سقوط “الأسطورة الإسرائيليّة” في أميركا
كثيراً ما قيل “مَن يلعب ضد أميركا انما يلعب ضد القضاء والقدر”. مثلما يأتينا القضاء والقدر بالمصائب يأتينا بالمعجزات. ألم تنقل التكنولوجيا الأميركية البشرية من زمن الى زمن؟ كعرب، قد نكون وحدنا نراوح مكاننا، مع أن غالية دولنا كما الجواري في الحرملك الأميركي.
ندرك ما حل بالدول التي تعادي “الاله الأميركي”. من الشرق الأوسط الى أميركا اللاتينية. حتى أوروبا، بذلك التراث الأمبراطوري، تحوّلت الى محظية أميركية. مشكلتنا أن هذا شرط أميركا لتكون معنا: “اسرائيل” وصية عليكم ، في هذه الحال أيام المن والسلوى.
ولكن ها هي مصر. أنور السادات تحوّل الى جثة بين يدي هنري كيسنجر، وحتى بين يدي مناحيم بيغن. بعد أربعة عقود، أي مصر الآن، كدور استراتيجي وكاقتصاد يتفاعل مع ديناميات السوق، بل مع ديناميات القرن؟
أي أردن الذي بالرغم من ذلك الزفاف الأسطوري، لكأنه زفاف يوليوس قيصر، يعيش على الفتات الأميركي، اذا أغفلنا السلطة الفلسطينية التي لا يرى فيها مصطفى البرغوتي أكثر من اناء فارغ. الاناء المحطم. ماذا عن السودان، وقد باعه الجنرالات، بمواصفات العناكب البشرية الى بنيامين نتنياهو؟
حتى القارة العجوز تدفع من دمها ومن خبزها، ثمن مشروع مارشال (1947 ). ريجيس دوبريه، وهو يرى كيف يجر جو بايدن ايمانويل ماكرون وراءه، يكتب “لقد تقوست ظهورنا، وتقوست أرواحنا. متى نقع أرضاً”؟
لا نبالغ اذا قلنا أن الصدمة الأميركية من هشاشة “اسرائيل” تفوق التصور. تذكرون كيف أن ادارة جورج دبليو بوش أمدت ايهود أولمرت بكل ما يحتاج اليه لازالة حزب الله من الوجود. خلال مدة شهر تقريباً بدت “اسرائيل” في حال الاستنزاف (والنزيف) الكامل، لنعيد ما كتبه ديفيد غروسمان الذي مات ابنه في وادي الحجير “حين تبكي الدبابات الجنرالات بكوا أيضاً”…
ما يستشف من الأبحاث والآراء الأميركية، أن “الأسطورة الاسرائيلية” سقطت من الأجندة ـ الأجندة الاستراتيجية ـ للولايات المتحدة. هكذا لاحظنا كيف بعث البيت الأبيض بتلك الأرمادا الهائلة الى المتوسط. لم يكن ذلك فقط لاحتواء حالة الهيستيريا لدى “القيادة الاسرائيلية”، وانما لانقاذ ما يمكن انقاذه. أركان جماعة “جي ستريت” من اليهود قالوا “ثمة شيء ما وتحطم”. من يستطيع اعادة تركيب الحطام؟
آفي شافيت لاحظ “حين نكون أمام أزمة رجال نكون أمام أزمة وجود”. صحيفة “هاآرتس” التي توصف بأنها تمثل “العقل الأثيني” قبالة “العقل الاسبارطي” ، دعت الى اقالة نتياهو في الحال. قالت “ويل للدولة التي يقودها في أصعب لحظة في تاريخها. الويل للجنود وللمدنيين الذين حياتهم بين يديه”، لتضيف “ليس هناك من حاجة لنشرح لهم حجم اللحظة، وما هو على المحك” !
لا كلام أكثر وضوحاً من هذا الكلام. “اسرائيل” في مأزق وجودي. أميركا في مأزق استراتيجي. ماذا يتبقى لها في الشرق الأوسط اذا تزعزعت الدولة العبرية، وقد تزعزعت. لاحظوا ما يقال على مواقع التواصل في “اسرائيل”: “هل يبيعنا الأميركيون للفلسطينيين”؟
بالرغم من هذا المشهد الدرامي (من الناحية “الاسرائيلية”)، يفترض البقاء في ذروة الحذر من لحظة التقاطع بين “الجنون الاسرائيلي” والجنون الأميركي. هذا ممكن جداً اذا لاحظ الأميركيون أن وجودهم في الشرق الأوسط مهدد بالاضمحلال، تزامناً مع تعقيدات الصراع حول قيادة الكرة الأرضية في الشرق الأوروبي، كما الشرق الآسيوي…
هذا ما يفسر حالة الاستنفار في سائر دول المعسكر الغربي، وتحت شعار “البرابرة قادمون”. الشعار الذي رفعه بعض فلاسفة اليمين الأوروبي منذ نحو نصف قرن.
مجانين “اسرائيل” ومجانين أميركا، يعتبرون أن القضاء على حماس يقفل البوابة الفلسطينية، بالبُعد الجيوسياسي والبُعد الجيوستراتيجي أمام آيات الله. تالياً مد العون الى القوى الداخلية في لبنان، سواء كانت لبنانية أم غير لبنانية (!!) بكل ما يلزم لاضرام الحرائق (لا سيما الحرائق الطائفية) حول حزب الله. ولكن ألم توقظ عملية غلاف غزة عظام الموتى في فلسطين ؟ هكذا قال أحد أبناء القطاع “سنقاتلهم بعظام موتانا”.
مثلما يصل هذا الصوت الى “تل أبيب” يصل الى واشنطن. ميريام ادلسون، أرملة الديناصور النيويوركي شلدون ادلسون سألت، كوريثة لصالات القمار في لاس فيغاس، “الى أين يأخذنا الجنون الفلسطيني”؟