الميدان العسكري يتقدّم الحل السياسي للدولتين… وتداول في إدارة مصر لغزة والأردن للضفة القرار الأميركي باستمرار الحرب الإسرائيليّة لمنع زوال “الدولة العبريّة”
“لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، حيث ينطبق هذا القول على الحرب العدوانية الاسرائيلية على غزة منذ 25 يوماً، وقد تمتد لايام واسابيع وربما اشهر، بعد ان اعلن رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن الاعمال العسكرية ضد حركة حماس لن تتوقف، الا بعد سحقها واجتثاثها والقضاء على البنية التحتية العسكرية لها، وهي تشمل منصات الصواريخ والمواقع العسكرية تحت الارض وفوقها، اضافة الى الانفاق التي وصلت الى نحو 500 كلم داخل القطاع وبعمق اكثر من ثلاثة امتار، بعد ان كانت نحو 100 كلم في اثناء “الحرب الاسرائيلية” على غزة في عام 2014 والتي دامت نحو خمسين يوماً.
ولم يحقق جيش الاحتلال الاسرائيلي سوى نسبة قليلة من اهدافه، والتي لا تصل الى نحو 10%، لكنه احرز دماراً كبيراً لم تشهده حروب سابقة في مساحة 360كلم2، وتهجير نحو اكثر من مليون مواطن، غالبيتهم من شمال غزة، فاعتمدت آلة “الحرب الاسرائيلية” سياسة الارض المحروقة لتسهل عليها الغزو البري للقطاع، الذي يحاول العدو الاسرائيلي التقدم عند الحدود مع غلاف غز، لكنه لم يتمكن، اذ واجه مقاومة ضده في التصدي المباشر له بالاسلحة المناسبة، او نصب كمائن لجنوده وآلياته، وفق التقارير العسكرية، اذ تحدثت “القيادة العسكرية الاسرائيلية” عن توغل في بعض مدن شمال غزة، لكن كتائب القسام – الجناح العسكرية لحماس، اعلنت بان العدو حاول الدخول البري لكنه لم يتمكن من البقاء، فانسحب تحت ضغط نيران المقاومة، التي دمرت دبابة “ميركافا” من الجيل الجديد، وقتلت وجرحت طاقمها.
فالغزو البري مؤجل “اسرائيلياً”، لكن محاولات التقدم موجودة، حيث يواجه نتنياهو رفضاً واسعاً من “الاسرائيليين”، الذين صوّت 29% منهم ضد توسيع الحرب، وهذا ما يربك رئيس حكومة العدو الذي يقع بين ضغطين: الاول من الاحزاب الدينية المتطرفة المتآلف معها في الحكومة، التي تدعو الى تدمير غزة واقتلاع اهلها من خلال ممارسة “هولوكست” فلسطيني يؤدي الى “ترانسفير”، وهذه ثابتة في العقيدة “التلمودية ـ التوراتية”، وبين رفض للحرب واستعادة الاسرى “الاسرائيليين” اثناء عملية طوفان الاقصى.
لذلك، فان الحرب مستمرة بقرار اميركي اولا و”اسرائيلي” ثانياً، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الاميركي جو بايدن، الذي دعا الى بقاء “اسرائيل” ومنعها من الزوال، الذي بدأ يؤمن قادة العدو به، وان عمر الدولة العبرية بات قصيراً ولا يتعدى السنوات الخمس المقبلة، وان واشنطن تدعم الحرب بحضور بوارجها الحربية، وارسال سلاح متطور وذخيرة “للجيش الاسرائيلي” وتأمين الدعم المالي، وهذا يؤكد بان المؤسسات الاميركية لا تريد ان تُهزم “اسرائيل” ويضعف وجودها الى حد الاضمحلال، مما يؤشر بان الزمن زمن الحرب وليس السلام، وفق قراءة مصدر مطلع على المسألة الفلسطينية والصراع مع العدو الاسرائيلي، الذي يعتبر ان هذه الحرب مصيرية لليهود في فلسطين المحتلة، كما للشعب الفسطيني، حيث لا يوجد حل سياسي، لان العدو الاسرائيلي لا يريد دولتين فلسطينية و”اسرائيلية”، وهو الحل المطروح من قبل دول عربية، تحت سقف “المبادرة العربية للسلام” التي طرحها الملك السعودي الراحل عبدالله، في القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002، ولم يتم تحريكها او تفعيلها، لانها كانت مرفوضة “اسرائيلياً” وغير مرغوبة اميركيا، فماتت كما “اتفاق اوسلو”، وتوقف اعمال مؤتمر مدريد للسلام، الذي سقط شعاره “الارض مقابل السلام”، وذهب اطراف من حضروه الى حلول منفردة كالاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت سوريا السير بالحل المنفرد بل الشامل.
من هنا، فان لا حل سياسيا في المدى القريب، والحرب مستمرة الى اجل غير مسمى، بانتظار ما سيقرره الميدان، حيث لم تحقق “اسرائيل” اهدافها، في وقت كسرت المقاومة الفلسطينية توازن الرعب، ولم يعد قرار الحرب بيد “اسرائيل” التي باغتتها عملية “طوفان الاقصى”، حيث اسقطت نظرية “الجيش الذي لا يُقهر”، و”الامن الاسرائيلي القوي” من “اسرائيل” الى باكستان.
فمشروع الحل للدولتين لم يعد قائماً بالفعل، لان “اسرائيل” لا تقبله والطرف المفاوض معها هو منظمة التحرير الفلسيطينية، التي باتت في حالة ضعف مع تعليق العمل “باتفاق اوسلو” الذي لم ينتج دولة فلسطينية، بل سلطة فلسطينية على 24% من الضفة الغربية، وتتشارك امنياً مع “الجيش الاسرائيلي”، كما انها لم تعد الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني، وفق ما يقول مرجع فلسطيني، لان الانتخابات التشريعية فرزت اكثرية لـ”حماس” في غزة، والتي تسلمت السلطة بالقوة من حركة “فتح”، في وقت بقيت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتنافسها حركات مقاومة على الارض، التي لم تعد حركة “فتح” من يملكها، بل “عرين الاسود” و”القسام” و”كتائب الاقصى”.
فالحل السياسي معدوم، الا في مؤتمرات ولقاءات دون وجود آلية له، حيث الميدان العسكري له كلمة الفصل في هذا الصراع الوجودي مع العدو الاسرائيلي، الذي يحاول اعادة سيطرته على غزة التي انسحب منها عام 2005 وفشل، ولم ينجح بعد في محاولته الدخول الى القطاع، الذي تؤكد حماس بانها ستلقن العدو درساً لن ينساه، ويدفع ثمن احتلاله.
والمتداول من حلول، هو عودة ادارة مصر للقطاع والاردن للضفة كما قبل عام 1967، او ارسال قوات عربية ودولية تتمركز فيهما، لكنها اقتراحات للدرس فقط.