مقالات

حوار وطنيّ لدعم فلسطين وحماية لبنان

أحمد الأيوبي-نداء الوطن

جاء «طوفان الأقصى» ليُغرِق الساحة اللبنانية بالمزيد من الأعباء الثّقال وليقذف بالاستحقاق الرئاسيّ المُلحّ والمعطَّل إلى المزيد من الفراغ والتأجيل القاتل وليُضيف إلى التحديات السياسية والأمنية تحدياً مفصلياً يمكن أن يُدخل البلد في أتون حرب إقليمية ضروس، وسط اضطرابٍ في الرؤية وفي كيفية التعامل مع هذا المُستجِدّ الكبير الذي يضع اللبنانيين أمام حدود التضامن الواجب إنسانياً وعربياً ودينياً، وحدود المخاطر الناجمة عن انخراط «حزب الله» في المواجهة.

لا يمكن التقليل من أهميّة عملية «طوفان الأقصى» على جميع المستويات، حيث أثبتت «حماس» قدرة متقدمة على تطوير إمكاناتها الأمنية والعسكرية لتكون قوّة لا يمكن إزالتها إلاّ بأثمان هائلة على إسرائيل وإن كان الثمن باهظاً على الشعب الفلسطيني. لكنّ نجاح حماس في «طوفانها» لا يعني نجاح المحور الإيراني في إدارة المواجهة، لأنّ حدود تدخّله مرسومة بالبيكار الأميركي الدقيق من دون ارتجاج، وقد وصلت الرسائل إلى الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري بضرورة ضبط «حزب الله» للوضع على الحدود لأنّ تداعيات تدخله ستكون خطرة على لبنان الدولة والشعب والجيش.

يحاول «حزب الله» تشكيل مقاومة فلسطينية تكفيه التدخل المباشر، وهو يلعب مع الإسرائيليين لعبة الأهداف المتعادلة لتبقى جبهة الجنوب مستقرّة، لكنّ هذه اللعبة ليست مضمونة لأنّ الخطأ غير المحسوب وارد في أوقات التوتر العالي الممتدّ من فلسطين إلى المنطقة بأسرها.

وتحرّك الرئيس ميقاتي في الدائرة الضيقة التي يحكمها الواقع السياسي والاستراتيجي على رئاسة الحكومة منذ عقود، وسعى إلى إبراز أهمية العمل الدبلوماسي لإبقاء خطوط الأمان فعّالة، خاصة أنّ صيغة التواصل الأميركية مع الرئاستين الثالثة والثانية لم تحمل صيغة التهديد بل اتسمت بلغة دبلوماسية هادئة… فيما لا يصعب على أحدٍ الاستنتاج بأنّ الانخراط في القتال من الجنوب سيعني تعريض لبنان لمخاطر لا يمكن تصوّر نتائجها والجميع يعلم أنّ البلد لا يحتمل أبداً مثل هذا الانزلاق وهو الغارق أصلاً في كوارثه الاقتصادية وفراغه الرئاسي المتمادي.

وسط هذا التوجّس برز موقف لافت للرئيس فؤاد السنيورة الذي تقدّم بطرحٍ عمليّ يحمل إمكانية التطبيق تنطلق من نقطة تأكيد احترام «الخطوة التي أقدم عليها رجال المقاومة الفلسطينيية» باعتبار أنّها «غيرت كل المقاييس بإنهاء أسطورة ما يسمى الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر»، ثمّ نقل التفكير إلى كيفية الحفاظ على هذا الإنجاز حتى يصل إلى مرحلة الحصاد لصالح الشعب الفلسطيني لأنّه يجب أن يُنظر إلى هذا التقدّم بأنه «خطوة على صعيد إعادة قضية فلسطين لكي تبحث على الطاولة بشكل صحيح».

الطرح العمليّ الذي تقدّم به السنيورة يتلخّص بأنّ «هناك إمكانية أن يبادر الرئيس ميقاتي إلى تكوين هيئة وطنية وأن يعمل للقيام بهذا الجهد، ويجب أن يكون هذا الجهد قادراً على تجييش الشعب اللبناني كله ويكون له جبهة واحدة متراصّة بعيداً عن الأحلام وبعيداً عن المغامرات، وقادراً على أن يستفيد من القدرات والميزات التفاضلية التي يستطيع لبنان أن يقوم بها من أجل أن نخوض هذه المعركة الدبلوماسية والسياسية وأن ننجح فيها ليس فقط بالنسبة للبنان، ولكن على الصعيد العربي أيضاً».

يعيد الرئيس السنيورة هنا التذكير بأنّ المواجهة الدبلوماسية والإعلامية لا تقلّ أهمية عن المواجهة العسكرية، وتجربته خلال عدوان العام 2006 رغم ما تعرّضت له من تشويه لا يشطب تسمية الرئيس بري لحكومته بأنها حكومة المقاومة الدبلوماسية، ومن الواضح أنّ حركة «حماس» تحتاج إلى غطاء دبلوماسي عربي في مواجهة الحملة الأميركية الغربية الشرسة الهادفة إلى «دعشنتها»، وإلى جهد إعلامي ضخم لدحض مزاعم بدأ المسؤولون الأميركيون يعترفون بأنّهم خُدعوا بها، ومع التخلّي الإيراني الواضح من خلال موقف مرشد الثورة علي خامنئي الذي تبرّأ شخصياً وعلى رؤوس الأشهاد من الوقوف وراء «طوفان الأقصى».

لطالما نادى «حزب الله» والرئيس نبيه بري بالحوار، مع ربطه بالألغام الدستورية الدافعة لرفضه من شريحة لبنانية واسعة، لكنّ دعوة السنيورة التي تتناسب مع توجهات ميقاتي، تـُعتبر الشكل المناسب لاجتماع اللبنانيين على قضية عادلة للحوار حول كيفية مساندة الشعب الفلسطيني وحماية لبنان في الوقت نفسه.

تقع على الرئيس ميقاتي مسؤولية الدعوة لهذا الحوار وهناك إمكانية لمشاركة «حزب الله» فيه لأنّه على الأرجح وحتى الساعة هناك قرارٌ إيرانيّ بعدم التدخّل، ولعلّ جلوس القوى السياسية المختلفة لنصرة الحقّ الفلسطيني والتشاور حول مسألة الحرب والسلم في لبنان يشكّل تمريناً جيداً للحزب، فربما تكون هذه اللحظة الإقليمية والدولية هي الأنسب لفتح هذا الحوار.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى