اخبار فلسطين

لا وجود لـ “اليوم التالي” إلا بعد احتلال القطاع كاملاً ودحر حماس “ولو تدريجياً”

لا وجود لـ “اليوم التالي” إلا بعد احتلال القطاع كاملاً ودحر حماس “ولو تدريجياً”

يديعوت : ميخائيل ميلشتاين

تلوح حادثة قافلة المساعدات في غزة الأسبوع الماضي كمفترق مركزي في تطور الحرب. التحقيق العسكري هو الجزء الهامشي في الحدث، والأهم منه الدرس الاستراتيجي المطلوب استخلاصه وفي مركزه فجوة حادثة فيما يتعلق بتصميم الحاضر والتخطيط للمستقبل في القطاع.

الحدث القاسي يفترض أن يشكل إشارة تحذير للكيان عن الواقع المتشكل في شمال قطاع غزة في الأشهر الأخيرة. فمع أن قوات جيش العدو الإسرائيلي سيطرت على المنطقة في بداية المواجهة لكنها خرجت في معظمها، الأمر الذي جعل المنطقة في حالة فوضى تسيطر عليها جيوب حكم مموهة لحماس إلى جانب عصابات مسلحة.

في السنوات الأخيرة، انطلقت غير مرة أصوات حول الحاجة لتحويل غزة إلى نموذج محلي من سنغافورة أو هونغ كونغ، في ظل الاستناد إلى الفكرة التي قبعت في مركز مفهوم 7 أكتوبر، وبموجبها فإن الحوافز الاقتصادية قادرة على تغيير الواقع وإخضاع الأيديولوجيا. أما المشاهد الحالية في القطاع فتنطوي على نقيض الرؤيا: نشوء واقع صومالي، في مركزه دمار الحيز العام ومعاناة مدنية.

هذا الوضع ليس نتيجة التأخير في البحث الإسرائيلي في استراتيجية اليوم التالي فحسب، فما بالك العثور على محافل تكون مسؤولة عما يجري في شمال القطاع. هو يعكس عملياً فجوة جذرية في المرحلة الثالثة من المعركة التي تقوم على أساس الاجتياحات و”الجهد المضاد”. وتستهدف الفكرة ظاهراً الوصول إلى القضاء التدريجي على حكم حماس، لكن ليس واضحاً متى وهل سيتحقق الأمر أصلاً، حين تتزايد الفوضى في الخلفية.

الدرس الاستراتيجي أنه لا قدرة على الانشغال في اليوم التالي أو في النظام الجديد في غزة دون حكم عملي في المنطقة والمكوث فيها على مدى الزمن. إن الإنجاز المبهر المتمثل بالسيطرة على شمال القطاع وضرب البنى التحتية لحماس في المنطقة يتبدد عقب خروج الجيش الإسرائيلي من تلك المناطق ويصعب عليه أن يترجم إلى تغيير استراتيجي.

الفوضى المتسعة تجسد الحاجة إلى التخلي عن أفكار غير قابلة للتطبيق مثل: الاستعانة بمحافل محلية مجهولة تثبت نظاماً عاماً ولا تكون مشاركة في الإرهاب، كما يشار في وثيقة المبادئ التي نشرها نتنياهو قبل نحو أسبوعين؛ تنمية عشائر مسلحة كبديل لحماس وللسلطة، من المعقول أن تصبح ميليشيات تشكل تحدياً للكيان سواء عملت من قبل حماس أو تنافست مع المنظمة؛ أو تنمية شمال غزة كـ “نموذج ازدهار” بخلاف “الجنوب المنفلت”.

من زاوية نظر الفلسطينيين: الأزمة في شمال القطاع تمثل إحدى نقاط الدرك الأسفل الأقسى في تاريخهم. فالحديث يعكس تفككاً اجتماعياً لجمهور يتخذ منذ بداية المعركة نهجاً سلبياً وعدمياً، دون إطلاق صوت نقد ضد حماس التي جرته لأشد الكوارث التي شهدها. هذه عودة إلى سابقة 1948، وفي مركزها غياب رؤية واقعية، إلى جانب التمسك بنموذج المعتدي المهزوم وعندها التمترس بمكانة الضحية والمطالبة بمساعدات خارجية. مثلما قبل 76 سنة، يقاد الجمهور إياه اليوم أيضاً، من قيادة ليست في الميدان (في المنفى أو في الأنفاق) ولا يجري بينها وبين الجمهور حوار يدل على مجتمع مدني فاعل. لقد أثارت الحادثة في غزة نقداً دولياً حاداً ضد الكيان إلى جانب بوادر انعدام ثقة في قدرتها أو رغبتها في إحداث تغيير استراتيجي حقيقي في القطاع، الأمر الذي وجد تعبيراً محرجاً له في المساعدات المدنية التي أنزلها الأمريكيون في غزة في المظلات أول أمس.

محظور التعاطي مع حدث القافلة كـ “خلل” عسكري أو إعلامي، بل كدليل على غياب أهداف واضحة واقعية في المستويين السياسي والأمني معاً. لن يقوم أي نظام جديد دون اجتثاث قدرات حماس العسكرية والحكومية، وهذا الهدف لن يتحقق دون السيطرة على كل قطاع غزة، وفي ظل استمرار التمسك بالأخيلة حول قوى خارجية أو محافل داخلية غير معروفة الهوية لتقوم نيابة عن الكيان بالعمل الصعب. هذه هي أقانيم يتعين على مقرري السياسة أن يستوعبوها ويترجموها إلى استراتيجية واعية وبعيدة المدى، وبالأساس أن يعرضوها على الجمهور والعالم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى