مقالات

حرب غزة تشبه تلك التي حصلت على لبنان صيف 2006 “إسرائيل” تربح في معركة التدمير وتخسرها بوجودها وتآكل كيانها

كمال ذبيان- الديار

تتشابه الحرب الاسرائيلية على غزة خصوصاً وفلسطين عموماً، كتلك التي حصلت على لبنان صيف 2006، وهدفها اجتثاث المقاومة وتدمير صواريخها واخراجها من المعادلة، وقبل ذلك الغزو الاسرائيلي في العام 1982 واجتياح العدو الصهيوني لجنوب الليطاني عام 1978، واقامة “شريط حدودي”، لابعاد المقاومة الفلسطينية والوطنية اللبنانية عن استهداف المستوطنات والمراكز العسكرية، اليهودية بالصواريخ، ليتوسع العدوان الى بيروت، واقامة سلطة لبنانية على الدبابة الاسرائيلية، فوصل بشير الجميل الى رئاسة الجمهورية، وهو اسس وترأس “القوات اللبنانية”، التي اقامت تعاوناً مع العدو الاسرائيلي، لكن بشير اغتيل بعد اقل من شهر على انتخابه، ليخلفه شقيقه امين، فاستمر على العلاقة مع الكيان الصهيوني الذي وقّع معه “اتفاق 17 ايار”، وهو معاهدة “سلام” كما فعلت مصر برئاسة انور السادات في “كامب دايفيد”، لكن المقاومة الوطنية اللبنانية اسقطت الاتفاق، وكان السادات اغتيل في العام 1981.

فالحروب الاسرائيلية، ومشاريعها التوسعية هي ضد وجود مقاومة تهز امن وبقاء الدولة العبرية التي لا تعترف بوجود شعب فلسطيني ولا ارض فلسطين، بل “ارض الميعاد” التي عادت الى اصحابها، كما يدّعي الصهاينة، وبدؤوا يعملون لانشاء دولتهم المزعومة، وبدأت مع “وعد بلفور” العام 1917، وانشاء عصابات مسلحة، قامت بطرد الفلسطينيين وارتكاب المجازر ضدهم، الى ان ثبتوا دولتهم في العام 1941، على جزء من فلسطين التي استكملوا اغتصابها في العام 1967.

هذا العرض التاريخي للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، لكشف اسبابه، وهو احتلال الارض، الذي قامت ضده مقاومة، بدأت قبل ان يقوم الكيان الغاصب في ثلاثينات القرن الماضي، مما يؤكد ان الحرب على غزة، والمعارك التي تحصل في الضفة الغربية، هي لمنع المقاومة من ان تقيم كيانها، كما حصل في غزة وتحرر الارض التي تولت حركة “حماس” السلطة فيها، بعد انتخابات تشريعية جرت في العام 2007، وحصلت فيها على اكثرية نيابية، وهو ما يشبه حصول المقاومة وحلفائها على اكثرية نيابية عام 2013 في لبنان، وفق قراءة سياسية لمرجع حزبي في “محور المقاومة”، الذي يسترجع محطات تاريخية، حول محاولات من اطراف لبنانية، وحروب اسرائيلية على لبنان، لتصفية المقاومة فيه، التي تمكن “حزب الله” من ان يصبح الطليعة فيها، لا بل قائدها، بعد ان اظهرت المقاومة قوة على الارض، بعمليات نوعية ضد الاحتلال الاسرائيلي، الذي خرج مندحراً من لبنان في 25 ايار 2000، بعد ان فشل في حربين في انهاء وجود المقاومة في تموز 1993، ونيسان 1996، فتمكنت المقاومة، من ان تفرض معادلات جديدة في الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، فحيّدت المدنيين عن القتال، عبر “تفاهم نيسان”.

فما حصل في لبنان، لتصفية المقاومة فيه الممثلة بـ”حزب الله”، يتكرر مع “حماس”، التي غيّرت من قواعد الاشتباك في عملية “طوفان الاقصى”، واثبتت “اسرائيل” انها “اوهن من بيت العنكبوت”، كما وصفها الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله قبل سنوات، وقد تربح “اسرائيل” في معركة لتدمير وقتل الاطفال والنساء، ولكنها ستخسر في حرب الوجود، التي لا مفر منها، في الحرب القائمة والمستمرة مع العدو الصهيوني يؤكد المرجع، الذي يشير الى ان حروبه التي يقوم العدو الاسرائيلي بها مباشرة، وبوكالة عن الادارات الاميركية الحاكمة من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، لن تكون لمصلحته ولن تخدم مشاريع راعيه الاميركي، الذي لم يمثل دولة الا وخرجت قواته منها مهزومة، وكانت له تجربة في لبنان منذ العام 1982 الى مطلع 1984، في العراق وافغانستان، وقبل ذلك في فيتنام.

فاقتلاع المقاومة من غزة والبارز من فصائلها “حماس”، لن يتمكن منه العدو الاسرائيلي الذي لم ينجح في لبنان، لان المقاومة ليست تنظيما فقط، بل ثقافة وقناعة وايمان، وحق “الشعوب في تحرير ارضها وتقرير مصيرها” وفق ميثاق الامم المتحدة، فلا ينفع “اسرائيل” ان تصنف “حماس” “بالارهاب”، وتؤيدها اميركا ودول اخرى، لان المقاومة ليست ارهابا، وفق القانون الدولي، بل “اسرائيل” هي دولة الارهاب والتمييز العنصري، وفق قرارات صدرت عن الامم المتحدة، ومنها القرار 3349.

ووقعت “اسرائيل” في مأزق كبير في غزة، التي ما زالت تخوض معارك فيها، ويكبدها المقاومون خسائر في الارواح والمعدات، بالرغم من الدمار الشامل الذي لحق بالقطاع والشهداء والجرحى لكن الكلمة للميدان، الذي لا يمكن للجيش الاسرائيلي اعادة احتلال غزة، كما اعلن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي كشف عن ان قواته لن تخرج من القطاع، وعارضته واشنطن، التي تحاول ان تعيد “السلطة الفلسطينية” برئاسة محمود عباس اليها، فكان رده، بانه لا يدخل غزة بالدبابة الاسرائيلية ويرأس السلطة فيها، لمنع تكرار ما حصل في لبنان، صيف 1982، عندما غزته “اسرائيل”، التي كانت ستحكم عبر “القوات اللبنانية” ثم حزب الكتائب.

فمن سيحكم غزة، هو ما بدأ يُطرح، والحرب لم تنته بعد، فيجري البحث عن حل لها، والمتوافر هو الدولتان الفلسطينية والاسرائيلية، دون ان يكون معلوماً السلطة التي ستدير غزة، وايضاً الضفة الغربية مع تراجع دور “منظمة التحرير الفلسطينية”، التي اقامت “اتفاق اوسلو” مع العدو الصهيوني في ايلول 1993، لكنه فشل، لتتصاعد المقاومة، وهذا ما حصل في لبنان، اذ نجحت المقاومة فيه عبر فصائلها في تحرير الارض، واقام “حزب الله” قوة ردع، الذي تقوم معارضة ضده، وهو سلاحه، من قبل من يسمون انفسهم “سياديون” واطرافها يتماهون مع المشروع الاميركي لنزع سلاح المقاومة، وقد فشلوا في اثناء العدوان الاسرائيلي، صيف 2006، ويتقدم محور المقاومة، على محور المساومة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى