انتصار الروح المعنوية في حرب غزة
العميد المتقاعد حسين الشيخ علي-موقع المقال
قبل ان نتكلم عن حرب غزة اليوم لا بد لنا من قراءة جانب من التاريخ العسكري في هذه المنطقة:
اعتمدت الجيوش الكبيرة والمدججة بكل انواع القتل والدمار على استراتيجية كسر الروح المعنوية عند العدو مما يؤمن الإنتصار عليه بسهولة من خلال عرض القوة والدعاية والتهديد والتدمير وارتكاب المجازر.
فالمغول استخدموا هذه الإستراتيجية في إحتلالهم لبلاد المسلمين في القرن الثالث عشر ابتداءً من 1221م. ولكنهم انهزموا على يد المماليك، (السلطان قطز) الذي خرج اليهم من مصر بعد ان وصلوا الى غزة وأرادوا دخول مصر، في معركة عين جالوت 1260م. كاسراً حاجز الخوف الذي سيطر على أمراء البلدان التي سقطت من قبله.
أما الحروب الصليبية التي استمرت من 1098م. ولغاية 1291م. والتي كانت تهدف الى السيطرة على الأرض المقدسة وأمتدت الى خليج العقبة، ولكن المماليك انتصروا على الصليبيين في آخر معاقلهم في عكا عام 1291م.
الفتح العثماني للبلاد العربية الذي امتد من 1516 ولغاية 1918 مع اتنهاء الحرب العالمية الأولى، وما شهدته هذه المدة الطويلة من ثورات ضدهم، ومنها ثورة الشريف حسين (1916-1918).
وعد بلفور 1917 والإنتداب البريطاني على فلسطين ومقاومته (القسام).
احتلال فلسطين عام 1948 وحرب (النكبة).
حرب 1967 واحتلال غزة وسيناء والضفة الغربية والجولان ومزارع شبعا من قبل العدو الإسرائيلي(النكسة).
حرب 1973 وما أدت اليه من اتفاقيات السلام كامب ديفد، أوسلو ….
حرب 1978 و 1982 و 1996 و 2000 و 2006 مع لبنان.
حرب 2008 و 2012 و 2014 و 2019 و 2021 و 2022 و 2023 طوفان الأقصى، مع غزة.
نلاحظ من خلال السرد التاريخي للحروب على غزة بأن المقاومة والرفض للإحتلال كان هو النهج التاريخي للمقاومة لطرد المحتل، وهذا ما راكم في ذاكرة الشعب الفلسطيني خاصة والشعوب العربية عامة أن السبيل الوحيد لتحرير الأرض هو المقاومة.
لقد أدركت المقاومة أنه من الصعب تحقيق التوازن العسكري مع المحتل في المدى المنظور، ودرست نقاط الضعف والقوة عند الجانبين، وتبين لها بان الهزائم العربية هي نفسية وتحصل حتى قبل وقوع الحرب بسبب مخزون اللاوعي المحفوظ في الذاكرة بسبب الهزائم التاريخية في القرن العشرين.
لذلك اعتمدت المقاومة على:
– إنشاء مراكزها ومخازنها تحت الأرض في أماكن غير معروفة.
– اعتماد تكتيك القتال من أماكن مخفية عن أعين العدو.
– قتال الحركة والمناورة السريعة والإختفاء وعدم الثبات.
– استخدام الأسلحة الخفيفة وخاصة المضادة للدروع.
– اللجوء الى القتال المتقارب مع العدو لإلغاء تفوقه التكنولوجي.
– الطائرات المسيرة.
– الإعتماد على الإتصالات السلكية العسكرية داخل الأنفاق.
من خلال اعتماد هذه الأساليب القتالية حمت المقاومة مجاهديها وحدَّت كثيراً من خسائرها البشرية، ولم تعطِ الفرصة للعدو باستهدافهم. ولذلك تركّز رد العدو على تدمير البنى التحتية والأبراج والمناطق السكنية والمؤسسات الحكومية، محاولاً انزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المدنيين وذلك للضغط على المقاومين لوقف القتال والإستسلام وإطلاق سراح الأسرى.
ان القصف الإسرائيلي لم يطل البنية العسكرية للمقاومة وهي لا زالت تحتفظ بمنظومة القيادة والسيطرة على قواتها في المعركة وقدرتها على إيصال الأوامر لهم للقيام بمهماتهم. وهي على معرفة بأساليب العدو الذي يدمر من بعيد ويخشى القتال المتقارب خوفاً من الخسائر البشرية في صفوفه.
تتمتع المقاومة في غزة بتأييد شعبي لا رجوع عنه نظراً للتجارب والإختبارات والوعود الكاذبة التي انتظرها الشعب كثيراً، وما زاده ذلك إلاّ مظلوميةً، والغزاويون يملكون الإستعداد النفسي للتضحية بكل نفيس يملكونه من أجل أن يتحرروا وأن يصبروا، لعل النصر آتٍ.
لذلك فالروح المعنوية عالية لدى مجاهدي المقاومة فالدمار الذي تقوم به اسرائيل لا يرعبهم وهم ثابتون في انفاقهم ينتظرون إقتراب العدو لمواجهته وجها لوجه، فهم استفادوا من تجارب الماضي وكسروا حاجز الخوف وآمنوا بقدرتهم على المواجهة بالطريقة التي يتقنوها.