أيّ نصرالله الآن؟؟
العالم يسأل الآن “ماذا في رأس السيد حسن نصرالله”؟. ثمة سؤال آخر “هل يدري أقرب المقربين مدى معاناته في هذه الأيام، بل في هذه اللحظات، وهو أمام قرارات تتعلق بمستقبل الشرق الأوسط بأسره”؟ ما يستشف من التعليقات الاسرائيلية “أي نصرالله الآن”؟
لعل الاجابة في اسمه (نصر الله)، وهو الذي جعل جو بايدن يدعو بنيامين نتنياهو الى تجنب الحرب مع حزب الله، ليس فقط لأن أميركا تخوض صراعات استراتيجية في أمكنة أخرى من العالم، وانما لأنها لا تدري ما ستكون عليه المنطقة اذا نزل الحزب الى الميدان، واذا لحق به آيات الله.
البعض يقول ان السيد الآن أمام هذا الخيار: غزة أو لبنان. ولكن ألا يعتقد هو أن مصير لبنان في ما يحدث، وما يمكن أن يحدث في غزة، وأن مصير غزة، بل ومصير فلسطين، بل ومصير الشرق الأوسط، في ما يمكن أن تفعله المقاومة في لبنان؟
بالتأكيد ثمة قوة عملانية هائلة لدى المقاومة، ويمكن أن تحقق مفاجآت اسطورية على الأرض. ولكن حين ينظر السيد نصرالله الى خريطة العالم، من تراه يقف الى جانب لبنان، والمشهد التراجيدي في غزة أمامه؟ لا أحد، لا أحد على الاطلاق.
العرب لم يكتفوا بتنكيس الأعلام. تنكيس الرؤوس أيضاً أمام الاله الأميركي الذي في ظنه، أنه حل محل أي إله آخر. رجب طيب اردوغان الذي حمل راية الخلافة أعلن الحداد لثلاثة أيام. الخليفة الذي يبكي من أجل فلسطين بعين، ومن أجل “اسرائيل” بعين أخرى ، الضائع بين الدم الفلسطيني والغاز “الاسرائيلي”. على الأقل، تمثّل أيها الرجل بالسلطان عبد الحميد الثاني، وقد خطط تيودور هرتزل لاغتياله بتفجير قصر يلدز بالقوارب المفخخة.
لا شك أن أفكاراً كثيرة وتوقعات كثيرة تجول في رأس السيد. أولئك العرب واللبنانيون، الذين يحذرونه من التداعيات الكارثية على لبنان أذا قرر الدخول في الحرب، اياهم الذين لا بد ان يسألوا (وقد بدأوا يسألون مواربة) أين صواريخكَ، وأين تهديداتكَ، يا صاحب السماحة؟
لنأخذ بالاعتبار أننا على عتبة السنة الانتخابية في الولايات المتحدة، السنة الماكيافيلية التي تسقط فيها كل المعايير العقلانية للدولة. جو بايدن يدرك أي معركة تنتظره اذا تمكن دونالد ترامب من الافلات من الملاحقات القضائية. لهذا يبدو مستعداً حتى ليبيع عظامه (حتى وان كانت رميم) الى اللوبي اليهودي. كم يكره نتنياهو، وكم يكرهه نتنياهو، ومع ذلك بدا العناق بينهما كما لو أنه العناق بين عاشقين؟
امبراطور يكذب، امبراطورية تكذب، بل أن الغرب كله يكذب. من يصدق أن صاروخاً بدائياً للجهاد الاسلامي دمر المستشفى المعمداني وقضى على نحو 800 ضحية، كما لو أننا، كلبنانيين على الأقل، لا نعلم ما التأثير الصاعق للصواريخ “الاسرائيلية” التي من صنع أميركي.
بايدن، بذلك الماضي التشريعي، هبط من رتبة أمبراطورالى رتبة وزير أثناء حضوره جلسة “الكابينت”، ليعلن أن ادارته تضع كل امكاناتها بتصرف تلك الرؤوس، التي تبدو كما لو أنها آتية للتو من الجحيم. قال لمن يعنيهم الأمر “من يدعو الى ازالة اسرائيل عليه أولاً ازالة أميركا”، لأن أميركا هي “اسرائيل” ولأن “اسرائيل” هي أميركا.
حتى الآن ما زلنا كعرب ندور كما السكارى حول هذه القضية. في التسعينات من القرن الفائت زرت الكاتب والصحافي الفرنسي البارز أندريه فونتين (وهو يهودي متنور). استغرب كيف أن العرب بقوا أربعة قرون تحت الحكم العثماني. هذه أمة ميتة، وان قال زميل من تونس ان التظاهرات الحالية في الشارع العربي، ليست كما التظاهرات (الفولكلورية) أيام زمان. ثمة أجيال جديدة تدق بقبضاتها على بوابة ألقرن. هل على هذه الأجيال يراهن السيد حسن نصرالله؟
ذاك الائتلاف الجهنمي الذي يعتقد أن هذا هو الوقت المثالي لاقامة الدولة اليهودية. عرب غزة الى سيناء، وعرب الضفة الى سوريا والعراق، وعرب الخط الأخضر الى جنوب لبنان الذي يفترض ان يخلو من أهله. لن يبقى حجر على حجر في “اسرائيل” اذا كان الهدف تفريغ الجنوب من أهله.
أي نصرالله الآن؟ انه يعلم تماماً ما على كتفيه وما أمام عينيه داخل البيت اللبناني، اذا كان هناك بيت لبناني. مثلما اصبعه على الزناد، قلبه وعقله على لبنان وعلى اللبنانيين. هل وصلت الرسالة…؟