تهجير سكان غزة ونظرية «أرض بلا شعب»
} وفاء بهاني-البناء
بعدما بدت هشاشة الكيان الصهيوني المحتلّ، وضعف استخباراته، وقواه العسكرية، وبعد ملحمة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المجيدة، والتي ظهرت فيها بسالة المقاومة وأدخلت الرعب إلى قلب العدو، وقدرتها على تطهير الأرض من دنسه، حيث تخبّط هذا العدو المغتصب الذي لم يقوَ على ردّ الصفعة إلى المقاومة، فهم جنود الله الذين يحفظهم ويظللهم بظله.
لجأ هذا العدو الغاشم إلى المجازر الوحشية والتي تستهدف مدنيّي قطاع غزة، ويبدو واضحاً انّ الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية والتهجير القسري هي من أسس السياسة التي يقوم عليها هذا الكيان الصهيوني، ويغذي بها فكرته ودولته وعنصريته ونظام فصله العنصري، وهذا ديدنه، في ظلّ دعم أميركي غربي مستمر وكبير. فقصف المؤسسات والبنية التحتية، وقتل النساء، والأطفال هو ما استطاع القيام به حفاظاً على ماء وجهه ومحاولة لاسترداد هيبته المتآكلة، التي مسحتها المقاومة بتراب أرض فلسطين المحتلة.
ولكن مع هذه الإبادة والتهجير القسري عاد الكيان الصهيوني إلى أخطر سلاح يلعب به، وهو تحقيق كذبة قيلت قبل مجيئهم إلى هذه الأراضي وتدنيسها وهي «أرض بلا شعب» ذلك الحلم الذي يخططون له منذ سنوات طوال، فتهجير الفلسطينيين من الشمال إلى الجنوب ما هو إلا خطوة لتنفيذ مخططاته من خلال ارتكاب المزيد من المجازر بعد استقرارهم في الجنوب، والضغط عليهم برشقات الصواريخ، والأسلحة المحرمة دولياً مثل الفوسفور الأبيض من أجل تهجيرهم قسرياً لإتمام عملية الترانسفير.
هذا التهجير القسري لن يكون داخل أراضي فلسطين الأم، بل تهجيرهم إلى أراضي سيناء المصرية، وهو ما يجعل غزة القلب خالية من الفلسطينيين (أرض بلا شعب)، وذلك من أجل تحقيق هذه الخطة الخبيثة وهي الاستيلاء على غزة، وتهدئة الداخل الإسرائيلي الذي أصبح يعاني من انعدام الثقة والرعب والخوف، وتزايد الرغبة في الفرار من فلسطين.
في ظلّ هذه المؤامرة الواضحة التي تنهمر الدموع من الأعين بسببها، وذلك لأنّ هذا المخطط يتضح للجميع القاصي والداني، ولكن دون تحريك ساكن من أحد، والتخوّف الأكبر، والذي يبدو في هذه التفاصيل، وبالتالي فإنّ الخطوة التالية حتماً تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن وما تبقى من المدن من حيفا وعكا ويافا وغيرها من القرى القريبة من لبنان. فيحقق حلمهم الجهمني، «أرض بلا شعب»، لتصبح فلسطين بالكامل تحت الاحتلال الصهيوني.
هذا الصفاء العرقي، والتطهير، والتهجير القسري والخطة التي يحلم بها مغتصبو الأرض تحت غطاء ماسوني أميركي أوروبي يمثل الإبادة التي قام بها السكان الأوروبيون وغيرهم في العديد من الشعوب الأصلية للأراضي التي وطأت أقدامهم عليها، مثل تصفية الهنود الحمر، فتكرار هذا المشهد وسط تواجد فلسطين الحبيبة بين هذا المجتمع العربي الممتدّ من المحيط إلى الخليج الذي لا يحرّك ساكناً، خاصة بعد فشل مؤتمر القمة العربية الإسلامية الذي لم يملك القدرة على تمرير المساعدات إلى غزة إلا بإذن من الكيان المحتلّ الغاصب، يدلّ على أنّ الحكام العرب ظهرت حقيقتهم ما بين خائن ومطبّع ومنبطح وخائف، وصاحب مصلحة مع الغرب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا التعنّت من قبل الحكومة البريطانية ودعمها لموقف «إسرائيل»؟ الإجابة ببساطة أنّ الغرب كلّ ما يهمّه في منطقتنا العربية هو الطاقة النفط والغاز وكلّ الموارد الأخرى، وحيث من المسلم به أنّ بحر غزة يزخر بالنفط والغاز، بالتالي فإنّ دعم بريطانيا إلى هذا الكيان سيرتب حتماً دوراً لبريطانيا في إعطائها الحق في استثمار هذا النفط، وهذا يتضح من خلال الصفقات التي عقدتها شركة «بتروليوم البريطانية» مع هذا الكيان منذ شهر من أجل التنقيب ببحر غزة، هذه الأمور تكشف طبيعة الدعم الغربي لكيان محتلّ مغتصب مثل هذا الكيان الصهيوني.
في الختام وبعد بشاعة هذه الأحداث والمجازر وقتل الأطفال والشيوخ والكبار، وبعد عرض أبرز نقاط المؤامرة التي يخطط لها هذا الكيان ورعاته الغربيون، لا يبقى لأبطال المقاومة سوى سلاحهم وربهم الذي يحميهم للدفاع عن أراضي فلسطين من البحر الى النهر إلى آخر أنفاس في أعمارهم…