موازين القوى

الجيش يبحث عن “نقطة انكسار” وحماس تقضم “ذيله”: هل تتدحرج إسرائيل إلى “الصيغة اللبنانية”؟

الجيش يبحث عن “نقطة انكسار” وحماس تقضم “ذيله”: هل تتدحرج إسرائيل إلى “الصيغة اللبنانية”؟

 

هآرتس : عاموس هرئيل
أمس كان اليوم الأقسى على الجيش الإسرائيلي منذ بداية العملية البرية في قطاع غزة. قتل في حادثة خان يونس ثلاثة ضباط من لواء المظليين النظامي نتيجة إطلاق “آر.بي.جي”، وقتل في حادثة أخرى 21 من جنود الاحتياط الآخرين قرب الجدار الأمني أمام مخيمات اللاجئين في الوسط. أصيب الجنود بانهيار مبنيين، بعد أن أصابت قذائف “آر.بي.جي” مواد متفجرة إسرائيلية في أحد المباني وإحدى الدبابات. وأصيب خمسة جنود أيضاً في الحادثة.
الأحداث كثيرة الإصابات وقعت في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يزيد الضغط على حماس في خان يونس ويوسع حجم العملية هناك لتصل إلى غرب المدينة أيضاً، وهي المنطقة التي لم تسجل فيها أي نشاطات برية إسرائيلية منذ بداية الهجوم على خان يونس قبل حوالي شهر ونصف. صباح أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استكمال محاصرة المدينة. ولكن الخسائر الكثيرة إلى جانب بطء صفقة أخرى لتبادل الأسرى بصورة قد تكلف حياة مخطوفين آخرين، يتوقع أن تزيد الخلافات في أوساط الجمهور بخصوص استمرار الحرب ضد حماس.
شاهدت إسرائيل في السابق هذا الفيلم في حرب لبنان الأولى وفي فترة المنطقة الأمنية في جنوب لبنان. والولايات المتحدة شاهدته، بحجم أكبر، في حرب فيتنام في نهاية الستينيات. النقاشات تنقسم بدرجة كبيرة حول خط الانكسار السياسي القديم بين اليمين واليسار. ادعاء اليمين الذي يردده رئيس الحكومة أيضاً هو أنه لا طريقة للتقدم إلا بضرب العدو. وبحسب هذه المقارنة، تتكبد حماس خسائر باهظة. وأمس، قتل عشرات من رجالها في المعارك، وإذا استمر الجيش الإسرائيلي في ضربها بشدة فستصل إلى نقطة الانكسار التي قد تؤدي إلى عقد صفقة أسرى معها بشروط أسهل.
في المقابل، يزداد لدى اليسار قلق على حياة المخطوفين مع شعور بإلحاحية، فبدون إطلاق سراحهم بسرعة، سيموتون في الأسر أو سيختفون. حتى الآن بُلغنا بموت بعض المخطوفين في كل أسبوع. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن 30 جندياً ومواطناً مخطوفاً من بين الـ 136 في عداد الأموات. العدد الحقيقي للقتلى ربما يكون أعلى. أمس في نقاش الكنيست، كشفت مخطوفات تم تحريرهن عن تحرش جنسي بالنساء اللواتي بقين في الأسر. نتنياهو ووزير الدفاع غالنت (اللذان لا يوافقان على أي شيء آخر)، يواصلان إعطاء وعود بانتصار مطلق على حماس. ولكن هذا الانتصار، كما كان معروفاً من البداية عندما نثرت الحكومة وعوداً عديمة المسؤولية في منتصف تشرين الأول، يتباطأ. في ظل غياب انتصار واضح، وبدون مشاهد استسلام قيادة حماس، فإن إسرائيل تجر مرة أخرى إلى بديل معروف للجيوش المتفوقة في مواجهات من هذا النوع – إحصاء جثث العدو.
هذا مخرج إشكالي لعدة أسباب: أولاً، تنتقل حماس بسهولة كبيرة من نمط العمل العسكري المنظم نسبياً إلى نموذج حرب العصابات لخلايا صغيرة. ثانياً، عدد الخسائر الذي ينشره الجيش غير موثوق، كما يعترف بذلك الضباط الكبار. ثالثاً، إذا كان هناك مورد في القطاع فهم الشباب الصغار اليائسون الذين يكرهون إسرائيل، والذين سيفرحون بملء الصفوف. فترة الأعداد المطلوبة في الأصل غير طويلة، جزء كبير من المصابين في المعارك مؤخراً كان بسبب صواريخ الـ “آر.بي.جي”. هذا سلاح غير دقيق، والفلسطينيون استخدموه بشكل كبير ضد إسرائيل في حرب لبنان الأولى في 1982، حينها جزء كبير ممن يطلقون هذه الصواريخ كان يطلق عليهم “فتيان الـ آر.بي.جي”، أبناء 14 – 15 فما دون.
مع ذلك، من يدعو لعقد صفقة لتحرير “الجميع مقابل الجميع” يدرك بأنها صفقة تنبع من واجب أخلاقي سام يعزز مكانة حماس في أوساط الجمهور الفلسطيني، وستصعب إبعاده عن مراكز القوة إذا كنا نأمل في الوصول إلى “اليوم التالي” في القطاع. خلافاً لفيتنام، فإن الحرب التي تديرها إسرائيل هنا لا تتعلق بدولة تبعد آلاف الكيلومترات، بل بجيران وراء الجدار، حيث يتحصن حكم متوحش سبق وأعلن قادته بأن لديهم نية كامنة لتكرار أعمال القتل على صيغة 7 أكتوبر.
وقود للاحتجاج
الجهود العسكرية في خانيونس التي تتركز في مخيم اللاجئين غربي المدينة، ربما تزيد الضغط على قيادة حماس من أجل العودة ومناقشة صفقة جديدة للتبادل، بعد انهيار الصفقة الأولى ووقف إطلاق النار المرتبط بها في 1 كانون الأول. الخسارة الكبيرة لعدد كبير من الجنود في يوم واحد، معظمهم من جنود الاحتياط وكثير منهم آباء لأطفال، ستؤثر بشكل سيئ على المعنويات القومية.
على المدى البعيد، يجب رؤية إذا لم يكن لما حدث تأثير على روحية ما حدث أثناء القتال في لبنان – ترجيح الرأي العام لصالح حلول بديلة بدل استمرار القتال تحت كل الظروف. الخسائر الاستثنائية قد توفر الوقود لشعلة الاحتجاج – عائلات المخطوفين – التي تطالب بصفقة على الفور؛ وشعلة من يعارضون نتنياهو، الذين يطالبون بالإعلان عن إجراء الانتخابات الآن. يتولد الانطباع بأن الغضب العام لم يضعف بسبب إخفاقات حول شن الحرب، لكن في المقابل لم يشتعل إلى درجة موجة شعبية تعرض استقرار حكم نتنياهو للخطر. هكذا حدث في السابق، بالتدريج وببطء، في حرب يوم الغفران وحرب لبنان الأولى والثانية.
الادعاءات والاحتجاج بسبب مراوحة الحرب مكانها تزيد الانشغال باقتراحات موجودة على الأجندة حول صفقة تبادل ثانية. تسربت التفاصيل في البداية لوسائل الإعلام الأمريكية في بداية الأسبوع. منذ أمس، بعد أن زادت العائلات الاحتجاج، تم نشر تفاصيل أكثر في وسائل الإعلام الإسرائيلية. من المرجح أن الأمر يتعلق بمحاولة من نتنياهو كي يظهر للعائلات بأن هناك نقاشات جدية حول صفقة.
حسب التفاصيل، تتم مناقشة مبادئ صفقة على ثلاث مراحل، سيتم في إطارها إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين مقابل دفعة أولى تشمل “حالات إنسانية”، مرضى وشيوخاً ونساء؛ ثم دفعة ثانية تشمل مدنيين، ودفعة ثالثة تشمل جنوداً وأعضاء فرق طوارئ في المستوطنات (تسريبات من الوسطاء القطريين والمصريين تحدثت عن تقسيم مختلف قليلاً). إضافة إلى ذلك، يجري نقاش حول هدنة لشهرين أو ثلاثة أشهر، حيث تأمل حماس تحويلها إلى وقف كامل لإطلاق النار، ولكن إسرائيل ترفض التطرق إلى ذلك. وتم طرح موضوع تقليص قوات الجيش في مراكز السكان في القطاع أثناء تطبيق الاتفاق، ومسألة السماح لسكان شمال القطاع أو قسم منهم بالعودة إلى بيوتهم.
أسامة حمدان، أحد كبار قادة حماس الموجود في بيروت، نفى أمس تقارير تفيد بأن حماس تفحص خروج قادة حماس من القطاع إلى المنفى بعد وقف إطلاق النار. تم طرح الفكرة حقاً كما يبدو بين إسرائيل والوسطاء، لكن تصعب رؤية السنوار وجماعته وهم يقبلون مثل هذا الاقتراح، خصوصاً في وقت يعتقدون فيه أنهم ينتصرون في الحرب رغم الأضرار الفادحة التي تكبدها سكان القطاع. يبدو أن الفجوة بين الطرفين ما زالت كبيرة، لكن على الأقل يظهر أن الاتصالات قد تم استئنافها بصورة أكثر كثافة.
اقتصاد تسليح
في الساعات التي سبقت نشر بيان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي عن القتلى صباح أمس، فقد نشرت وسائل الإعلام عن قتال شديد في القطاع. هذه صيغة شيفرة معروفة لكل مستهلك إسرائيلي للأخبار، وترمز إلى أن هناك أنباء سيئة في الطريق، ولكنها لم تصل بعد إلى عائلات القتلى. ولذلك، لم يتم السماح بنشرها. مع ذلك، هناك شيء ما مضلل في هذا وصف القتال الآن. عملياً، كما ذكر في السابق، حماس لا تواجه الجيش الإسرائيلي من خلال استخدام تشكيلات عسكرية كبيرة، بل تحاول قضم ذيل الجيش بخلايا عصابات صغيرة. يكفي حماس نجاح أو اثنان يومياً لخلق انطباع بوجود مقاومة شديدة. أمس، كانت محظوظة وتسببت بخسائر كبيرة.
نفس الحادثة يجب على الجيش الإسرائيلي التحقيق فيها بشكل جذري رغم استمرار القتال. الجنود الذين أصيبوا ينتمون لفرقة غزة، وقد انشغلوا في الأسابيع الأخيرة بمهمة إقامة منطقة أمنية، وتدمير منهجي للمنازل والحقول بمسافة كيلومتر عن الحدود داخل الأراضي الفلسطينية. وهذا ما كان يفترض أن تستخدم من أجله مواد متفجرة عسكرية، لكنها تفجرت وقتلت الجنود.
عندما نشرت أبعاد الكارثة، طرح الجمهور أسئلة، مثل: لماذا لم يتم تفجير البيوت من الجو؟ وهذا له أسباب أساسية: الأول أن الجيش وسلاح الجو يديران “اقتصاد تسليح” ويحاولان الرقابة على استخدام الذخيرة الجوية للحفاظ على احتياطي لمواصلة الحرب، لا سيما إذا اندلعت حرب شاملة في الشمال. الثاني أن القصف من الجو يؤدي على الأغلب إلى أضرار أقل من تفجير كميات كبيرة من الألغام على الأرض، وبعد ذلك تقوم الجرافات بإخلاء الأنقاض. لذا، هذه هي طريقة العمل المفضلة وإن كانت هناك حاجة إلى فحص هل تم اتباع وسائل الحذر المطلوبة لتخزين الألغام إلى حين استخدامها المخطط له.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى