الولايات المتّحدة الإسرائيليّة
حين نبقى أربعة قرون تحت النير العثماني، كم ترانا نبقى تحت النير الأميركي، وقد اخترقت الثقافة الأميركية، وفلسفة الحياة الأميركية، عظامنا وليس فقط عقولنا…؟
ما دمنا كعرب أوراقاً مبعثرة على أبواب الأمم، ما البديل عن أميركا… روسيا أم الصين أم الهند؟ ذات يوم طرح السؤال على الفيلسوف الفرنسي ادغار موران. كان رده “اذا بقيتم هكذا، فالبديل عن أميركا هو الله”.
ما ظهر في طريقة تعاطينا مع أحداث غزة لا يترك مجالاً للشك في أن العرب حطام سياسي، وحطام ثقافي. اسرائيل ليست، مثلما دأبنا على وصفها، بالعصا الأميركية (على ظهورنا). لاحظنا في أداء الادارة، كما في التعليقات والمواقف، مدى التماهي الايديولوجي بين الظاهرة الأميركية والظاهرة اسرائيلية. أبعد بكثير من المقاربة الكلاسيكية لمفهوم العلاقات.
هذه هي “الولايات المتحدة الاسرائيلية” لا “الولايات المتحدة الأميركية”. منذ انزال النورماندي في 6 حزيران 1944 لتحرير فرنسا من النازية، كحلقة من انهاء الحقبة الهتلرية في القارة العجوز، لم يحدث أن البيت الأبيض أمر بانزال مماثل لما حدث بعد 7 تشرين الأول الجاري. انزال عسكري، وانزال ديبلوماسي، وانزال اعلامي، لكأنه انزال على شاطئ فلوريدا لا على شاطئ دولة تبعد آلاف الكيلومترات عن الأراضي الأميركية.
بعد فوات الأوان، اكتشفنا أن “اسرائيل” بيننا ليست الدور، وليست حاملة الطائرات (كلنا نحمل الطائرات الأميركية على أكتافنا). في لبنان، أثبتنا في عام 2000 أنها ليست القوة التي لا تقهر. في عام 2006 القوة التي تقهر (وتتقهقر). ذلك السبت الأسود أظهر أنها، فعلاً، أوهى من بيت العنكبوت. انها أميركا التي تقاتلنا، وتقتلنا. الطائرات أميركية، الدبابات أميركية، الصواريخ أميركية. احداثيات الأقمار الصناعية أميركية. أين “اسرائيل” في الحرب؟
وديعة أميركية في الشرق الأوسط، وكان هاري ترومان قد وصفها بـ “الوديعة الالهية” كونها تشكلت بوعد الهي لا بوعد من أي كائن بشري. مهمة آرثر بلفور اقتصرت على اعطاء يهوه تأشيرة دخول. هذا ما أثار سخرية المؤرخ السوري قسطنطين زريق الذي علّق على كلام أحد الحاخامات بأن يهوه دخل الى “ارض الميعاد” بعربة تجرها الملائكة بالقول ان يهوه “دخل الى فلسطين بعربة تجرها البغال الانكليزية”.
منذ أن حطت أول جماعة يهودية رحالها على الأرض الأميركية (عام 1613) بدأت محاولات اختراق العقل الاخر واللاوعي الآخر. ماذا فعل العرب للدخول الى العقل الآخر والى اللاوعي الآخر، وقد استبدت بنا آفة الاستهلاك الذي وصفه ليفي اشكول ـ رئيس الحكومة الاسرائيلية في حرب 1967 ـ بـ “جنة الحمقى”. أمّة من الحمقى…؟
ذاك الغرب الذي لا ينظر الينا من خلال ابن رشد، أو من خلال أبي العلاء المعري وجبران خليل جبران، وصولاً الى محمد أركون، وأمين معلوف، وتوفيق الحكيم والطاهر بن جلول، وانما من خلال أبي بكر البغدادي، وأبي مصعب الزرقاوي، كما لو أن تلك الحثالة الايديولوجية ليست من صناعة أجهزة الاستخبارات الغربية اياها، ودون أن ننكر دورنا، ودور فقهائنا الذين طالما قلنا انهم دفعوا بنا الى تخوم الغيب التي هي… تخوم العدم!
حين يكره العرب العرب، كيف لا يكرهنا العالم. بكل فظاظة وصفنا الكاتب الاسرائيلي يتسحاق ليفانون بـ “الذئاب الضالة التي تبحث عن الدم اليهودي في كل مكان”، متناسيا كيف كان اليهود في البلاط الاندلسي، وكيف كانوا جزءاً من النسيج الثقافي، والسوسيولوجي، وحتى السياسي، في الدول العربية.
ليفانون استعاد، في مقالة له في صحيفة “معاريف”، ما قاله منسق الجيش الاسرائيلي غسان عليان (وهوعربي) “لقد فتحتم على أنفسكم أبواب جهنم” الكلام ليس فقط لـ “حماس”، وانما لـ “العالم العربي باسره”.
والحال هذه، هل حقاً اننا نحارب طواحين الهواء حين نلاحظ وصول 45 طائرة شحن أميركية، في يوم واحد، وهي تحمل الأعتدة والذخائر الى “اسرائيل”، تزامناً مع طلب جو بايدن من الكونغرس تخصيص 105 مليارات دولار للأمن القومي، بينها 14 مليار دولار لـ “اسرائيل” كجزء من الأمن القومي الأميركي. ماذا عن الدول العربية الحليفة؟ التطبيع آت آت. الحصار باق باق، الى أن نزحف على بطوننا الى الهيكل.
نقاتل طواحين الهواء أم نحن… طواحين الهواء؟!