اخبار عربية

جامعات الكويت: سعاد الصباح تتصدّى لدعاة قندهار..

فيما تغرق بعض دول المنطقة بالكوارث الطبيعية، وتحتدم المنافسة بين الممرّات التجارية الجديدة، التي تصل الشرق بالغرب، وتنكبّ دول على البحث عن سبل لإيجاد حلول سياسية للأزمات، تنفرد الكويت بالغوص في أزمات جديدة – قديمة، يراها البعض سطحية ومضيعة للوقت، عنوانها الخلاف بين نهجين:

– الأوّل يدعو إلى التشدّد في تطبيق الشريعة الإسلامية مستنداً إلى ضعف الحكومة ووجود غالبية من النواب المحافظين في مجلس الأمّة.

– والثاني يرفض الرضوخ للتوجّهات المتشدّدة مستنداً إلى تأييد مجتمعي واسع من تيارات سياسية ومنظمات مجتمع مدني ومثقّفين وحركات ناشطة في المجتمع.

جديد هذا الخلاف هي أزمة “الاختلاط” في جامعة الكويت، التي نشأت إثر نجاح “لجنة القِيَم” البرلمانية برئاسة النائب السلفيّ المتشدّد محمد هايف في فرض منع تسجيل الطلاب والطالبات في الشعبة نفسها، بحجّة تطبيق قانون منع الاختلاط الذي صدر في عام 1996.

انقسام عموديّ

منذ سنوات طويلة، لا يوجد اختلاط أصلاً في كليات جامعات الكويت، لدرجة أنّ المباني التي شُيّدت حديثاً راعت هذا الأمر، وأُقيمت كلّيات للذكور ومثلها للإناث.

لكن في بعض الكليّات، مثل الحقوق، تضطرّ الإدارة الجامعية إلى تسجيل ذكور وإناث في الشعبة نفسها لأسباب تقنية، أهمّها قلّة الأعداد وعدم القدرة على تخصيص أستاذ لعدد قليل جدّاً من الطلبة.

في هذا العام أصبح عدد الشُعب المختلطة أكبر من المعتاد، وهو ما أثار غيظ التيار المتشدّد ودفعه إلى التحرّك من خلال إجبار وزير التربية وزير التعليم العالي على إلغاء هذه الشُعب، وإدخال مئات الطلبة في دوّامة إعادة التسجيل قبل أيام من بدء دراستهم الجامعية، الأمر الذي ألحق أضراراً بكثيرين منهم.

تحجّج المؤيّدون بأنّ القانون واضح وواجب النفاذ، وأنّ أيّ تفسير له خارج حَرفيّته غير مقبول، مستندين إلى 3 نقاط قوّة تتمثّل في:

1- أن الوزير تمّ تعيينه حديثاً ولا يريد الدخول منذ بداية تولّيه منصبه في صدامات مع نواب يشكّلون الأغلبية في مجلس الأمّة.

2- أنّ الوزير نفسه محسوب على التيار المحافظ.

3- أنّ الحكومة ضعيفة، وترضخ بسهولة للضغط النيابي، وغير قادرة على المواجهة، وهو ما سيتّضح أكثر اعتباراً من نهاية شهر تشرين الأول المقبل، موعد استئناف عمل مجلس الأمّة بعد العطلة الصيفية.

في المقابل، يرفض المعارضون (وهم قلّة في مجلس الأمّة لكنّهم أكثر بكثير خارجه) هذه الحجّة، ويستندون إلى أنّ المحكمة الدستورية حسمت الجدل في حكم أصدرته عام 2015 وفسّرت فيه قانون منع الاختلاط مؤكّدةً أنّه لم يحدّد كيفية تحقيق الفصل بين الطلاب والطالبات في المباني وقاعات الدرس، ولم يفرض أن يكون هناك احتجاب تامّ للطالبات عن الطلاب، وأنّه يكفي لتطبيقه أن يكون هناك أماكن خاصة للطالبات في نفس قاعات الدرس مع الطلاب، وهو بالفعل ما كان مُطبّقاً منذ سنوات في الفصول المشتركة.

خرجت أصوات أكاديمية تعارض بشدّة التدخّلات النيابية في شؤون الجامعة، والتوقيت الذي طُرحت فيه المشكلة قبل أيام قليلة فقط من بدء الدراسة، وأدّى إلى تضرّر الكثير من الطلاب والطالبات. ونظّم الطلاب ومعهم العديد من الأساتذة الجامعيين وقفة احتجاجية “مُختلطة” في الجامعة، ندّدوا فيها بالتطبيق المتشدّد للقوانين ورضوخ إدارة الجامعة لضغوط النواب، وطالبوا الحكومة بالتراجع عن قرارها. لكنّ ذلك لم يحدث، ومضت الجامعة في تطبيق قرار الوزير الذي جاء بناء على طلب نيابي.

جامعة قندهار

مع احتدام الجدل المجتمعي، دخلت على الخطّ قوى سياسية وأحزاب وتيارات وجمعيات نفع عامّ والكثير من قوى المجتمع المدني، ودار نقاش مرير بين تيّارَي التشدّد والانفتاح. ووصل الأمر إلى حدّ التحذير من خطر تحويل جامعة الكويت إلى “جامعة قندهار”، في إشارة إلى قوانين حركة “طالبان” التي منعت تعليم الفتيات منذ تولّيها السلطة في أفغانستان، عقب الانسحاب الأميركي.

من جُملة الجدل الحامي الوطيس، كان لافتاً ما توجّهت به الشاعرة والأديبة سعاد الصباح، وهي كاتبة وناقدة حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية، إلى النائب محمد هايف من كلام دعته فيه إلى عدم العمل لـ”فرض قناعاته الشخصية على الكويتيين الذين وُلدوا أحراراً، رجالاً ونساء… وما تحبّ أن يكون لك في بيتك وبين أسرتك الكريمة من قوانين لا ينطبق بالضرورة على الشعب بأكمله، فالشعب لديه قناعات ورؤى مختلفة ومغايرة ومن حقّه أن يكون معارضاً لتوجّهك”.

توجّهت إليه باللوم في رسالة مفتوحة، داعية إيّاه إلى “احترام خصوصية الكويت وطبيعة مجتمعها المنفتح على الثقافات، الرافض لمقترحات التشدّد غير المنطقية وغير المقبولة”.

في إشارة إلى أنّ منع الاختلاط يشكّك في أخلاقيات الطلاب والطالبات، حذّرت سعاد الصباح النائب هايف من مغبّة “إثارة الريبة في أبنائنا وجعلهم موضع شكّ (…) واعلم أنّنا سنقف في وجه كلّ مقترح يُفرّغ مؤسّساتنا التعليمية المشرّفة من حرّيتها ويسلب من أبنائنا رغباتهم، بعدما زرعنا فيهم الثقة وعزّزنا فيهم الحرّية”.

إلى ذلك نصحته بعدما وصفته بـ”ولدي الكريم”، بأن يلتفت إلى “قضايا لها الأولوية وأكثر نفعاً” وأن لا يُسبّب “الشحناء والإثارة” ويخلط “الحابل بالنابل”.

عمق الأزمة

على الرغم من تصاعد الأصوات المجتمعية الرافضة للتشدّد، يشكّل النواب الإسلاميون والمحافظون عملياً الغالبية في مجلس الأمّة، وحجّتهم الأساسية أنّهم انتُخبوا قبل أشهر قليلة من قبل أبناء الشعب الكويتي، وبالتالي يمثّلون النبض الحقيقي للشارع. وحقّقت القائمة المدعومة من جماعة “الإخوان” نصراً كبيراً في الانتخابات الطلابية بجامعة الكويت.

ربّما أبلغ دليل على ذلك هو تشارك 3 نواب فقط في تقديم اقتراح قانون لإلغاء قانون منع الاختلاط الساري، ولم يُعلن غيرهم تأييد هذا التوجّه، ومن غير المتوقّع أن يحصل هذا الاقتراح على غالبية في مجلس الأمّة عند عرضه على التصويت.

في المقابل، واجه النواب المحافظون انتقادات حادّة من خصومهم، وقام بعض “الخبثاء” باسترجاع الأرشيف، فاتّضح أنّ بعضاً من هؤلاء النواب، الذين ينادون بالتشدّد، درسوا في جامعات أميركية أو بريطانية أو أرسلوا أبناءهم إلى تلك الجامعات، فكيف يُحرّمون على غيرهم ما يحلّلونه لأنفسهم ولأولادهم؟!

من أبرز الحجج لمعارضي التيار المتشدّد أنّ الإسلام لم يفصل بين الجنسين في مناسك الحجّ، وأنّ هؤلاء الطلبة الذين يُفرض عليهم عدم الاختلاط، يختلطون بشكل طبيعي خارج القاعات ولاحقاً في ميادين العمل، فضلاً عن الرفض القاطع للتعامل مع الطلاب كما لو أنّهم مجموعة جاهزة دائماً للتجاوز على النساء، أو مع الطالبات كما لو أنهنّ لديهنّ القابلية للخروج عن الآداب واللياقات.

في مجالس الأمّة المتعاقبة منذ التسعينيات، سعى كثير من النواب إلى فرض معايير متشدّدة على المجتمع الكويتي، لكنّ الحكومة لطالما كانت تضع عوائق أمامهم لمنعهم من فرض أسلوب حياتهم أو أفكارهم المتطرّفة على المجتمع. أمّا الآن فالوضع أصبح أكثر دقّة، مع حكومة “في جيب النواب” ونواب “في جيبهم ملفّات شعبوية” وهمّهم الأوحد “التكسّب الانتخابي” لتعزيز الشعبية ولو على حساب تقسيم المجتمع وإلحاق الضرر به.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى