موضوعات وتقارير

الكويت – فلسطين: حالة استثنائيّة

تشكّل العلاقة بين الكويت وفلسطين حالة فريدة، على مستوى دول الخليج والمنطقة، على الرغم من الرواسب السابقة، وهو ما يظهر في الموقف الرسمي الكويتي المتناغم مع مواقف التيارات السياسية والتوجّهات الشعبية.

ربّما تكون فلسطين الملفّ الوحيد أو من بين ملفّات قليلة جدّاً يتّفق عليها السواد الأعظم من أهل الكويت، ويؤيّدها الإسلاميون والليبراليون، والتيارات السنّية والشيعية، والقوى اليسارية، ومنظّمات المجتمع المدني.

ينعكس هذا الزخم الشعبي من خلال موقف الحكومة “الثابت والمبدئي في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، ومساندته وصولاً إلى حصوله على كامل حقوقه،‏ وأهمّها دولته المستقلّة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.

في ترجمة لذلك لم تمرّ ساعات قليلة على بدء عملية “طوفان الأقصى” ضدّ الاحتلال، حتى خرجت أوّل تظاهرة في الكويت عصر السبت الماضي، تلتها تظاهرة أخرى في اليوم التالي، تأييداً للشعب الفلسطيني وتنديداً بالإجرام الإسرائيلي في حالة فريدة بين دول الخليج. ونشطت حملة التبرّعات الرسمية والشعبية لتقديم المساعدات الإغاثية.

يعتبر الكويتيون أنّ موقفهم الداعم للفلسطينيين هو موقف مبدئي، على الرغم من الجرح الذي لم يندمل تماماً نتيجة وقوف “منظمة التحرير” الفلسطينية ومعها أطياف في تيارات “الإسلام السياسي” الفلسطيني، موقفاً من الغزو العراقي في 1990، اعتبرته الكويت سيّئاً ومعادياً.

من جهتهم، يرى الفلسطينيون في الكويت الدولة ذات القِيَم النبيلة، التي احتضنت ثورتهم منذ بداياتها ووفّرت لهم فرص العمل والعيش الكريم (بشكل خاص منذ 1948 حتى 1990)، ولم تبخل عليهم بالمساعدات وقت الشدائد، ولم “تلعب معهم” في السياسة أو تتدخّل في شؤونهم الداخلية وتدعم طرفاً على حساب آخر.

رسمياً، جدّدت الحكومة الكويتية التمسّك بموقفها، معتبرة أنّ “التصعيد الحاصل في قطاع غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلّة جاء نتيجة لاستمرار الانتهاكات والاعتداءات السافرة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني الشقيق”، ودعت “المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، إلى الاضطلاع بمسؤولياته وإيقاف العنف الدائر، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني الشقيق وإنهاء ممارسات سلطات الاحتلال الاستفزازية، وخاصة الانتهاكات المستمرّة لحرمة المسجد الأقصى المبارك وسياسة التوسّع الاستيطاني”.

نقَضَة العهود

إلى ذلك أصدر 45 نائباً بياناً مشتركاً شدّد على “دعمهم الكامل لحقّ الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والردّ على اعتداءاته وانتهاكاته، حتى تحقيق حرّيته”، معتبرين أنّ عملية “طوفان الأقصى” هي “الردّ الطبيعي على جرائم الاحتلال، وعمل مشروع للشعب الفلسطيني، الذي يسعى إلى ردّ العدوان ورفع الظلم عنه، وحماية مقدّسات المسلمين، وهي غايات لها قبول وفق الأعراف والقوانين الدولية، والصدى الطيّب والتأييد لدى العالم الحرّ”.

كذلك دعوا الشعوب والحكومات العربية والإسلامية إلى “دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته بكلّ الأشكال الممكنة، والاستمرار في عزل الكيان الصهيوني المجرم”، مع التشديد على “رفض التطبيع… فاليهود نقَضَة العهود”.

قوّة الحقّ

في السياق نفسه، أعربت قوى سياسية عن فخرها بعملية “طوفان الأقصى” ضدّ “الغزاة المحتلّين في داخل كيانهم الصهيوني الغاصب”، مؤكّدة أنّ “صاحب الحقّ يستطيع انتزاعه بالقوّة متى ما كانت الرغبة والحرص والإصرار والاستمرار في أبجديّات وأدبيّات الأمّة ومقاتليها”.

من جهته، رأى تجمّع “ثوابت الأمّة” أنّ “الموقف البطولي للشعب الفلسطيني أثبت أنّ القوّة والجبروت الصهيونيَّين المزعومين أوهن من بيت العنكبوت وأجبن من المواجهة”.

حملة إغاثة عاجلة

كما هي الحال في الكوارث والنكبات، أُطلقت حملتان لجمع المساعدات الإغاثية للشعب الفلسطيني، الأولى أعلنتها الحكومة عبر وزارة الشؤون الاجتماعية وجمعت في ساعاتها الأولى نحو مليون دينار كويتي (حوالي 3.2 ملايين دولار أميركي)، والثانية أطلقتها “جمعية الهلال الأحمر الكويتي” تحت شعار “أغيثوا فلسطين”، ودعت المواطنين والمقيمين في الكويت والقطاع الخاصّ والبنوك إلى التبرّع والمشاركة، مشدّدة على أنّها تعمل بشكل عاجل لتقديم كلّ دعم ممكن وتعزيز الاستجابة الإنسانية لمساعدة الأشقّاء الفلسطينيين، خصوصاً توفير بعض المستلزمات الإغاثية والطبّية والوقود والموادّ الضرورية التي تحتاج إليها مستشفيات غزّة، للتخفيف من صعوبة الوضع الإنساني في علاج الجرحى والمصابين.

النصر قادم بنا أو بغيرنا

انعكاساً للإجماع على “القضيّة”، عبّر نواب وكتّاب وإعلاميون وجمعيات ومنظّمات مجتمع مدني عن الفخر بالموقف الرسمي الكويتي، في حين كان لافتاً حجم التفاعل الشعبي في الفضاء الإلكتروني، والتعبير عن الاعتزاز ببطولات المقاومة الفلسطينية.

من ناحيته، نشر رئيس مجلس الأمّة السابق مرزوق الغانم، على حسابه في منصّة “إكس”، مقطع فيديو يتضمّن مشاهد لجرائم الاحتلال بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني، مع مقتطفات من خطاباته النارية التي ألقاها في أوقات سابقة في المحافل العربية والدولية، وعبّر فيها عن الدعم المطلق للشعب الفلسطيني، وقال في أحدها: “لن نلين ولن نخضع ولن نستكين، والنصر قادم بنا أو بغيرنا، وإنّني على يقين كامل وثقة تامّة أنّه لن يلبث أن يأتي يوم الفصل، الذي يعود فيه إلى أهله الحقّ المسلوب والوطن المغصوب، ذلك وعدٌ غير مكذوب، }والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون{“. وأرفق الفيديو بعبارات منها: “إنّ قضية فلسطين لن تموت لأنّها عقيدةٌ في قلب كلّ مسلم.. هل سمعتم أو قرأتم أنّ عقيدة يحملها ألف مليون في قلوبهم يمكن أن تموت؟ إنّ الناس يموتون في سبيل العقيدة، وما ماتت عقيدة قطّ من أجل حياة إنسان”. وقد حظي الفيديو بأكثر من 6 ملايين مشاهدة خلال فترة قصيرة، فيما أُعيد نشره وتداوله آلاف المرّات.

هذا واسترجع ناشطون وروّاد من وسائل التواصل الاجتماعي مواقف سابقة لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، وأبرزها أنّ الكويت ستكون آخر دولة في العالم تطبّع مع إسرائيل، وقوله لأحدهم “أتُريدني وأنا في التسعين من عمري أن أُقابل ربّي بالتطبيع وأبيع القدس؟ والله لن أُسجّل على نفسي هذا العار”.

الخصوصيّة

على الرغم من موقفها الواضح، لا تنتقد الكويت مواقف وقرارات الدول الأخرى التي يرى بعضها أنّ الوصول إلى الهدف المتمثّل بإقامة دولة فلسطينية وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، قد يكون “من الخارج إلى الداخل”، بدلاً ممّا كان مطبّقاً لعقود على أساس “من الداخل إلى الخارج”، أي أنّ إقامة علاقات مع إسرائيل ربّما تقود إلى إرساء السلام، بدلاً من انتظار إرساء السلام لإقامة تلك العلاقات.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى