الخنجر في خاصرة… يهوه
تصوروا أن يقول برتار ـ هنري ليفي، كمرشد روحي ليهود القرن (طبعاً بعد وفاة الملك داود) ” الاسرائيليون يفضلون أن يلقي عليهم الأميركيون القنبلة النووية على أن يفرضوا عليهم الدولة الفلسطينية”. دعوته للرئيس الأميركي “لا تغرز الخنجر في خاصرة يهوه” (أي في خاصرة الله).
من يسعى الى اقامة الدولة الفلسطينية سيكون أكثر وحشية بكثير من الفوهرر، بعدما تمكن اليهود بـ “نضالهم على مدى ألفي عام من العودة الى أورشليم، استعداداً لبناء الهيكل الثالث”. في هذه الحال، لن تكون الادارة الأميركية فقط في مواجهة مع التاريخ، بل في مواجهة مع الله، ليسأل، باللغة التوراتية اياها “من ينتصر أخيراً؟”.
هذه مقتطفات من حوار أجراه زميل عربي ـ فرنسي مع الفيلسوف الفرنسي الذي ولد في الجزائر، ولطالما وصفناه بـ “القنبلة العنقودية” لأن شظايا مقالاته تدق، عادة، على الأبواب العالية في العالم، كما في العالم العربي.
صاحب “الحرب التي لا نحبها: يوميات كاتب في قلب الربيع العربي” وصفه فلاسفة فرنسيون مثل جيل دولوز، واستاذه جاك دريدا، والمؤرخ بيار فيدال ناكيه بـ”الخديعة الفلسفية” (أو الفقاعة الفلسفية)، كما وصفه الفيلسوف كورنليوس كاستوريدس بـ “امير الفراغ”، يستغرب كيف أن الأميركيين يمكن أن يتبنوا نظرية التعايش بين القاتل (الفلسطيني) والقتيل (الاسرائيلي) تحت سقف واحد، وهو الذي رأى في عملية “طوفان الأقصى” واحدة من أكثر العمليات همجية في التاريخ.
بطبيعة الحال لم ير غزة، وقد أصبحت “هيروشيما القرن”، كما لم ير آلاف الأطفال وهم يدفنون في مقابر جماعية. كيف يمكن للفلسفة أن تكون عمياء (ولاأخلاقية) الى هذا الحد ؟ ولكن متى اعتبر حاخامات الثقافة وحاخامات السياسة أن الفلسطينيين كائنات بشرية ويحق لها، كما سائر الآخرين، الوجود على سطح الأرض؟
ليفي يقول ما يقوله اركان اليمين في الدولة العبرية. اذا كانت الفصائل قد استطاعت، وهي داخل الحصار، الاستحصال على كل تلك الصواريخ والأسلحة، ماذا يمكن أن تفعل اذا ما قامت الدولة ولو “على أساس ذلك المصطلح الغبي… الدولة المنزوعة السلاح”؟
حتى من الناحية الايديولوجية، لا مجال لانشاء الدولة الفلسطينية فوق “ارض الميعاد”. لا مشكلة لدى بسلئيل سموتريتش باقامة هذه الدولة في جهنم”أعتقد أن ثمة مساحة كافية لدولة مستقلة هناك”!…
آخرون من اليمين المتطرف يرون أن البلدان العربية تكاد تكون خالية من السكان، قياساً على حجمها الجفرافي، ما يمكنها من تخصيص قطعة أرض لايواء الفلسطينيين، وحتى لاقامة دولتهم عليها. وهذا هو الحل المثالي لدخول الشرق الأوسط في حالة من السلام ـ بالرؤية التوراتية ـ وحيث الحمل يمشي جنباً الى جنب مع الذئب.
ما حدث في 7 تشرين الأول، وما أعقبه، زاد في جنون أهل اليمين في اسرائيل. مساحة غزة لا تتعدى الـ 365 كيلومتراً مربعاً. القيادات السياسية، والعسكرية، اعتادت الاستيلاء على آلاف الكيلومترات في غضون ساعات. بعد فضيحة الدفرسوار في حرب 1973، قال آرييل شارون “لو شئنا لوصلت دباباتنا الى القاهرة”.
لكن ما حصل كان صادماً، بل مروعاً، للمؤسسة اليهودية. لا تكافؤ، على المستوى المعنوي، بين المقاتل الفلسطيني الذي يكاد أن يكون حافياً والجندي الاسرائيلي المدجج بالدروع، والمزود بأشد الأسلحة هولاً. مقاتل فلسطيني قال “اننا نصطادهم مثلما نصطاد الأرانب”.
كل الدلائل تؤكد أن الضباط يقودون جنودهم بطريقة هيستيرية. فضيحة قتل الأسرى الثلاثة بـ “الخطأ”، كما سقوط الجنود بـ “نيران صديقة”، تكشف مدى العشوائية، ومدى الجنون، في ادارة المعارك، لا بل أن خبراء عسكريين يتحدثون عن “قتالنا ضد الأشباح”.
بعد اكثر من 70 يوماً، لم يرفع ـ ولن يرفع ـ الفلسطينيون الرايات البيضاء. ما ورد من معلومات الى جهة حليفة في لبنان أن باستطاعتهم الصمود حتى آخر عام 2024. الاسرائيليون يتوقعون آخر آذار.
أزالوا كل أثر للحياة في غزة. ولكن هل بامكانهم قتل “الروح الفلسطينية”؟ استذكرت لقائي الصحافي الأول مع جورج حبش الذي قال “عندما قرأت التوراة علمت من هو أدولف هتلر”…
الحل؟ أن يضرب الملك داود رأسه بالحائط و… يغادر !!