ولا هدف، حيث تحاول إسرائيل الانتقام من المحيط الاجتماعي لقادة حماس وهو ما يطلق عليه بشارة وصف “انتقام بدائي قبلي”، كما رأى بشارة أن هناك الكثير من الفوضى في الخطة الإسرائيلية والكثير من التعثر وتواجه الكثير من المقاومة في الوقت نفسه.
وفي ما يخص التقدم نحو مدينة خان يونس، اعتبر بشارة أن على المقاومة الفلسطينية “الاستعداد لأسوأ السيناريوهات، فلدى الإسرائيليين اتجاه لاختراق خان يونس برياً والوصول إلى بعض البيوت” والهدف من ذلك بحسب بشارة هو الصورة الإعلامية فقط، من دون العثور على قادة حماس وإيجاد المحتجزين.
وفي السياق تحدث بشارة عن خيارات المقاومة، ورأى أن المقاومة حصلت على شرعية في الشارع العربي و”يخطئ كل من يحاول أن يعيدها إلى الصفة الأيديولوجية”، وأضاف أن من يحمل السلاح ضد الاحتلال يكتسب الشرعية، مطالباً بالمثابرة على الوقوف إلى جانب المقاومة.
وأشار بشارة إلى أنه في المعارك السابقة بين الدول العربية وإسرائيل، في حرب العام 1967 على سبيل المثال، فإن “الشعوب لم تهزم ولم تعط فرصة للمقاومة ولو أعطيت الفرصة لقاومت”، معتبراً أن الأنظمة والبنية القيادية هي التي هزمت، وهو ما لم يطل الإنسان العربي.
وعن مخطط التهجير قال بشارة أن شمال غزة مقطوع عن العالم ويعاني من ظروف إنسانية قاسية، كذلك وسط غزة ويتكدس الناس في جنوب غزة. مع كل هذا الضغط، إذا تم فتح معبر رفح، فإن الناس ستجري مدفوعة بغريزة بقائها خارج القطاع. واعتبر أن ما يوقف التهجير هو أن تقوم مصر بإصدار إعلان واضح أن التهجير يشكل إعلان حرب، لما يعتبر من خطر وجودي على فلسطين كقضية وإنتاج نكبة جديدة، وهو المصطلح الذي بدأ مسؤولون إسرائيليون باستخدامه.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت إسرائيل ستنجح بتهجير الفلسطينيين أجاب بشارة بأن خططاً من هذا النوع كانت موجودة منذ حرب 1948. إلا أن إسرائيل ليست سيد المنطقة ولا تحكم المنطقة ويفترض أن يكون القادة العرب واضحين بإعطاء تحذيرات وإنذارات بخطوات فعلية وليس الإكتفاء بالإدانات.
أما لماذا لم يتخذ العرب الموقف المطلوب منهم أجاب بشارة بأن أموراً عديدة تمنع ذلك منها فقدان الثقة في ما بينهم والخوف من الولايات المتحدة وتنافس العرب على التحالف معها، مع أنه برأي بشارة، فإن خطوة من هذا النوع تزيد الدول العربية قوة، كذلك الأمن القومي العربي، حيث أن خطوة كهذه تكسب الدول العربية الاحترام وتحجّم إسرائيل.
واعتبر بشارة حالياً أن العرب يتخذون اليوم موقف المتفرج على ما يجري في غزة، حيث المظاهرات في الشوارع الأوروبية اليوم أكثر تأثيراً معنوياً على صناع القرار في الغرب. وتقوم إسرائيل بفعل ما تريد، بشكل متزايد، من دون الأخذ بعين الاعتبار موقف الدول العربية. وحتى على مستوى الحراك في الشارع العربي، قال بشارة أن ذلك لا يكفي منتقداً التقيد بوسائل التواصل الاجتماعي الذي يلعب دوراً سلبياً حيث الحاجة لخطوات أكثر فاعلية.
ولأن الشارع مؤثر، قال بشارة بأن الخطاب الرسمي العربي قد تغير لاحتواء الشارع وليس بسبب صحوة أخلاقية، وحالما تنتهي الأزمة يعود إلى ما كان عليه، إلا إذا اكتسبت الأنظمة قناعة بعدم تهميش القضية الفلسطينية، وهو ما قد يحصل إذا تحرك الشارع.
وعن الموقف الداخلي الإسرائيلي، قال بشارة أن الخلاف بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت مسألة مهمة إلا أنها لا تعنينا، فخلافاتهم تتمحور حول الإصلاحات القضائية ورغبة كل شخص بأن يكسب رصيداً سياسياً من الحرب بدل أن يكون الرجل الثاني في المعركة، ويستغل السياسيون ضعف نتنياهو الذي أصبح مضطراً للتواضع. فالخلاف يتمحور حول استثمار كل منهم للحرب في مستقبله السياسي، وذلك لا يعنينا كعرب.
أما عن الموقف الأميركي، قال بشارة أن الأميركيين والإسرائيليين، على الرغم من خلافهم على مدة الحرب وإدخال المساعدات وحماية المدنيين، إلا أنهم لن يصلوا إلى درجة الاختلاف على الأهداف، مثل القضاء على حماس. فالأميركيون يوجهون نصائح للحفاظ على ماء وجههم أمام الرأي العام العالمي، إلا أنهم لم يوجهوا إنذارات بوقف الدعم مثلاً، بل مجرد نصائح أمام الرأي العام. ويعتقد بشارة أنه حتى مع توقف القصف، فإن إسرائيل ستواصل الحرب بأساليب أخرى، فالاحتلال يستغل المهلة الزمنية المعطاة من قبل الأميركيين لتكثيف القصف ومن ثم الانتقال إلى نمط آخر من الحرب لن يعارضه الأميركيون بحسب بشارة، الذي أضاف أن الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم يقع أسيراً لنتنياهو فهو سيخسر أصواتاً لو استمر بدعم الحرب كما سيخسر إذا عارضها.
وقال بشارة أن بايدن اختلف مع سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب في مجالات مختلفة، كقضية فنزويلا واتخاذ قرار بالحرب في أوكرانيا، إلا أنه في إسرائيل حافظ على النهج القديم الذي اتبعه ترامب.
وفي ما يخص الموقف الأوروبي بعد الموقف البلجيكي والإسباني وحتى الفرنسي، قال بشارة أن الرأي الأوروبي له تأثيره على السياسة الأميركية، خاصة بالنسبة إلى الرئيس الأميركي الحالي، نظراً للموقع الجيوسياسي لأوروبا وعلاقاتها مع العرب وإسرائيل والارتباطات التجارية مع الطرفين، ورأى بشارة أن “هناك تغيير في الخطاب في بريطانيا، وفي فرنسا كذلك من غير أن يكون هناك تغيير على مستوى الموقف فانحصر ببعض النصائح، أما مواقف إسبانيا وبلجيكا وأيرلندا والنروج فهي مواقف جيدة، إلا أن المشكلة تكمن في الموقف الألماني”.
وأضاف بشارة أن فرنسا قادرة على رفع الصوت وقيادة حملة للوصول إلى وقف إطلاق النار.
واعتبر بشارة أن ما يحصل في الشارع الأوروبي من مظاهرات ورفع للصوت مهم، وخاطب الجاليات العربية والفلسطينية في أوروبا قائلاً: “يجب البناء على ما يحصل مستقبلاً لتكون هذه الحركة هي الحركة المضادة لسياسات الفصل العنصري القادمة في إسرائيل، ويجب أن لا نفرط في ذلك والبناء عليه مستقبلاً كي لا يكون غيمة صيف عابرة، فمن خرج مع كل الجو من القمع الهستيري في الغرب، يمكن الاعتماد عليه باعتباره إنساناً مبدئياً”.
ونوه بشارة بالنواة الصلبة من اليهود الليبراليين الذين لا يريدون أن ترتكب هذه الجرائم باسمهم مؤكدين على هويتهم كيهود وهو صوت مرتفع ومهم وله قيمة أخلاقية وأساسية في الغرب ويجب البناء على ذلك وعدم خسارته.
كما تحدث بشارة عن سلاح المقاطعة الاقتصادية ورأى أنه سلاح مهم بغياب إطار وطني فلسطيني، وهذه الحملات مهمة معنوياً لأنها تبقي القضية الفلسطينية حية، وهو ما يزعج إسرائيل التي تدعي أنها دولة ديمقراطية حيث يجري تصويرها كدولة فصل عنصري.
ولفت إلى أن المقاطعة أجبرت النظام في جنوب إفريقيا على التفاوض وذلك حين بدأت الدول الأفريقية بالمقاطعة، تلتها أوروبا ودول أخرى، وهو عكس ما تذهب إليه الدول العربية.
وتطرق بشارة إلى دعوات محاسبة إسرائيل على جرائمها، واعتبر أن هذه الدعوات هي عبارة عن موقف، وهذه المواقف مهمة إلا أنه لن تتم محاكمة إسرائيل إلا حين تهزم سياسياً أو عسكرياً، أو حين تريد الدول الكبرى محاسبتها. فالقانون الدولي هو مجموعة معاهدات واتفاقيات غير ملزمة إلا حين تفرض الدول الكبرى هذه القوانين بالقوة وهو ما حدث في عدة قضايا، الأمر الذي ما يزال بعيداً عن الحالة الإسرائيلية.
ودعا بشارة إلى عدم التعويل على المحاكم الدولية للحصول على حقوقنا.
أما بخصوص الموقف الفلسطيني، فمع كل ما يحصل في الضفة الغربية رأى بشارة أن ذلك لا يكفي وأن التضامن يجب أن يكون أكبر وأوسع، فالكارثة في غزة ضخمة والقادم قد يكون أسوأ، ورأى أن سلوك السلطة الفلسطينية، باستثناء بعض المسؤولين والسفراء، لناحية القيام بدور أوسع على المستوى الدولي غير كافٍ كذلك بالنسبة للعلاقة مع إسرائيل، حيث يجب أن ينخفض مستوى التنظيم الأمني مع الاحتلال.