أعرف عدوك

غزة و”استراتيجية سنغافورة”: خطة نتنياهو لـ”اليوم التالي”.. وتطلعات إماراتية

غزة و”استراتيجية سنغافورة”: خطة نتنياهو لـ”اليوم التالي”.. وتطلعات إماراتية

يديعوت : رون بن يشاي

“اليوم التالي” بات هنا. يتبين أن لنتنياهو استراتيجية يعمل على تحقيقها بخطوات صغيرة وناجحة، الاستراتيجية لا تستهدف حل المشكلة الغزية فقط، بل ووضع أسس لتسوية بعيدة المدى لحل النزاع الصهيوني – الفلسطيني وفقاً لمدرسة اليمين – الوسط بالكيان. غير أن نتنياهو غير مستعد لعرض مخططه على جمهور الكيان والإدارة الأمريكية ولا حتى على الكابينت الموسع، خشية أن يؤدي هذا إلى تفكيك ائتلافه، فتحتدم المواجهة مع واشنطن ويفقد الكيان دعم الدول العربية التي تقيم معها علاقات من فوق الطاولة ومن تحتها. ولفهم نواياه، فإن على شركائه في الائتلاف وحلفائه في واشنطن أن يستمعوا جيداً إلى “لاءاته” المبدئية التي أعلن عنها، وتحليل المجريات على الأرض وفي الساحة السياسية. ونأتي هنا بأساسات المخطط، ونفصل الطريقة التي يعتزم بها رئيس الوزراء تحقيقها.

 

وفقاً لكل المؤشرات، نتنياهو معني بأن يصبح قطاع غزة كياناً منفصلاً، بمنزلة مدينة- دولة على نمط سنغافورة، لكن مجردة من السلاح ومرتبطة بالعالم الواسع في ممرين، بري وبحري، يسمحان للغزيين بالتحرك بحرية نسبية من وإلى القطاع، وإقامة علاقات تجارية واقتصادية مع دول أجنبية ويصطادون في مياه شواطئهم، كل هذا دون أن يمروا بالكيان. ومع ذلك، يراقب الكيان الحركة في الممرين لمنع تهريب الوسائل القتالية والمواد الخام التي تسمح بإنتاج السلاح وإقامة بنى الإرهاب.

 

الإدارة المدنية في القطاع، بما في ذلك إنفاذ القانون والخدمات العامة وجباية الضرائب وما شابه، يقوم به سكان محليون بإشراف مجلس أو منظمة يقامان بموافقة دولية، جسم يستمد صلاحياته من قرار مجلس الأمن أو منظمة إقليمية معروفة بموافقة الكيان. نتنياهو معني أن تكون الولايات المتحدة والإمارات ومصر والأمم المتحدة وربما البحرين أيضاً، في عضوية هذا الجسم. لهذه الدول والجهات مصلحة لإعمار قطاع غزة، جيوب عميقة بما يكفي كي يمولوا الإعمار، وإرادة للإبقاء على تجريد القطاع من السلاح ومنع أعمال الإرهاب كي لا تضيع الاستثمارات هباء. قطر التي تؤيد حماس، لا تستجيب للمعيار الأخير.

كان نتنياهو يود أن يجلس مندوبو الولايات المتحدة في “اللجنة الدولية المعينة” التي تدير أعمال القطاع ليضمن ألا يخرج الشركاء الإقليميون عن المخطط الذي يتفق فيه مع الكيان. ومع ذلك، لا يريد الكيان لجنود أمريكيين أن يعملوا في أرض القطاع نفسها كي لا يتهم في الرأي العام الأمريكي كمن جرهم للموت من أجله. بشكل مبدئي، يتطلع نتنياهو أن تكون السعودية أيضاً شريكاً في هذا الجسم. لكن هذا لن يحصل إلا إذا تحققت رؤية إدارة بايدن الإقليمية المشروطة بموافقة الكيان لحل الدولتين.

 

دحلان أيضاً في الصورة

يفترض أن يكون للإمارات دور في المخطط المستقبلي. يشخص الكيان مصلحة إماراتية لأن تصبح الإمارات جهة إقليمية مؤثرة وخلافا لقطر كمتنفذة في الساحة الفلسطينية، لتثبت بأن اتفاقات إبراهيم تخدم المصلحة العربية والإسلامية بعامة. كما أن للإمارات وسائل مالية للاستثمار في إعمار غزة. إسرائيليون زاروا أبو ظبي مؤخراً يلاحظون نية للربط بين إعمار القطاع ومشروع اقتصادي- سياحي وربما تكنولوجي أيضاً، تجني منه الإمارات مردوداً عظيماً. والنموذج هو المشروع السياحي الذي تخطط له الإمارات في رأس الحكمة في مصر على شاطئ البحر المتوسط بعد أن اشترت الأرض بمبلغ عظيم يقدر بـ 35 مليار دولار. وكُيّف قطاع غزة بأن يكون مشروعاً مجدياً أكثر بكثير من قطاع الشاطئ المصري الهزيل، لأن قطاع غزة يعيش فيه مئات آلاف الشبان من ذوي المؤهلات والقدرات المهنية العالية.

 

كما يجدر بالذكر أن محمد دحلان يسكن في الإمارات منذ سنين، وهو غزي الأصل، ويعمل الآن مستشاراً للحاكم الفعلي، ولي العهد محمد بن زايد، ويحظى بأذن منصتة ودعم من القاهرة أيضاً: ما يجعله مرشحاً مناسباً لإدارة الحكم المدني في القطاع بعد الحرب من زاوية نظر الكيان أيضاً.

 

بالمناسبة، نتنياهو ليس الأول الذي يريد جعل غزة سنغافورة الشرق الأوسط. سبقه رئيس الدولة ورئيس الوزراء الراحل شمعون بيرس الذي رأى في ذلك جزءاً من رؤياه لـ “الشرق الأوسط الجديد”.

 

لكن من السابق لأوانه أن نرى في مخطط نتنياهو موضوعاً منتهياً، لا لأن وضع نهاية للحرب ما زالت غامضة، بل لأن الخطة تثير معارضة من الحائط إلى الحائط. ليس صدفة أن رئيس الوزراء يبقي أوراقه قريبة من صدره ويحاول بوسائل تلاعبية أن يحرك الجهات ذات الصلة في المواجهة الغزية لاتخاذ خطوات تتطابق وخطته.

 

يقال في صالحه إنه كان أول من شخص إمكانية إقامة الممر البحري من قبرص إلى غزة. وكشف ايتمار آيخنر مراسل “يديعوت” هذا الأسبوع بأنه بعد وقت قصير من السبت اللعين، وبعد أن قرر الكابينت قطع العلاقات المدنية والاقتصادية مع قطاع غزة، اقترح نتنياهو في حديث مع الرئيس بايدن إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر البحر من قبرص بعد اجتياز فحص إسرائيلي وتكون بمرافقة سفن سلاح البحرية حتى إنزالها في شاطئ غزة. ويدعي مقربو رئيس الوزراء بأن هذا الحديث جرى في 22 أكتوبر 2023 لأن رئيس الوزراء طرح الفكرة بعد أسبوع من ذلك على رئيس قبرص نيكوس خريستودوليدس الذي تبناها بلا تحفظ.

في نهاية كانون الأول، سافر وزير الخارجية في حينه إيلي كوهن إلى قبرص للعمل على الفكرة، وفي الفرصة إياها دشن “مركز التنسيق متعدد الغايات” (ZINON) الذي يفترض أن ينسق فحص الشحنات المخصصة لغزة من قبل “الشاباك” وغيره من الجهات بالكيان.

 

يمكن الافتراض بأن إقامة الرصيف العائم على شاطئ غزة هذه الأيام هو جزء من مبادرة أصيلة لرئيس الوزراء تخدم “استراتيجية سنغافورة” خاصته. ويبدي نتنياهو الآن مؤشرات واضحة على أنه لن يعارض إذا كان الرصيف الأمريكي الذي سيبدأ في غضون بضعة أسابيع بإدخال المساعدات الإنسانية بكميات هائلة عبره سيستبدل في المستقبل ببناء دائم يبنى في شمال القطاع، على ما يبدو بتمويل إماراتي وربما أيضاً بحريني وسعودي.

 

المساعدة البحرية التجريبية الأولى وصلت قرب الشاطئ شمالي القطاع قبالة ممر “نتساريم” جنوب مدينة غزة.

 

ليس هذا هو المشروع الأمريكي الذي أعلن عنه الرئيس بايدن هذا الأسبوع في خطابه، بل مبادرة مشتركة من المنظمة الإنسانية المدنية World Central Kitchen (WCK) والإمارات. المنظمة التي توزع وجبات على المحتاجين في وسط القطاع وجنوبه، جمعت التبرعات المالية والغذاء، بينما استأجر دحلان عن الإمارات ناقلة Open Arms التي أبحرت تحت علم إسباني. الشحنة وفيها 180 طناً من الطحين واللحوم والمنتجات الغذائية الأخرى، حُملت في ميناء “لارنكا” على عبّارة ربطت بحبل إلى الناقلة التي أبحرت من هناك الثلاثاء من هذا الأسبوع. هذا الترتيب ضروري لأن المياه على مسافة بضع مئات الأمتار من شاطئ قطاع غزة ضحلة جداً ولا يمكن أن ترسو فيها سفينة نقل قرب الشاطئ. العبّارة المسطحة بالمقابل، يمكن دفعها إلى الأمام وإنزال رزم الغذاء منها إلى الرصيف القصير الذي أقامته منظمة (WCK) ويستند طرفه الشرقي إلى رمال الشاطئ. هذا عملياً نموذج اختباري مصغر لما يعتزم الأسطول الأمريكي إقامته في المنطقة إياها حتى يدخل إلى قطاع غزة عبر البحر كميات من الغذاء والاحتياجات الحيوية لحجوم أكبر بثمانية أضعاف.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى