الاستراتيجية الأمريكية في منطقة غرب اسيا
المقال
في سؤال طرحناه عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الباحث السياسي يحيى دايخ عن امكانية قيام حرب شاملة في المنطقة؟
كانت له المداخلة التالية:
اذا اردنا التطرق للإستراتيجية الأمريكية في غرب آسيا لابد من عمل دراسة شاملة ذات عمق جيوسياسي لتتبلور منها مخرجات كثيرة ولا بد من التعمق بها كلٍ على حدا، ولكي نصل إلى نتيجة منطقية مترابطة يجب ان ننظر إلى سردية التحرك والتدخل الأمريكي بالمنطقة بشكل ماكرو وليس ميكرو لأن معظم من يعمل على تحليل اتجاهات السياسية الأمريكية المتبعة اتجاه قضايا منطقتنا ينظر لتلك الاتجاهات بشكل ميكرو .. فاذا نظرنا الى الموضوع بشكل ماكرو أي بشكل عام للمنطقة ككل، نجد أن أمريكا بنت استراتيجيتها في غرب آسيا على اتجاهين متوازيين أساسيين:
بالمرتبة الأولى مصالحها وبالمرتبة الثانية حماية الكيان المؤقت (أمن الكيان) .
فالولايات المتحدة استخدمت هاتان الاستراتيجيتان بتلازم بعضهما البعض في جميع قضايا المنطقة .
ومن المؤكد ان لامريكا مصالح كبيرة ومهمة في غرب آسيا على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية.
ومع ارتباط هذه المستويات مع بعضها البعض الا اننا سوف نتطرق إلى ما يهمنا حالياً المستويين الإقتصادي والعسكري:
أولاً – اقتصادياً، الحرب التي تخوضها في أوكرانيا ضد روسيا ونزاعها مع الصين حيث أن روسيا والصين تمثلان خطراً على المصالح الأميركية في أوروبا والعالم تحديداً في الاقتصاد والتجارة العالمية بما يمثل خطر يهدد الاقتصاد الامريكي الكلي، كما أن لأمريكا مصالح استراتيجية بالسيطرة على المضائق والممرات المائية في المنطقة وأهمها مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس ورأس الرجاء الصالح وهي بالتالي تمثل مصلحة ذات بعد استراتيجي لأميركا من حيث التأمين والسيطرة على منابع النفط والغاز تحديداً ومن ثم التجارة.
ثانياً – عسكرياً، ومن هذا المنطلق لابد لها لتأمين مصالحها الاقتصادية وطرق إمداداتها من ان تسيطر عسكريا بمساعدة ربيتها دولة الكيان المؤقت (التي تبنت ضمان امنها وحمايتها من محيطها العربي والاسلامي) على ما تعتبره شريان حيوي لها، بعد أن حاولت عبر وكلاء في دول المنطقة وفشلت مثل (العراق وسوريا…) حيث وجدت في المنطقة دول ومقاومات عملت على افشال الخطط الأمريكية في نهب ثروات المنطقة وكذلك وقفت إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه كاملة من النهر إلى البحر. من ناحية أخرى وبما ان دولة الكيان المؤقت تُعتبر قاعدة أمامية لأمريكا مزوعة في المنطقة لتحقيق المصالح الأمريكية والغربية فإن عنصر الأمن هو الذي جمع الشتات الصهيوني على أرض فلسطين، إذاً العقيدة الأمنية تأتي بالمرتبة الأولى لوجود هذا الكيان الغاصب وهي استراتيجية أولى عنده فبدون أمن ليس هناك وجود للكيان صهيوني. إذاً بانتقلنا الى الوضع الراهن في المنطقة هناك مصلحة تجمع بين أميركا والكيان المؤقت وهي التخلص من الدول والمقاومات العربية والإسلامية الممانعة في غرب آسيا، هذه الدول والمقاومات سُميت الممانعة لأنها عملت ضد مشروع أميركا وآذتها وسببت لها الضرر والى هذه اللحظة أفشلت جميع مشاريعها بغض النظر عن تنصيب أمريكا لبعض قادة دول نافذة في المنطقة.
نفس هذا التهديد من دول ومقاومات محور المقاومة مثل أيضاً تهديداً اعتبرته حكومة الكيان المؤقت تهديداً وجودياً خاصةً في لبنان وفلسطين المحتلة.
وبالتالي عمل الاحتلال الصهيوامريكي على سياسية الاستفراد، أي بمعني القضاء على كل مقاومة على حدة، لذا فإنهما تتجنبان حرباً شاملة بفتح كل او عدة جبهات بآن واحد، وسياسة تعدد ساحات وجبهات المواجهة تسبب للعدو الصهيوني تشتيت قواه مما ينتج خطراً استراتيجي ان لجهة وجوده او لجهة وعي الشعوب. أما على صعيد مقاومات ودول محور المقاومة وعلى رأسهم الجمهورية الإسلامية فقد عملوا على كسر سياسة الاستفراد، لأن الاستفراد بأي فصيل مقاوم إن كان حماس او الجهاد او أي فصيل آخر من محور المقاومة يسبب خطر وجودي على الفصائل الأخرى، وبالتالي عملوا على ابتكار اسلوب مقاوم يقوم على تعدد الساحات وتعدد الجبهات .
وفي التقدير ما يحدث الآن على الساحة الفلسطينية واللبنانية والاسلوب المتبع في إدارة المعركة تمثل ابتكار مصطلح جديد يدعى تكامل الساحات والذي تتكامل فيه ساحات المقاومة في داخل فلسطين وساحتي لبنان وسوريا ضد الاحتلال من حيث التنسيق فيما بينها ليأتي بعد ذلك اسلوب تعدد ساحات المقاومة ومنه يشترك بموجبه معظم او كل مقاومات في فلسطين (غزة الضفة) وفي لبنان والجولان في استنزاف العدو ليُختم بالمرحلة النهائية وهي فتح كل الجبهات بحرب شاملة على العدو وبقوة نارية ضخمة من كل دول المحور (فلسطين لبنان سوريا العراق واليمن وإيران) وان تدخلت أمريكا باستطاعت دول المحور وخاصة إيران والحشد في العراق واليمن من ضرب وتدمير قواعدها في المنطقة كما باستطاعتي إيران واليمن إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب ووقف الملاحة في قناة السويس.
لهذا بعد أن أدركت أميركا بأن اسرائيل غير قادرة على ادارة الصراع في مثل هذا الأسلوب الممنهج واتخاذ القرارات المناسبة حالياً عمدت إلى ارسال الوزير بلينكن كداعم وبحضوره جلسات الكابينات المصغر وكذلك بايدن حضوره الاجتماع معهم وتوجيه وزراء العدو وحثهم على وجوب التخلص من حماس نهائياً بشرط إظهار الجانب الإنساني عبر فتح “ممرات آمنة” وذلك لخداع العالم بإظهار “إنسانيتهم” فكان قرار حكومة الكيان المؤقت فتح “ممر آمن” لايصال المساعدات لجنوب غزة بعشرين شاحنة فقط وليس لغزة كلها بهدف جمع سكان غزة كلهم في الجنوب ومن ثم العمل على ترحيلهم (الترانسفير) الى منطقة ثانية.
لذا اعتقد انه حالياً ليس هناك من حرب شاملة على الجبهات كلها، ولكن ستكون هناك مراحل بالاسلوب الذي ذُكر أنفاً الا اذا تشكل خطراً وجودياً على الفصائل الفلسطينية في غزة، عندها سيكون فتح كل الجبهات أمر حتمي.
وما يجري الان في جنوب لبنان هو جزء من خطة ذات مراحل تستخدمها المقاومة الاسلامية في لبنان والتي تسير باتجاهين متوازيين:
الاتجاه الأول معنوي ونفسي عبارة عن تدمير الروح المعنوية لقوات العدو من جنود وضباط وجبهة داخلية ، تدميراً ممنهجاً وقوياً يجعل جنود العدو مسلوبي القدرة على القتال أو فقدان الرغبة بالقتال, والاتجاه الثاني الموازي له قيام المقاومة الاسلامية بتدمير الحافة الأمامية للعدو يأتي هذا الفعل لعدة أهداف اهمها:
استنزاف الجهد الحربي للعدو(على جبهتين) .
ارباكه وتشتيت تركيزه عن غزة.
نقل بعض قواته ان من منطقة الضفة او من منطقة غزة بحيث يفقده مرونة المناورة.
أخيراً بحال الاضطرار للانتقال للمرحلة النهائية بحيث تكون الأرضية ممهدة للدخول إلى مستوطنات العدو وتحريرها.
بناء عليه الحرب الشاملة الآن لا أعتقد بأنها ستحصل دفعة واحدة واذا حصلت سيكون لها تدرّج على مراحل وفترة من الوقت.