الحكومة تواجه تحذيرات الغرب وتستعدّ للأسوأ
لم يحمل أي من الديبلوماسيين الذين توالوا على زيارة لبنان تطمينات، أو يتحدث بلهجة تبعث على الإرتياح. منذ بدأت عملية «طوفان الأقصى» غرق لبنان في مستنقع القلق المتمادي على امتداد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة.
ثلاثة وزراء خارجية تعاقبوا على زيارة لبنان من دون أن يحمل أي منهم تطمينات، بل كانت محاولات لوضع الحكومة في أجواء المواجهة العسكرية الدائرة وتداعيات الحرب الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني، وإسداء النصح للحكومة اللبنانية بالتفاوض مع «حزب الله» كي لا يدخل طرفاً في المواجهات فيتحمل لبنان وزر حرب لا طاقة له على تحمّلها.
ثلاثة تحذيرات تلقاها لبنان حتى اليوم، وتفاوتت مواقف وزراء خارجية تركيا وفرنسا وايران بين متخوّف ومهدّد ومطمئن.
اكتفى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان باستطلاع الأجواء، وحذّر من أنّ الحل يبدو بعيداً، فيما المنطقة عرضة لمواجهات قد يطول أمدها ما يهدّد بانفجار قريب في المنطقة.
أما وزيرة الخارجيّة الفرنسية كاترين كولونا فلم توارب أو تهادن، بل خرجت من ديبلوماسية بلادها المعهودة إلى حدّ الحديث بلهجة لم تخلُ من الفجاجة، فحذّرت من أنّ انخراط «حزب الله» في الحرب الدائرة سيكلف لبنان غالياً، وستكون حربة مختلفة عن الحروب السابقة، فلن يجد من يؤازره أو يعيد إعمار ما يدمّر، وقالت بصريح العبارة «إنّ العالم سيقف ضد لبنان متى انخرط «حزب الله» في المواجهة، وإنّ أوروبا بغالبيتها تعتبر أنّ اسرائيل تدافع عن القيم الغربية، بينما «حماس» تشبه «داعش»، وعلى «حزب الله» أن يقدّر عواقب خطواته».
وبدا واضحاً أنّ الاتحاد الأوروبي يتعامل تحت وطأة تأثير القرار الأميركي، وفي ظل التزام اليسار الصمت المطبق، فإنّ قوى اليمين هي التي تقود المعركة وتقف في الصفوف الأمامية في مواجهة الفلسطينيين إلى جانب اسرائيل، وهذه مفارقة تستحق التأمل، خاصة حين تنضم سياسية من وزن مارين لوبان الى المدافعين عن اسرائيل، فيما وقف والدها سابقاً ضد الاجتياح الأميركي للعراق.
لكنّ الموفد الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وإن هدّد بنفاد الوقت، لكنه عبّر عن ارتياحه لسير الحرب لصالح محور المقاومة، ملمّحاً إلى وحدة الساحات في المواجهة متى كان ذلك ضرورياً. وكان هدف زيارته شكلياً لناحية البعث برسالة أنّ بلاده تقف خلف دعم الفصائل الفلسطينية في مواجهتها اسرائيل، وأنّ «حزب الله» معني بالمعركة ومنخرط فيها.
أظهرما قالته الوزيرة الفرنسية أنّ علاقة بلادها بـ»حزب الله» تدهورت لتبلغ حد القطيعة، فيما «الحزب» الذي تلقى من رئيس الحكومة فحوى التحذيرات الفرنسية والأميركية التي نقلتها السفيرة الأميركية، لم يجد نفسه معنياً بنقل تطمينات لا إلى الحكومة اللبنانية ولا إلى غيرها. ففي الاجتماع الذي ضمّ ميقاتي إلى المعاون السياسي الحاج حسين الخليل لم يخرج بنتيجة واضحة على شاكلة وعود أو تطمينات، ومن بعدها لم يعد «حزب الله» يولي أهمية للإفصاح عن سير المعارك باعتبار أنّ الغلبة لساحة المواجهة التي تحدّد وحدها مسار التطورات.
يترك «حزب الله» للمعارك أن تعبّر عن حقيقة موقفه، وهو وإن لم يكن على عجلة من أمره للإنخراط كلياً في المعركة، لكنه يحتفظ لنفسه بتحديد ساعة الصفر لتوسيع رقعة عملياته مقدماً اعتبارات الداخل اللبناني على التجاوب مع التهديدات أو التحذيرات الغربية.
نتيجة لهذا الواقع يعيش ميقاتي حالة قلق عارم جعلته يعترف بأنّ حكومته غير قادرة على التأثير، لكنه يقوم بخطوات خجولة اثباتاً لموقعه، وتنقل مصادر حكومية أنّ ميقاتي يتحرك على رأس حكومته على ثلاث جبهات: الأولى ديبلوماسية يقودها ميقاتي، فيتولى الاتصالات بالديبلوماسيين الغربيين والعرب، وهذه لم تفضِ إلى أي تأكيد أو تطمين عن نيّة اسرائيل وقف اعتداءاتها على لبنان أو إعطاء ضمانات بعدم توسّع رقعة اعتداءتها، خاصة متى شعرت بحراجة مواجهاتها في الداخل الفلسطيني.
والثانية سياسية تتمثل في اتصالات بمختلف الأطراف اللبنانية لتأمين موقف لبناني جامع مؤازر لموقف الحكومة، وقد كانت زيارة النائب السابق وليد جنبلاط خطوة اندرجت في هذا السياق، حيث خرج بعدها يؤكد ضرورة الالتفاف حول الحكومة في هذا الوقت العصيب بما يمثل منح الإشتراكي شرعية جديدة لحكومة تصريف الأعمال أو تفويضاً للتعبير عن موقف لبنان في وجه الأخطار المحدقة.
أمّا الثالثة فتتعلق بالشق الميداني، حيث بوشرت اجتماعات لجنة إدارة الكوارث التي عقدت سبعة اجتماعات متتالية غايتها الإعداد لمواجهة حالات الطوارئ والإستعداد للأسوأ.