هي صراع بين الحق الوطني الفلسطيني وبين المخطط الصهيوني الديني
هذه الحرب هي كبيرة جدا لانها على مفترق طرق، رغم ان القضية الكبرى هي ليست قطاع غزة، ولا عشرات شاحنات الاغذية التي تنتظر الدخول الى القطاع والعدو الاسرائيلي يمنع دخولها، ويريد تجويع الشعب الفلسطيني في القطاع، وعددهم حوالى المليونين وثلاثمئة الف نسمة على الاقل.
ان الحرب الجارية هي جزء من مخطط بدأ منذ 200 سنة، يوم عقدت الصهيونية العالمية اول مؤتمرين في بال ولوزان في سويسرا ، وخططوا لاقامة كيان صهيوني على ارض فلسطين، انطلاقا من عقيدة دينية جامدة لديهم
لا تتعلق بعلم الاجتماع ولا بالحركة البشرية، التي انتقلت على مدى آلاف السنين من مناطق الى مناطق، واختلطت فيما بينها.
فقد عملت الحركة الصهيوينة العالمية الدينية على الاتصال بالامبراطورية العثمانية، ولاحقا بدول الاستعمار من فرنسا وبريطانيا، حيث نالت وعد بلفور من وزير خارجية بريطانيا، بان المملكة المتحدة تقدم وعدا للشعب اليهودي بتقديم فلسطين وطنا له.
في حين ان الشعب الفلسطيني يعود تاريخه الكنعاني على شاطئ فلسطين ولبنان وبلاد الشام، الى ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة على الاقل ، وفق الآثار الموجودة على المرافق التاريخية للفينيقيين.
واكمل المخطط الصهيوني عمله بتنفيذ هجرة صهيونية الى فلسطين، في ظل الاستعمار البريطاني – الفرنسي، خاصة البريطاني، حتى احتل الصهاينة على مراحل اجزاء من فلسطين المحتلة، الى ان حصلت حرب 1967 الغادرة، وادت الى قيام مشروعهم وهو «اسرائيل الكبرى».
لم تكن الشعوب العربية على قدر من الوعي لتقف في وجه هذا المخطط، كما ان الاستعمار البريطاني والفرنسي قمع كل حركة ضد الصهيونية العالمية ومخططها في المنطقة.
عقدت دول عربية اتفاقات تطبيع مع العدو الصهيوني، منها كامب ديفيد ومنها اتفاق وادي عربة بين الاردن و»اسرائيل»، وتأجيراغوار الاردن الخصبة زراعيا الى «مستوطنات اسرائيلية» لمدة 90 سنة.
كما احتلت «اسرائيل» الجولان السوري، واحتلت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في لبنان والقرى السبع، التي هي ارض لبنانية خالصة.
اثر حرب 2006 ، كتبنا في الديار ان القرار 1701 غير عادل، ويجب ان يكون متوازنا من خلال عزل القوات المسلحة من الطرفين، من جهة العدو الاسرائيلي ومن جهة شمال الليطاني، لكنهم اجابونا بأن الديار تزايد عليهم، والذين قاموا بذلك ارتكبوا خطأ وطنيا كبيرا، ان لم نقل اكثر من ذلك، والآن ندموا على ذلك وبدأوا يطرحون ما طرحته الديار يومها.
المسألة اليوم هي ليست فقط قطاع غزة، الذي يريد العدو الاسرائيلي ابتلاعه، وتهجير الشعب الفلسطيني الى سيناء من خلال حشر اهالي القطاع في منطقة محافظة رفح، وبالتالي دفعهم نهائيا نحو الرجوع الى معبر رفح، والضغط على الشعب المصري للسماح لهم بالدخول، بسبب حالتهم الصعبة من كل النواحي المعيشية والاستهلاكية والمالية والطبابة وفقدان العائلات وسقوط آلاف الشهداء.
المسألة اليوم هي مسألة وجود او لا وجود، ولا يمكن اختصارها فقط بقطاع غزة، ولا بعدد الشاحنات الغذائية، بل هي حرب وجود للحق الوطني الفلسطيني الذي يحارب عقيدة صهيونية دينية متخلفة وحشية بربرية لا مكانة للاخلاق لديها. وللاسف فان الدول العربية ساكتة، وحتى لا تترك شعوبها تتظاهر ضد الاعمال الوحشية الاسرائيلية.
خلال يوم ونصف، استشهد 724 مدنيا من قطاع غزة وجرح اكثر من 1600 فلسطيني لا يجدون مستشفى لهم تستطيع معالجتهم.
لكننا واثقون بأن مقاومة كتائب القسام وسرايا القدس والشعب الفلسطيني كله، الذي اصبح في خندق المقاومة في قطاع غزة، سينتصرون على العدو الاسرائيلي بالنتيجة، وهذا «الجندي الاسرائيلي» الجبان الذي لا يتجرأ على اقتحام نفق واحد، يقابله مقاتل فلسطيني شرس يلبس ثيابا ممزقة، ولا يحمل مسدسا على وسطه، ولا يضع خوذة فولاذية على رأسه، بل يسير مشيا على الاقدام حاملا القاذفة «الياسين 105 « ليطلقها من مسافة صفر على الدبابة الاسرائىلية، فيما «الجندي الاسرائيلي» المعادي لا يتجرأ على النزول من دباباته ومن عرباته المدرعة.
امس، صرح وزير الدفاع الاميركي اوستن بأن قتل المدنيين خطأ استراتيجي، لكنه انهى كلامه بأن الحلف الاميركي – «الاسرائيلي» غير قابل للتفاوض، وهو مستمر مهما كانت الظروف.
ان اكبر دولة مارقة تصف غيرها بأنها دول مارقة وتفرض عليها عقوبات، هي الولايات المتحدة التي تقوم بتسليح جيش العدو الاسرائيلي بجسر جوي وصواريخ وقنابل من كل الانواع ، ومع ذلك فان العملية البرية الاولى التي استمرت 56 يوما لم تجعل «الجيش الاسرائيلي» يتقدم باتجاه ضرب المقاومة في قطاع غزة.
ان العملية البرية الثانية محكوم عليها بالفشل ايضا، لان المقاتل الفلسطيني هو مشروع شهيد، والمقاتل الصهيوني هو جبان يختبئ وراء عرباته المدرعة.
على كل حال، المسألة لن تكون قطاع غزة فقط، ولن تكون شاحنات اغذية كي تدخل القطاع، بل هي قضية وجود ومفترق طرق كبير، سيحدد مستقبل الصراع بين العقيدة الصهيونية الدينية الجامدة، وبين الحق الوطني الفلسطيني بارضه وحقوقه وسيادته على كل قراه وكل مدنه وكامل فلسطين مهما طال الزمن.
ويا زمن مهما طالت بك الايام، فاننا لمنتصرون.