مقالات

خمسة وسبعون يوماً على جبهة الحدود اللبنانية

ناصر قنديل-البناء
– مع مرور خمسة وسبعين يوماً على فتح النار من الحدود اللبنانية تكون أول حرب من نوعها ومدتها قد مرت على الجنوب واللبنانيين والمقاومة، حيث التقابل عبر الحدود بين قوتين تحذران الانزلاق نحو حرب شاملة، وتدّخر كلّ منهما قوّتها النارية التدميرية للردّ على استخدام الأخرى لما لديها، وتوازن الرعب الحاكم حاضر في كلّ لحظة من لحظات من يوميات الجبهة، ومع توازن الرعب الذي يحضر لأول مرة في تقبلّ جيش الإحتلال وتأقلمه مع معادلة استهداف عبر خط الحدود، ويرتضي التعامل معها بالردود المماثلة دون الذهاب الى الحرب الشاملة، بعد عقود كان خلالها يكفي ما يجري في يوم واحد من الأيام الخمسة والسبعين ليذهب الى الحرب الشاملة، كما يحضر توازن الرعب في تعامل سكان الجنوب ومستوطني شمال فلسطين المحتلة مع التهجير المتقابل، الذي يحدث هو الآخر لأول مرة، بعد عقود كان كلّ توتر يعني تهجيراً على ضفة واحدة، هي الضفة اللبنانية.
– يرصد الخبراء العسكريون الذين يتابعون أوضاع الجبهة، ما توثقه المقاومة من تغييرات في هيكلية القوى التي تنتشر على الجبهة الشمالية لجيش الاحتلال، ويتحدثون عن ثلاث مراحل، مرحلة أولى تمتدّ من طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الى نهاية تشرين الأول مع بدء الحرب البرية على غزة، وفيها كانت أغلب القوات التي تتولى الجبهة مع لبنان، من قوات الاحتياط وبعض القوى النظامية تحت لواء الفرقة 91، أما المرحلة الثانية فتمتدّ طوال شهر تشرين الثاني، وفيها كانت الجولة الأولى من الحرب البرية التي شملت شمال قطاع غزة، واستمرت حتى بدء الهدنة، وشهدت توضيع قوات من النخبة والقوى النظامية المحترفة، وإعادة توزيع بنيوية لتركيبة الجبهة بصورة توحي بفرضية التحسّب لاحتمال التدحرج نحو الحرب الشاملة، بما فيها خطر قيام المقاومة باختراق خط الحدود، أما المرحلة الثالثة التي بدأت مطلع هذا الشهر مع بدء الجولة الثانية من الحرب والتي تركزت على جنوب غزة، فقد شهدت نقل وحدات محترفة ووحدات نخبة، تعادل نصف القوة التي تمّ جلبها الى جبهة لبنان، بصورة تتيح الربط بينها وبين حجم خسائر جيش الاحتلال في غزة وحاجته لترميم هياكل وحداته المقاتلة هناك بقوى محترفة ونخبوية، دون أن يخلي جبهة لبنان، واذا كان يمكن إطلاق أوصاف على المراحل الثلاث، فالمرحلة الأولى هي مرحلة الذهول، والثانية مرحلة الجنون، والمرحلة الثالثة مرحلة التشويش والإرتباك…
– يؤكد الخبراء أنه على مستوى ناتج العمليات عبر الجبهة خسر جيش الاحتلال على الصعيد البشري أقلّ مما خسرت المقاومة، بنسبة واحد الى ثلاثة، وهذا طبيعي فالمقاومة لا تقاتل من ضمن تحصيناتها، لأنها تحتفظ بها لمرحلة الحرب الأعلى مرتبة، هذا إضافة الى انّ المقاومة هي المبادرة في الهجوم، خصوصاً في المرحلة الأولى، باستخدام أسلحة تستدعي التقرّب من الهدف، لأنها تحتفظ بالكثير من أسلحتها النوعية لمراحل متقدمة من الحرب، لكن حاصل المواجهة في هذه الأيام من الزاوية العملياتية يقول انّ المقاومة وقد خسرت بعض نقاط الرصد والمعلومات فإنها أعادت ترميم أغلب ما خسرته وهي اليوم بجاهزية معلوماتية تعادل 95% مما كانت عليه في اليوم الأول، بينما خسر جيش الاحتلال 95% من قدرته على الرؤية والتنصّت، والتشويش الالكتروني، وخسائره من نوع يصعب ترميمه بذات الكفاءة والفعالية، وبينما يحول تنقل وحدات جيش الاحتلال وتبديلها السريع، مراكمة الخبرات التي وفرتها الأيام القتالية، بينما ما استفادته المقاومة من اختبار أسلحتها والقيام بمناورات بالذخيرة الحية في حال حرب لكوادرها وتشكيلاتها، والتأقلم مع نمط حرب جديد، غير الذي عرفته في حرب 2006، أو في أيام المقاومة قبل العام 2000، أو في حرب سورية، يمثل كنزاً لا يقدّر بثمن لجهة رفع مستوى خبرتها وكفاءتها وجهوزيتها لأشكال جديدة من الحروب غير المألوفة.
– في حصيلة هذه الأيام الخمسة والسبعين المقاومة ليست قلقة من اليوم التالي، فجيش الاحتلال لا يملك جهوزية بشرية تتيح التحدث عن فرضية حرب، وتشكيلاته المقاتلة المحترفة منغمسة في حرب غزة، ويصعب تخيّل مخاطرته بحرب على الجبهتين، بل يصعب تخيّل ان يلجأ جيش الاحتلال الى خيار حرب على جبهة لبنان حتى لو توقفت الحرب في غزة، بحجم ما أصاب تشكيلاته القتالية وما أصاب الروح القتالية لجيشه يجعله بعيدا عن فرضية الحرب، أما احتمال اللجوء الى استخدام القدرة النارية لجيش الاحتلال ضدّ لبنان فدونه معرفة قادة الكيان بحجم ما لدى المقاومة من قدرات نارية موازية إنْ لم يكن أكثر مما لديهم، ويصل بعض الخبراء الى القول انّ قرار المقامرة بخوض حرب برية أو عملية نارية واسعة ضدّ لبنان سوف يجلب على الكيان كارثة تفوق احتماله، ولذلك تصبح خياراً مستبعداً.
– تبقي المقاومة الباب مفتوحاً لاحتمالي التدحرج نحو مستوى أعلى من المواجهة، ولذلك هي تقيس ضرباتها بنسبة وتناسب تحت سقف تفادي هذا التدحرج، لكنه يبقى احتمالاً وارداً، خصوصاً إذا ارتكب جيش الاحتلال بحق المدنيين ضربات توجب على المقاومة رداً مؤلماً، كما تبقي المقاومة الباب مفتوحاً لما أسماه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالاحتمالات المفتوحة تحت شعار ممنوع هزيمة المقاومة وعلى رأسها حركة حماس.
– يقول الخبراء العسكريون انّ ما أرادته المقاومة من جذب جسم رئيسي من بنية جيش الاحتلال القتالية وحرمانه من استخدامها في غزة، قد تحقق ويطهر يومياً من خلال الحاجة التي تتبين مع النقل الحذر لبعض الوحدات من النخبة الى جبهة غزة، وتطعيم بعضها بقوى الاحتياط وإعادة نشرها على جبهة لبنان، وانّ حرب الاستنزاف التي ولدت أزمة مهجري مستوطنات الشمال شكلت صداعاً دائماً لقادة الكيان ولا تزال، بمثل ما تشكل قضية الأسرى المحتجزين في غزة، والربح الإضافي للمقاومة فوق هذين الهدفين كان تراكم الخبرات وتدمير الببنية المعلوماتية لجيش الاحتلال على طول خط الحدود، ودائماً بقاء الجبهة ساخنة تحسّبا للاحتمالات المفتوحة بعيون مفتوحة على ما يجري في غزة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى