الحاج محمد رعد وفائض القوة الأخلاقية لحزب الله
ناصر قنديل-البناء
يكثر اللبنانيون الذي ينظرون إلى تجربة حزب الله بعين الخصومة، ومن خلفهم كل الجبهة العربية الدولية المناوئة لحزب الله من حشد الوقائع والأمثلة عن فائض القوة العسكرية لحزب الله، وهم يجهدون لربط مكانة حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية، خصوصاً في بيئة الحزب المباشرة أو في تحالفاته، بفائض القوة العسكري. وعندما استشهد هادي نجل الأمين العام لحزب الله قبل أكثر من ربع قرن، مرت موجة لبنانية عامة تسجل هذا التفوق الأخلاقي لقادة حزب الله، لكن حزب الله كان لا يزال ينتقل من الصفوف الوسطى في صناعة الحياة السياسية الى الصفوف الأمامية، حتى جاء تحرير الجنوب عام 2000، ونقل الحزب إلى الصفوف المتقدمة وصولاً الى ما رافق مرحلة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما بعد عودة القوات السورية إلى بلادها ومن بعدهما حرب تموز 2006 وانتقال الحزب إلى موقع القوة السياسية الأولى في المشهد اللبناني، وما رافق كل ذلك من انقسامات حادة داخلية، ساهمت مناخاتها والعصبيات الحاكمة فيها، في استنفاد جزء كبير من الأثر الذي تركته شهادة نجل الأمين العام لحزب الله لتظهير فائض القوة الأخلاقي لتجربة حزب الله، مع حملات إعلامية دولية وداخلية عملاقة لتشويه الحزب و شيطنته.
شكل مشهد التفوّق الأخلاقي لشهادة عباس محمد رعد، وما رافقه من سلوك لا يقبل التأويل ولا الصناعة لرمز قياديّ في تجربة حزب الله بمكانة النائب محمد رعد، استعادة سحرية لما ضاع من أثر ووزن وسحر لحظة استشهاد هادي نصرالله، ليشكلا معاً صفعة على وجه اللحظة السياسية اللبنانية التي تصرّ على حصر تظهير حزب الله بصفته مجرد حالة عسكرية، وأحياناً الى مجرد حالة إيرانية وافدة، فتقدّمت مجدداً صورة لقادة أخلصوا لما آمنوا به ووهبوه أغلى ما عندهم، حتى تقبلوا بابتسامة خسارة فلذات أكبادهم، بينما ظهر الأبناء الذين يقاتلون حتى الاستشهاد نموذجاً لحالة ثقافيّة شديدة الجدية والمسؤولية، فعمّت لحظة ذهول لبنانيّة، وعربيّة لا تخلو من شعور بعقدة الذنب حيناً وعقدة النقص أحياناً.
حاول خصوم المقاومة في حالة استشهاد هادي نجل السيد نصرالله، تصوير الأمر مجرد خصوصية ترتبط بشخص السيد نصرالله وعمامته كرجل دين، فجاء سلوك الحاج محمد رعد، في ذروة صعود قوة حزب الله عسكرياً، وذروة تواضعه السياسي الداخلي، الذي يمثله محمد رعد كرئيس لكتلة الوفاء للمقاومة، في ملف مفتوح داخلياً اسمه انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث النواب والكتل النيابية ميدان الصراع، ليظهر حجم القوة الأخلاقية التي يختزنها أداء حزب الله في الحياة السياسية كامتداد لفائض قوة أخلاقيّ يختزنه رجل السياسة الأول في الحزب وهو رئيس كتلته النيابية، وظهر من حوله طوفان حب شعبيّ عابر للوطن هو ثمرة هذا التفوق الأخلاقي، يستشعره كل من تعرّف على النائب محمد رعد. وهنا تجدّدت حالة الذهول التي رافقت استشهاد هادي نصرالله، ولم يتح لها أن تأخذ مداها، لتندمج اللحظتان، وتعيدان التذكير بسؤالين: هل لديكم مثل هؤلاء القادة؟ هل نفوذ هؤلاء القادة يعود لفائض القوة العسكريّ أم لفائض القوة الأخلاقيّ؟
أحبّ الذين يخالفون حزب الله أم كرهوا، تبدأ لحظة سياسية لبنانية محورها هذا التفوق الأخلاقي الذي يطلق موجة يصعب تجاهلها، في مقاربة نموذج من العمل الحزبي والعمل السياسي يقوم على قوة المثال والنموذج، ويرفع التحدّي عبرهما للتنافس بين الحلفاء، فيقدّمونه إلى الصف الأماميّ اعترافاً منهم بأنهم يخجلون من عظيم التضحية وعظيم الترفع والكبر، لكنه يرفع التحدّي في مواجهة الخصوم، بأنه يفديهم بأبنائه ليخالفوه الرأي بحرية، فينحني العقلاء احتراماً، ويصمت الآخرون خشية الفضيحة.