هل ورّطوا “حماس”؟ هل تخلّوا عنها؟
جان عزيز -أساس ميديا |
هُزمت إسرائيل في 7 أكتوبر.
سقط الكيان. انتهى مشروعاً ومفهوماً. كيف؟
يكفي أن نتذكّر أنّه في الأساس عملية استيطان. أي أن يأتي أناس من أماكن أخرى، ليقيموا في هذا المكان. وليصير هنا موطنهم البديل. على مدى نحو قرن كامل كانت هذه هي الصورة.
في 7 أكتوبر ظهرت صورتان مناقضتان: صورة هؤلاء الناس بالذات وهم يهربون من مستوطنهم في المستعمرات.
وصورتهم وهم يهرولون صوب المطار يتهافتون لمغادرة الكيان – المشروع.
صورتان كافيتان للتأكيد أنّه سقط…
فجأة تغيّر شيء ما في ستّة أيام. أسرار وألغاز وأسئلة وتطوّرات. ماذا حصل؟ ماذا يحصل وسيحصل؟
************************************
بعد الهجوم المباغت الذي شنّه مقاتلو “حماس” في 7 تشرين الأوّل، سرت موجة كرّست الانتصار بشكل دامغ ونهائي.
لوهلة بدا وكأنّ الحرب انتهت وتأكّد المنتصر والمهزوم وطُويت صفحة أليمة وبدأ الاحتفال.
خامنئي اتّصل مهنّئاً. إسماعيل هنيّة خرج خطيباً محتفياً عن حق بإنجاز حركته. الساحات المتاحة بعد لذكر فلسطين عربياً، امتلأت بأهازيج المنتشين بما تحقّق.
حتى إنّه في مكان ما بدأ الهمس حول موعد زوال الكيان. ظهرت للمرّة الأولى جديةً شعارات “موعد على العشاء في تل أبيب”.
على مدى يومين أو أكثر صار الكلام والبحث متركّزين على أسئلة من نوع: كيفية انتصار “حماس” وخلفيّات انتصارها، وحول نتائج زوال الكيان وأبعاده. لم يعد هناك كلام آخر. وسالت هنا القراءات. وفيها الكثير من المعطيات:
قراءة أولى: الخديعة الكبرى
مفادها أنّ ما حصل في غزّة هو نتاج خديعة إيرانية محترفة للغرب والخليج. هي خطة مُحكمة بدأ الإعداد لها على طريقة حياكة السجّاد، بعد اتفاق بكين في 10 آذار الماضي، بين طهران والرياض مباشرة. يومها نفّذت واشنطن هجوماً مضادّاً باتجاه المملكة لاحتواء تداعيات الاتفاق أو هي اعتبرت أنّ الاتفاق نفسه بات يحمي ظهر السعودية إيرانياً وإسلامياً، بما يسمح لها بالتجاوب مع أميركا وفتح خطوطها صوب تل أبيب. أصرّت المملكة على شرط لذلك: المبادرة العربية للسلام ودولة فلسطين.
بدا أنّ الأميركي مستعدّ للمحاولة والضغط. وبدا أنّه جدّي في السعي إلى إنجاح التفاوض. كلّ ذلك كان كافياً لإثارة ذعر طهران. فبدأت تُعدّ للردّ. لا يمكن الردّ في اليمن بعد الآن. الردّ في العراق لا معنى له. في سوريا لن يؤثّر. في لبنان لن يلفت نظر أحد أو يسمع به مخلوق.
فكان خيار غزّة. هذا ما قيل عن بدء التخطيط لضربة طوفان الأقصى والثورة الكبرى.
قراءة ثانية: الكلّ يريد التخلّص من نتانياهو
هذه القراءة زادت على سابقتها بعض التفريعات. قالت إنّ ما حصل هو عبقرية حمساويّة في إدراك أنّ التخلّص من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ومتطرّفيه بات مصلحة إقليمية شاملة. بل ربّما دولية. أميركا والسعودية تريدان التخلّص منه لعرقلته مسار التطبيع. مصر تخشى تأثير جنونه على غزّة. وبالتالي على سيناء الهشّة حتى اللحظة بدواعشها و”قاعدتها”.
الأردن لا يحتمل غضب الضفّة ردّاً على صلف نتانياهو، وهاجس الترانسفير الجديد صوبه.
هكذا تكوّن مشهدٌ أقرب إلى “جريمة على قطار الشرق السريع”. الكلّ له مصلحة في قتل الضحيّة. إذا فعلت “حماس” سيصفّق لها الجميع، ولو قالوا في العلن أيّ شيء آخر… راهنت الحركة على هذه القراءة. ونجحت.
قراءة ثالثة: مصادفات.. أم مؤامرة؟
القراءة الثالثة تضيف إلى الثانية شيئاً من ملح نظرية المؤامرة. أصلاً، في ما تكشّف بعد الضربة من مفاجآت، أكثرُ من مؤشّر سرّيّ يزكّيها.
مثلاً، أجهزة أمنيّة إسرائيلية شاهدت ورصدت الحمساويّين يتدرّبون على مجسّمات تشبه المستوطنات. فاعتبرت ذلك تهويلاً لا جدّية له!
أجهزة مصرية حذّرت نظيرتها الإسرائيلية من معلومات عن هجوم وشيك. لم يقبضوها يعترفوا بجدّيّتها.
هل هي مجرّد مصادفات وتقصير؟ أم أنّه حتى داخل إسرائيل كان هناك من يريد التخلّص من نتانياهو، فسكت وغضّ الطرف؟
قبل أن يُصدموا جميعاً بحجم الانهيار، وقبل أن يخرسهم هول الكارثة التي لامست زوال الكيان، كانوا ربّما يريدون تسلّلاً محدوداً ببضع إصابات وضجّة إعلامية كافية لسقوط حكومته. فجاء الحدث اجتياحاً كاملاً وآلاف الضحايا وانهياراً لامس سقوط الكيان. فسكتوا وبلعوا ألسنتهم حتى سارعوا إلى تكذيب معلومات الأجهزة المصرية التي عادت وأصرّت فكذّبت التكذيب وجدّدت التأكيد أنّها حذّرت ونبّهت ونقلت معلومات… ولا من يردّ.
تطوّرات مقلقة
لكن بين تلك القراءات حول نصر “حماس”، بدأت تظهر تباعاً على الأرض وفي السياسة تطوّرات مقلقة. هذا بعض من ألغازها:
1 – بايدن وخامنئي يتّفقان: على تبرئة طهران من تحضيرات الهجوم. يكفي أنّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خرج وقال إنّ فدية الرهائن التي دفعها الرئيس الحالي جو بايدن لنظام الملالي قبل أسابيع، هي ما موّل الهجوم على إسرائيل، كي تُستنفر واشنطن كلّها للردّ والنفي والتنصّل والتكذيب.
لكن تدريجياً، بدا وكأنّ “التلاقي الأميركي – الإيراني” أبعد من مماحكات بايدن – ترامب الانتخابية.
2 – في إسرائيل: حكومة وحدة واستعداد علني لتوغّل برّي في غزّة. بعد تغوّل بربريّ همجيّ في قصفها. بما استباح قوانين الحرب كافّة.
3 – في جنوب لبنان: “كلّ شيء تحت السيطرة والضبط”. مناوشات طفيفة تحترم القرارات الدولية وتلتزم قواعد الاشتباك السياسية. لا بل تقدّم فروض الإجلال لمعاهدة “الرفيق” آموس هوكستين، بكلّ تفاصيلها والحذافير.
مع حرص غير مسبوق على لملمة الدم بالعدد والكلام والتشييع حرصاً ربّما على وطن شاغر من كلّ سلطاته ومسؤوليه وكي لا يشغر أيضاً ممّا بقي من شعبه.
4 – تكتمل المفاجآت بهمسٍ عن تطمينات لبنانية أُبلغت إلى أكثر من جهة دولية وأممية: “لكم كلمتنا وتعهّدنا. لن تتحوّل جبهة جنوب لبنان حرباً مفتوحة دعماً لأزمة حماس”.
قبل أيام كان الكلام والبحث حول المدى الذي ستذهب إليه “حماس” في قطف ثمار انتصارها. هل تعيد غزّة إلى ما قبل حصار 2007؟ أو تعيد الأراضي الفلسطينية كلّها إلى ما قبل أوسلو 1993؟ أم تقفز أبعد بالإنجاز، فتعيد فلسطين إلى ما قبل 1967 أو أبعد؟
في الساعات الماضية، صار البحث كلّه في كيفية تأمين الطاقة لمستشفياتٍ، يموت فيها ضحايا الهمجية الصهيونية مرّتين.
ما يدفع إلى طرح السؤال: ماذا حصل؟
هل تمّ توريط “حماس” مسبقاً؟ هل يُقبض ثمن انتصارها وتضحياتها في مكان ما لاحقاً؟
أم من المبكّر التقدير والتقرير بعد؟
في كلّ الأحوال، ثمّة ثابتة واحدة واضحة، وهي أنّ الفلسطيني هو من يدفع كلّ الثمن وحده.